Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 57-57)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وهُو الَّذى يُرسل الرِّياحَ } وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائى الريح بالإفراد ، والرياح بالجمع حيث وقع فى القرآن ، فهو مقرون بالرحمة كقوله { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } { وأرسلنا الرياح لواقح } والريح بالإفراد حيث وقع مقرون بالعذاب غالباً كقوله { وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصرٍ } حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا هبت الريح يقول " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحاً " . وذلك أن ريح الرحمة تجىء من هاهنا وهاهنا لينة متغايرة المهب ، فيحسن تسميتها رياحاً ، وريح العذاب تجىء من جهة واحدة جسما واحداً شديد المر ، فهى ريح واحد ، ولذلك لما أفردت فى { وجرين بهم بريح طيبة } وصفت بالطيب إزالة لتنوهم العذاب ، وكذلك ريح سليمان لما أفردت أوصفت بالرخاء ، وإفرادها فى الموضعين أليق بالسفينة ، ومن حملت من سليمان وغيره تجىء من جهة واحدة لئلا تعطل ، ووجه الإفراد فى هذه الآية إرادة الجنس ، ووصفه بالنشر يزيل التوهم . وعن ابن عمر الريح أربعة رحمة النشر ، والمبشرات والمرسلات ، والذاريات ، وأربعة عذاب القاصف والعاصف والصرصر والعقيم ، ويكتب { وهو الذى يرسل الرياح } إلى { يشكرون } فى وعاء من شجر الزيتون بماء التفاح وماء العنب وزعفران ، ويمحى بماء العنب أيضا ، ويجعل منه فى أصل الشجر قليل ، ويكبُّ فوقه الماء القراح ، فتحفظ بإذن الله من الدود والنمل ، والعفن والجراد ، والفار والطير ، ويحسن أصلها وثمرها { نشراً } وفى قراءة { بُشراً } بالباء وقراء ابن عامر بإسكان الشين تخفيفاً حيث وقع ، وهو جمع نشور كرسول ورسل حال من الرياح ، وكذا فى قراءة ابن كثير الريح بالإفراد ، لأن المراد الجنس ، وقرأ الكسائى وحمزة بفتح النون وإسكان الشين حيث وقع على أنه مصدر وقع حالا مبالغة ، أو بتقديره يناشره ، أو بذات نشر أو مفعولا مطلقا كقعدت جلوسا ، فإن الإرسال والنشر متقاربان ، وعلى الحالين ، فصاحب الحال الريح على أنه من النشر القاصر ، وضمير يرسل على أنه من المتعدى وهو خلاف طى الشىء ، ويصح أن يكون على التعدى صاحبها الريح على التأويل بمنشور . وهذه الأوجه فى الحالية تأتى أيضا إذا فسر بالنشر الذى هو الحياة أو الأحياء ، وكذا قرأ ابن مسعود وابن عباس وطلحة والأعمش ومسروق وغيرهم ، وقيل عن مسروق إنه قرأ بكسر النون وسكون الشين بمعنى منشورة كالنقض بمعنى المنقوض ، وقال أبو الفتح عنه نشراً بفتحهما وهو مصدر ، أى ذات نشر أو ناشرات من النشر بفتحهما الذى هو أن تنشر الغنم بالليل فترعى تشبه السحاب فى انتشاره بها . وعن مسروق أيضا وابن عباس وابن أبى عبلة بشراً بباء موحدة مضمومة وضم الشين جمع بشير ، وقرأ عاصم بموحدة مضمومة وإسكان الشين تخفيفا ، وعنه بموحدة مفتوحة وإسكان الشين على المصدرية وهو حال مبالغة ، أو يؤولوا بباشرات أو ذوات بشر ، وقرأ محمد بن السميفع بشرى بضم الوحدة وإسكان الشين ، وبألف التأنيث وهو أيضا مصدر ، وإعرابه كالذى قبله . { بَيْن يَدْى رَحْمته } هى هنا المطر ، أى قدام رحمته ، واستعيرت لها اليدان تمثيلا بالإنسان ، فإنه إنه كان الشىء أمامه أو فى حجره فهو بين يديه ، لأن يدى الإنسان يتقدمانه عند المناولة وعند المشى استعانة ، وسمى المطر رحمة لأنه سبب لحياة الأرض وغيرها ، وهو من أجلّ النعم وأحسنها أثراً ، وبيان تقدم الريح المطر أن الصبا وهى الريح الشرقية تثير السحاب ، والشمال وهى التى تهب من جهة قطب الشمال تجمعه ، والجنوب وهى القبلية تذره ، والدبور وهى الغربية تفرقه . اشتدت الريح بطريق مكة على عمر وغيره قاصدين الحج فسأل من حوله ما بلغكم فى الريح ؟ فلم يكن عندهم جواب ، وبلغ ذلك أبا هريرة وهو آخر الركب ، فحث راحلته حتى أدركه فقال يا أمير المؤمنين أخبرت أنك سألت عن الريح ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الريح من روح الله تأتى بالرحمة وتأتى بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها ، واسألوا الله من خيرها ، واستعيذوا بالله من شرها " وعن كعب لو حبس الله الريح ثلاثة أيام لأنتن أكثر أهل الأرض . { حتَّى إذا أقلَّت } حملت ، سمى الحمل بالإقلال لا عمن حمل شيئا يراه قليلا ، ومن ذلك تسمية الإناء المعروف قُلَّة { سحاباً } جمع سحابة ككلمة وكلم ، ولذلك وصفه بالجمع وهو قوله { ثِقالاً } بما فيها من الماء ، والسحابة الغيم فيه ماء أو لم يكن ، سمى لانسحابه فى الهواء ، وهو جسم يتولد من شجرة فى الجنة ، وعن السدى تأتى به الريح من حيث تلتقى السماء والأرض وتنشره ، فيفتح له أبواب السماء فيسيل فيه الماء ، فإما أن يرى أن المسافة إلى السماء قليلة دون خمسمائة عام أو يراها خمسمائة عام ، ويعجل الماء بقدرته فى زمان قليل ، وقيل إنه يتولد بريح شديد ويضم بعضه إلى بعض وينعقد ويحمل الماء . { سُقْناه لبلدٍ } إلى بلد ، أو لأجل إحياء بلد أو سقيه ، والهاء للسحاب وأفرد لجواز إفراد الجمع الذى هو كالكلم والنخل والشجر ، والبلد الموضع عامراً أو غير عامر ، وفى سقنا التفات من طريق الغيبة إلى التكلم تأكيداً للمن وإظهاراً له ، فإن سوقه لبلد إنعام عظيم { ميِّتٍ } وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش بإسكان الياء ، وصف البلد بالموت تجوزاً لسعته وعدم زيادته بالنبات ، ولحفوف نباته وشجره . { فأنزلْنا به الماءَ } أى فيه فالباء صرفية ، والهاء للبلد ، ويجوز كون الباء للإلصاق ، والهاء للبلد ، ويجوز كون الباء للآلة ، والهاء لسحاب ، وكونها بمعنى من الهاء للسحاب ، وكونها للسببية والهاء للريح ، ولو فى قراءة الرياح بالجمع لدلالة الجمع على المفرد ، أو للسوق المداول عليه بسقناه . { فأخْرجْنا } الفاء للاتصال ، وهو فى كل شىء بحسبه ، تقول تزوج زيد فولد له إذا لم يكن بين التزوج والولادة إلا مدة الحمل ، أو بمعنى الواو أو يقدر ومضت مدة فأخرجنا { بِهِ } أى بالماء ، والباء للسببية أو الهاء للبلد ، فالباء للظرفية أو الإنصاف أو الهاء للريح أو اسوق ، فالباء أيضا للسببية { مِنْ كلِّ الثَّمراتِ } من جميع أصنافها ، ومفعول أخرج محذوف أى شيئا ومن كل نعته . { كذلِكَ نُخرجُ الموتى } رد على منكرى البعث ، والمعنى إنَّا قادرون على إخراج الموتى كما قدرنا على إخراج الثمار ، أو كما قدرنا على إحياء البلد ، والإشارة لإخراج الثمار أو لإحياء البلد المفهوم من الكلام ، ويجوز أن يكون الكلام إخباراً بكيفية إخراج الموتى لا مسوقا للرد على منكرى البعث ، لكنه متضمنا له ، وبيان ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم " أنه ينزل على الموتى ماء من السماء " ، وفى رواية " من تحت العرش ، يقال له ماء الحيوان " ، ولا منافاة بينهما ، وفى رواية " كمنى الرجل أربعين سنة " ، وفى رواية " أربعين يوما ، فينبتون كما ينبت الزرع ، حتى إذا كملت أجسادهم ونفخ فيها الروح ، ويلقى عليهم النوم فينومون ، ثم ينفخ للبعث فيقومون ، وفى رءوسهم وعيونهم أثر النوم فيقولون { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } " وعن مجاهد يرسل عليهم الماء من السماء فتنشق عنهم الأرض ، فيرسل الأرواح ، إلى أجسادها { لعلَّكم تذكَّرونَ } هذه ترجية أو تعليل لمحذوف ، أى قلنا ذلك أو أنزلنا الآية لعلكم تذكرون فتؤمنوا بالبعث .