Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 56-56)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولا تفْسِدُوا فى الأرضِ } بالمعاصى والشرك والدعاء إلى غير الله { بعد إصْلاحِها } ببعث الرسوم وبيان الشريعة ، روى ذلك عن الحسن ، وقيل لا تعصوا الله فيمسك المطر ويهلك الحرث والأرض بعد إصلاحها بالمطر والخصب ، وقيل لا تفسدوا شيئا بعد أن أصلحه الله ، فيدخل قتل النفس ، وقطع العضو ، وإفساد المال ، والغصب والسرقة ، وإفساد الدين بالكفر والبدعة ، وإفساد الأنساب بالزنى ، والعقول بشرب المسكر ، وتغوير الماء الظاهر ، وقطع الشجر المثمر ، وهذه الأشياء أعظم إفساد بعد أعظم إصلاح ، وقد قيل تجارة الحكام من الفساد . { وادْعُوه خَوفاً وطَمعاً } مفعول لأجله ، أو مفعول مطلق ، أى دعاء خوف وطمع ، أو حال مبالغة ، أو بتقدير ذوى خوف وطمع ، أو خائفين وطامعين ، فالخوف منه ومن عقابه ، والطمع فيما عنده من جزيل ثوابه ، وعن ابن جريج خوف العدل ، وطمع الفضل ، وقيل خوفا من الرياء ، والذكر فى الدعاء ، أو طمعا فى الإجابة وقيل خوف من الرد لقصور الأعمال ، وعدم الاستحقاق ، وطمعا فى الإجابة ، تفضلا وإحسانا لفرط سعة رحمته ، وذلك أمر بأن يكون الإنسان فى حال تقرب وتحرز وتأميل ، حتى يكون الرجاء والخوف له كالجناحين للطائر يحملانه فى طريق استقامة ، لا يظن الوفاء بحق الله ولو اجتهد اجتهاداً ، وإن انفرد الخوف وهو انزعاج فى الباطن لمن لا يؤمن من المضار . وقيل توقع مكروه أو انفرد الطمع وهو إرادة أن يقع محبوب والشوق لوقوعه هلك الإنسان ، وقيل يهلك بالميل ، والصحيح الأول ، لأنه ما وجد أحدهما لا يكون آيسا أو آمنا ، واختار كثير من العلماء أن يغلب الخوف الرجاء حتى يحتضر ، فيغلب الرجاء ، والمشهور استواءهما ، وجزم به الأكثر للأحاديث ، " ودخل صلى الله عليه وسلم على شاب محتضر فقال " يكون أجدك ؟ " قال أرجو يا رسول الله ، وإنى أخاف ذنوبى ، فقال " لا يجتمعان فى عبد فى هذه الحالة إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف " " وهو محتمل لاستوائهما ، ومحتمل لاجتماعهما ، ولو مع زيادة أحدها ، ونكتة تكرير الدعاء إذا فسر فى الموضعين جميعا بالسؤال أو بالعبادة ، أن يكون السؤال أو العبادة مقرونا بالتضرع والإخفاء ، والخوف والطمع ، أو أن فائدة الدعاء خوف العقاب ، وطمع الثواب ، فافهم أو إن فائدته أنكم تدعونه فى الأمرين ، فتارة فيما يخاف وتارة فيما يرجى . { إنَّ رحْمَة اللهِ قَريبٌ مِنَ المحْسِنينَ } أى لازم الرحمة ومسببها وهو الإحسان ، وإلا فالرحمة بمعنى رقة القلب ، ولا يوصف الله بالقلب ولا برقته ، وهى صفة فعل لله ، وإن قيل هى إرادة الإحسان ، فصفة ذات ، وصح التذكير فى قريب لأنه فعيل بمعنى فاعل ، وهو شبيه بالمصدر الذى هو كصهيل أو لشبهه بفعيل بمعنى مفعول ، فإنه يجوز تذكيره إذا وجد دليل الأنثى ، لا لأن الرحمة مؤنث غير حقيق لأنه يجب تأنيث ضميره ، ولو كان كذلك تقول الشمس طالعة لا طالع ، أو لإضافته لما ليس مؤنثا مع صلاحية الاستغناء به ، فلو قيل الله قريب لصح ، أو لأن الرحمة لمعنى الثواب أو الفضل أو الغفران أو العفو ، وقيل لأن الرحمة هنا المطر ، وقيل لأن المراد النسب ، أى ذات قرب ، وقيل ذكر فرقا بين قرب المسافة والزمان ، وقرب الرحم يجب التأنيث فى الآخر وهو ضعيف ، أو لتقدير مضاف أى حضور رحمته أو مجيئها ، أو لتأويل الرحمة بالترحم ، قيل أو بالرحم بدون تاء مع إسكان الحاء ، أو لتقدير موصوف أى شىء قريب ، أو أمر قريب . والصحيح أن المراد بالرحمة الرحمة الأخروية لا المطر كما قيل ، ومعنى قربها سهولة عضو وصلها ، لأن الدين يسر ، فقبول الله الأعمال رحمة ، ورضاه رحمة ، وفى وصفها بالقرب قبل ترجيح للطمع وترغيب فيها ، فيتوسل بقربها إلى إجابة الدعاء ، وقال الطبرى رحمته الجنة ، ووجه قربها أنه ما بينهما وبين المحسنين إلا موتهم ، وهم فى كل لحظة فى إدبار عن الدنيا وإقبال على الآخرة ، لأن كل لحظة مضت من عمرهم لا ترجع أبداً .