Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 16-16)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ومَنْ يُولِّهم } منكم { يَوْمئذٍ } أى يوم إذ لقيتموهم مطلقا بدر أو غيره { دُبرهُ } خلفه ، وسكن الحسن الباء والتفسير بالدبر بتشنيع على الفار { إلا مُتحرِّفاً } عنهم { لِقتالٍ } مجموع إلا والمنصوب بعد حال ، أو هى الحال على أنها اسم ظهر إعرابها فى ما بعدها لكونها بصورة الحرف قولان فى مثله ، أى ومن يولهم دبره غير متحرف ، وصاحب الحال الضمير المستتر . وإن قلت إذا كان الحال على القول الأول مجموع إلا وما بعدها فما وجه النصب فيها بعدها . قلت لما لم يكن له إعراب على حدة ، وكان اسما معربا احتاج إلى أن يكون على صورة ما سلط عليه العامل ، فجئ به على صورة المنصوب ، لأن محله مع إلا النصب ، وعلى القولين فلا عمل إلا فى متحرفا وأحسن من ذلك أن يكون النصب على الاستثناء من الضمير المستتر ، لأنه من حيث المعنى عام ، قيل أو من مَنْ فالناصب له إلا ، أو يؤول أو غيرهما مما ذكرته فى النحو ، واللام للتعلل أو لشبه التمليك ، وقيل بمعنى إلى ، وقيل للتعدية أو متحيزا متفيعل من حاز يجوز ، أصله متحيوز اجتمعت الياء والواو ، وسكنت السابقة فقلبت الواو ياء ، وأدغمت فيها الياء لا متفعل ، وإلا قيل متحوزا ولا وجه لقول بعضهم استثناء المتحرف والمتحيز من أنواع التولى ، لأنه لم يقل إلا متحرفا لقتال أو تحيزاً ، إلا إن أراد الاستثناء المنقطع ، ولأنه لا يستثنى من الفعل ولو صح المعنى بالنظر إلى معنى مصدره . { إلَى فئةٍ } جماعة حاضرة معه فى القتال قريبة منه ومعنى التحرف لقتال أن يتصور بصورة المنهزم فيعطف على من لحقه فيقتله ، وذلك يكون بسبب تحصن العدو فلا يحد لقتله مدخلا ، فإذا تهازم برز له ، ولسبب أنه اجتمع عليه رجلان أو ثلاثة ، فإذا تهازم لحقه أحدهما أو أحدهم فقط ، فيقدر عليه ، وكذا إذا اتبعوه ووصل إليه أحدهم قبل غيره ، ولغير ذلك من الأسباب ، وذلك باب من خدع الحرب . والتحيز إلى فئة أن ينضم بعد انفراد ، أو من جماعة إلى جماعة من المسلمين يستعين بهم ويتقوى ، وزعم بعضهم أن التحيز جائز ولو إلى فئة بعيدة غير حاضرة فى القتال لما قال الحسن عن عمر بن الخطاب ، لما بلغه وهو فى المدينة أن أبا عبيدة بن الجراح وأصحابه قتلوا يوم القادسية رحم الله أبا عبيدة لو انحاز إلينا لكنا فئته ، وكذا روى ابن سيرين ، وزاد عن عمر إنا فئة كل مسلم . وعن عبد الله بن عمر " خرجت فى سارية ففروا ، فلما دخلوا المدينة دخلوا البيوت حياء ، فقلت يا رسول الله نحن الفرارون ، فقال " بل أنتم العكارون - أى الكرارون - وأنا فئتكم " وروى أن رجلا فر من القادسية فقال لعمر يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف ، فقال ، فقال أنا فئتك ، وعن الحسن لو أن أهل سمرقند انحازوا إلينا ، ونسأل الله العافية من ذلك لكنا لهم فئة ، وكان أبو بكر وعمر رضى الله عنهما يقولان للجيوش ، إن غلبكم أمر فانحازوا إلينا فإنا فئتكم ، وإنما لم يكن ذلك كبيرة لنية الرجوع إلى العدة وإلى العدو بعدة قوية من القربة مثلا . { فقدْ باءَ } رجع { بغَضَبٍ مِنَ اللهِ ومَأوَاهُ } مصيره ومرجعه { جَهنَّم } وفيه إيماه إلى أن الموضع الذى هرب إليه مثل جهنم فى حقه { وبِئْس المصِيرُ } هى ومذهبنا كما تعلم من كلامى أن الفرار من الزحف كبيرة ، وهى موبقة فى كل قتال للمشركين ، ومثله قتال المنافقين ، إلا إن فر تحرفا لقتال ، أو تحيزا إلى فئة قريبة حاضرة للقتال ، أو كان المسلمون أقل من نصف العدو ، وكما قال ابن عباس ما فر من فر من ثلاثة ، والمراعى فى ذلك هو العدد ، وبذلك قال الجمهور . وقالت فرقة منهم ابن الماجشون وهو من المالكية فر أى أيضا العدة والقوة ، فيجوز على قولهم أن تفر المائة من مائة مثلا إذا علمت أن فيها أكثر من ضعفها عدة أو شجاعة ، وذكروا عن أبى سعيد الخدرى ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، ونافع أن الآية فى قتال بدر خاصة ، وجد الفرار فى غيرها لأنه تحيز إلى فئة ، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان معهم يوم بدر ، ولا فئة لهم ينحازون إليها دون النبى صلى الله عليه وسلم ، ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين ، ولأنه أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه . وكتب عبد الله بن عون إلى نافع يسأله عن الفرار من الزحف فقال إنما حرم يوم بدر ، فإن صح ما مر عن النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر من قولهم إنا فئة من انحاء الينا وليسوا فى قتال كان لهم حجة ، وصح لهم تخصيص الآية ببدر ، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وأما قوله تعالى فى شأن أحد { ولقد عفا الله عنهم } فما استدلوا به ، ولا دليل فيه لجواز أن يكون المعنى قد عفى عنهم لتوبتهم من الفرار الذى هو كبيرة ، وذكروا أنه إن جاء المسلمين عدوٌّ لا يطيقونه تحيزوا إلى البصرة ، وإن جاء ما يغلبهم تحيزوا إلى الكوفة ، وإن جاء ما يغلبهم تحيزوا إلى الشام ، فإن جاء ما يغلبهم تحيزوا إلى المدينة ، فإن جاء ما يغلبهم فليس ثم تحيزٌ ، وصار الجهاد فريضة بعد أن كان دخوله متطوعا ، وأنه ما قبض صلى الله عليه وسلم حتى كان تطوعا .