Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 42-43)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ والَّذين آمنُوا وعَملُوا الصَّالحات لا نكلِّف نفْساً إلا وُسْعها } طاقتها التى لا حرج فيها { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } ما كلفنا إلا بما يسهل ، وقيل الوسع بذل المجهود ورد بأن أكثر أهل الجنة لم يبذلوا مجهوداً ، بل امتثلوا الفرائض ، وفى طاقتهم أكثر منها ، ولم يستعملوها فى غيرها ، أو استعملوها فيها وفى نفل قليل ، وقد يجاب بأن المراد بذل المجهود فى الطاعة اللازمة للناس فى الجملة ، ووسعها منصوب على تقدير الباء ، أو مفعول ثان لنكلف مضمنا معنى نلزم ، وقرأ الأعمش لا تكلف نفس ، وجملة { لا نكلف نفساً إلا وسعها } أو { لا تكلف نفس إلا وسعها } معترضة بين المبتدأ الذى هو الذين وخبره الذى هو . { أولئِكَ أصْحابُ الجنَّة } للترغيب فى اكتساب ما لا يبلغ غايته ، وصف الواصف من النعيم والشرف بما هو يسير فى الطاقة ، لا يعجز النفس وللإعلام بأن الدين يسر ، ويجوز كون الخبر جملة { لا نكلف نفساً إلا وسعها } أو { لا تكلف نفس إلا وسعها } والرابط محذوف أى نفساً منهم أو نفس منهم . { هُم فيها خَالدُونَ * ونَزَعْنا ما فى صُدُورِهم مِن غلٍّ } فى عامة المؤمنين المذكورين يخرج الله ما كان فى قلوبهم من الحقد والحسد من بعض على بعض ، أو من بعض على غيرهم ، وذلك أن الإنسان ولو كان مؤمناً لا يخلو من حقد وحسد مطبوعين فيه ، لكن المؤمن يزاولهما ويجاهدهما ، ولا يعمل بهما ، وإن عمل تاب وتخلص إلا من شاء الله فإنه لا يقعان فى قلبه أصلا وهو قليل ، أو يخرج من قلوبهم أسباب الغل والماصدق واحد ، فإن من أخرج الله من قلبه الحقد والحسد إلى ما لا نهاية له ، ومن أخرج منه أسبابهما كذلك ، سواء فى بقاء القلب على المودة واللذة والسرور ورؤية نفسه فى كمال أبدا ، حتى إنه لا يقع فى قلبه اشتهاء منزلة غيره ، وصاحب الغل فى عذاب وهم ، ولا عذاب ولا هم فى الجنة . وروى أنهم يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص من بعض لبعض ، أى مما لا يمنع من دخول الجنة كمظلمة نسيها ، وقد تاب فى الجملة توبة نصوحا ، وكمظلمة لم يتوصل إلى خلاصها لعدم ماله ، وقد تاب نصوحا حتى إذا هديوا دخلوا الجنة ، واحدهم أهدى بمنزلة فيها منه بمنزلة فى الدنيا ، وقيل يشربون من عين فى أصل شجرة فى باب الجنة ، فينزع غلهم ، ويغسلون من عين أخرى فى أصلها فتجرى عليهم النظرة أبدا ، وقيل نزل { ونزعنا ما فى صدورهم من غل } الخ فى أهل بدر ، أى نزلت بسببهم ولفظها يعم المؤمنين ، فإنه لا يبقى غل فى قلب أحد من المؤمنين ، وفى الحديث " الغل على باب الجنة كمبارِكِ الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين " وهذا تمثيل وكناية عن دخولهم الجنة ، ولا غل فيهم ، وعنه أنه لا غل فى الجنة ، وإلا فالغل عرض لا يقوم بنفسه ، أو يخلقه الله جسما يرى كمباركها كما يخلق الموت كبشا أو ككبش فيذبح ، واختار بعضهم هذا الوجه . وقوله { ونزعنا ما فى صدورهم من غل } إلى { بما كنتم تعملون } للصلح بين الناس ، والمتباغضين ، والاتفاق بين المتقاطعين يكتب بقلم فارغ من المداد يجر على حلوى ، فتبقى فيها الحروف بالجر ، ويطعم من أريد صلحه واتفاقه ، وإن كتب على أوراق بعدد القوم ، أو تمر أو تين أو نبق ، من فعل ذلك بإذن الله ، وتكتب لوجع القلب فى إناء فخار جديد ، كما يخرج من تنور بزعفران وماء ورد ، ويمحى بماء بئر ويشرب منه . { تَجْرى من تَحْتهُم الأنْهارُ } أى من تحت قصورهم وفرشهم من جانب ، فإن ما التصق بالأرض مطلق عليه أنه تجب ما كان منتصبا آخذا فى السماء ، وجرى الأنهار من تحتهم زيادة فى لذتهم وسرورهم . { وقالُوا } وهم فى الجنة { الحمْدُ للهِ الَّذى هَدانا لهذَا } أى إلى هذا الثواب العظيم ، والأجر الجسيم ، بأن وفقنا إلى موجبه وهو الإيمان والعمل الصالح ، أو لموجب ذلك { وما كنَّا لنَهْتدِىَ } اللازم لتأكيد النفى وهى لام الجحود ، أى لا مطمع فى اهتدائنا إلى ذلك { لوْلا أنْ هَدانا اللهُ } أن مصدرية ، والمصدر مبتدأ محذوف الخبر ، أى لولا هداية الله إيانا موجودة ، والجواب محذوف دل عليه ما قبل لولا ، وقرأ ابن عامر ما كنا لنهتدى بإسقاط الواو ، وكذا فى مصاحف أهل الشام ، وذلك جملة موضحة لما يفهم مما قبلها من أن المهتدى من هداه الله . { لَقَدْ جاءتْ رُسُل ربِّنا بالحقِّ } فاتبعناهم ، قالوا ذلك سرورا أو تنجيما بما نالوا وتلذذا بالتكلم به لا تقربا وتعبدا كما نرى من حصل على ربح عظيم بأقرب كسب ، يذكر أسباب الربح ، وكيف فعل فربح ، ولا يملك نفسه عن ذكر ذلك . { ونُودُوا } يناديهم ملك أو يخلق الله لهم نداء { أنْ } مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، والباء مقدرة أى بأنه ، أو مفسرة ، وكذا فى المواضع الأربعة بعد هذه ، وإنما جاز التفسير لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه وهو النداء والتأذين { تِلْكم الجنَّة } أشير إليها بإشارة البعيد ، وهم فيها حاضرة لعلو شأنها ، أو لأنهم حين النداء ليسوا فى قصورهم وملكهم ، بل موضع بعيد عن ذلك منها ، فالبعد باعتبار ملكهم وقصورهم فيها ، وإلا فهم فيها ، وعنه صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ أن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وأن لكم أن تصحُّوا فلا تسقموا أبدا ، وأن لكم أن تشبُّوا فلا تهرموا أبداً ، وأن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً " فذلك قوله عز وجل { ونودوا أن تلكم الجنة } { أورِثتمُوها بما كُنتم تعْملُون } رواه أبو هريرة وأبو سعيد الخدرى . وقيل ينادون إذا رأوا الجنة من بعيد قبل دخولها ، فإشارة البعد ظاهرة على حالها ، والجنة نعت أو بيان أو بدل ، وأورثتموها خبراً ، والجنة خبر ، وأورثتموها خبر ثان ، أو حال من الجنة والعامل فيها معنى الإشارة ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الجنة التى وعدوا بها فى الدنيا ، وأل فى الجنة للحضور ، أى الجنة الموعود لكم بها هى هذه الجنة ، وإشارة البعد على هذا واضحة على حالها ، وعلى هذا الوجه يتعين كون الجنة خبرا ، والجملة خبرا ثانيا أو حالا ، وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائى أرثتموها بادغام الثاء ، ومعنى أورثتموها أعطيتموها ، وعبر بالإيراث ، كأن المؤمن يأخذ منزله فى الجنة ومنزل الكفار فيها ، والكافر منزله فى النار ومنزل المؤمن فيها ، وقد سمى الله الكافر ميتا والمؤمن حيا ، فأورث الحى منزل الميت ، أو عبر به لأن ذلك الثواب العظيم مخلف عن الإيمان والعمل الصالح ، كما يخلف الميت المال ، أو شبه مصير الجنة إليهم بمصير المال إلى الوارث ، والآية نص فى أن الجنة بالعمل . ومن قال بالتفضل فمراده أن ذلك العمل الذى هو سببها إنما وفقه الله إليه وقبله منه ، فضلا ورحمة ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم " لن يدخل الجنة أحد بعمله وإنما يدخلها برحمة الله " أن عمله لا يوجب الجنة ، وأنه ليس ثمنا لها وافيا بها ، وإنما هو رحمة من الله أهداها إليه ، وعن الحسن دخولها برحمة الله ، وقسمتها بالأعمال ، أى يحسب الأعمال . وفى الحديث " الدرجة فوق الدرجة فى الجنة كما بين السماء والأرض فيرفع العبد بصره فيلمع له برق يكاد يخطف بصره فيقول ما هذا ؟ فيقال نور أخيك فلان ، فيقول كنا نعمل فى الدنيا على هكذا ، فيقال إنه كان أحسن منك عملا ، ثم يجعل فى قلبه الرضا " وهذا بظاهره يدل أنه كان فى قلبه عدم الرضا أولا ، وفيه بحث ، ولعله تكون ثم لمجرد الترتيب الذكرى ، أو بمعنى الواو للمهملة لا فى الحكم ، بل بحسب علو الشأن كأنه قيل وأعظم من ذلك أن الرضا يكون فى قلبه بإذن الله لا بكسب .