Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَسْألونَك عَنِ الأنْفالِ } السؤال سؤال استخبار ، فعن على أصلها والأنفال الغنائم ، سميت الغنيمة نفلا بفتح النون والفاء ، أو بسكون الفاء ونافلة ، لأنها زيادة على القيام بالجماد ، وحماية الحوزة ، والدعاء إلى الله عز وجل ، والنفل والنافلة لغة الزيادة ، ولأنها عطية من الله ، تفضل بها على هذه الأمة فقط ، يقال نفله الله أو الإمام كذا ، أى أعطاه إياه ، وقيل لا يقال نفله إلا إذا أعطاه زائدا عن حقه . وقرأ ابن محيصن علنفال ، بنقل حركة همزة أنفال إلى اللام ، وحذف الهمزة وإدغام النون من عن فى اللام ، وقع اختلاف من المسلمين فى غنائم بدر كيف تقسم ؟ ولمن الحكم فى قسمها للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعا ؟ فجعلوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال { يسألونك عن الأنفال } وقال جوابا لهم { قُل الأنْفالُ للهِ والرَّسولِ } أمرها مختص بهما ، فقسمتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما يأمره الله به ، فإن شاء قسمها ، وإن شاء أمر من يقسم ، هذا ما يتبين لى فى تفسير الآية ، وعليه الأكثر ، وقيل السؤال سؤال طلب ، " فعن " إما زائدة مع أنها غير عرض عن أخرى ، أى يطلبونك أن تعطيهم الأنفال ، فالأنفال مفعول ثان ليسألونك ، ويدل لهذا قراءة ابن مسعود ، وسعد بن أبي وقاص ، وعلى ابن الحسن ، وأبى جعفر محمد بن على ، وجعفر بن محمد ، وطلحة بن مصرف ، وعكرمة ، والضحاك ، وعطاء يسألونك الأنفال ، وأل لاستغراق غنائم بدر على أنها طلبوها كلها ، وللحقيقة على أنهم طلبوا بعضها ، وإما بمعنى من الابتدائية فافهم ، أو التبعضية وذلك أنهم افترقوا ثلاثا فرقة أقامت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العريش الذى صنع له ، تحميه وتؤنسه ، وفرقة احاطت بالعدو ، وفرقة تقاتل فقتلت وأسرت ، وقالت نحن أولى بالمغنم لأنا القاتلون الآسرون ، وقالت المحيطة هو لنا لأنا الآخذون والمحيطون بالعدو ، وقالت القائمة بالعريش نقدر أن نقاتل العدو ، ولكن خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم غرة العدو فقمنا معه ، فنزلت الآية . وذكر الطبرى وغيره ، عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرض على العدو قبل ذلك بقوله " من قتل قتيلا فله كذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا ، ومن أتى مكان كذا فله كذا ، ومن صنع كذا فله كذا ، ومن أخذ شيئا فهو له ، وأن الله وعدنى النصر والغنيمة " فسارع الشبان فقتلوا سبعين وأسروا سبعين ، وبقيت الشيوخ تحت الرايات والوجوه ، فقالت الشبان الغنيمة لنا لذلك ، وقالت الشيوخ والوجوه كنا ردءًا لكم وجنَّة تنحازون إليها لو انهزمتم ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو اليسر بن عمرو الأنصارى من بنى سلمة أنجز لنا الوعد ، قد قتلنا وأسرنا وفعلنا ، فقال سعيد بن معاذ ، وكان من وجوه مَنْ قعدوا بالعريش ما منعنا أن نفعل ذلك زهد عن الآخرة ، ولا حين ، ولكن كرهنا أن تعطف الخيل فتصيبك والمسلمين ، فأعرض عنهما ، فقال سعد إن أعطيتهم ذلك فما لسائر أصحابك ، فان المغنم قليل فنزلت ، فقسم على السواء فكان قسمه على السواء إصلاحا لما ساء من أخلاقهم فيه ، وتقوى وإصلاحا لذات البين . " وقال سعد بن أبى وقاص قتل أخى عمير ، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكنيفة فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد شفى الله بهذا السيف صدرى من المشركين فأعطنيه ، وكأنه قاتل به بعد ما أخذه ، أو أراد الشفاء يأخذه وكان عظيما ، فقال لى " ليس لى ولا لك فاطرحه فى القبض " أى فى جملة المقبوض من سلب المشركين بفتح القاف والباء فطرحته وبى ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخى ، وأخذ سلبى ، وخفت أن يعطيه من لم يبل بلائى ، " وروى أنه لم يأخذه ، وإنما وجده فى جملة الغنيمة ، فقال أعطينيه فقد وجدته فى جملة الغنيمة ، فأنا من قد علمت حاله ، فقال " رده من حيث أخذته " فأردت طرحه فى القبض فرجعت ، فقلت أعطنيه ، فنهرنى " رده من حيث أخذته " وعلى الروايتين فما جاوز إلا قليلا ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فقال أخاف أن ينزل فى شئ ، قال " اذهب فخذه سألتنيه وليس لى والآن هو لى ، وقد نزل { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } " وعن الكلبى أنه صرع وعد الأنصار المغنم ، فتكلم فيه المهاجرون فنزلت الآية ، فقال مالك بن ربيعة أصبت سيف بن عائذ يوم بدر ، وكان يسمى المرزبان ، فأمر صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ما بأيديهم من النفل فطرحته ، فسأله إياه الأرقم المخزومى فأعطاه ، وفى نفسى كراهة ، وكان لا يرد سائلا . وقضية سعد ونحوها تدل على أن الأنفال فى الآية ما يعطاه القاتل زيادة على سهمه ، وأن معنى كونها لله ورسوله أنها لرسول الله ملكا يعطيها من يشاء ، وقد قيل بذلك فى بدر فقط ، وقال عطاء ، وابن عباس فى رواية عنه إن الأنفال هنا ما شذ من المشركين إلى المسلمين كالفرس الغائر ، والعبد الآبق ، والمتاع مما ليس سلبا هو للنبى صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء ، وقال ابن عباس الأنفال هنا ما وجد من مال المشركين بعد قسم الغنيمة هو له كذلك ، وهذا أن القولان حكمهما مستمر فى غير بدر أيضا ، وقيل هما فيما ناله الجيش بعد الحرب ، وارتفاع الخوف . وعن ابن عباس إن الأنفال ما يعطيه الإمام لمن رآه من سيف أو فرس أو نحوه ، وعنه الغنيمة ، ونسب للأكثر ، وعنه ما يعطى الغازى زيادة ، وعن الحسن الأنفال ما تجئ به السرايا وهو بعيد عن الآية لا يناسب الأسباب المذكورة ، بل خارج عن يوم بدر ، وعن مجاهد هى الخمس ، قال المهاجرن لا يخرج منا ، قيل وهو قليل المناسبة للآية ، أو قيل الأسارى والغنيمة ، وليست الآية منسوخة بآية الخمس ، بل تضمنت أنها يضعها حيث أمر الله ، وقد أمره فى غنائم بدر بالقسم على السوية ، أو أجاز له أن يفعل فيها ما يشاء ، وأمره فى سائر المغانم بالتخميس ، وما ذكره فى آيته . وإذا قلنا إن السؤال والجواب فى غنائم بدر لم يصح النسخ أيضا ، وقال مجاهد ، وعكرمة ، والسدى منسوخة بآية الخمس ، وهذا إنما يصح على أن السؤال عن الغنائم مطلقا ، وكذا الجواب ، أو على أن السؤال عن غنائم بدر ، والجواب عام ، وهى أيضا عند ابن زيد ناسخة لتحريم الغنائم على من قبلنا ، وللإمام أو نائبه أن ينقل من الغنيمة قبل التخميس لمن يشاء من أهل الشجاعة وغيرهم ، بحسب نظر المصلحة ، ليحض على مكافحة العدو من أول الغنيمة أو وسطها أو آخرها ، أو بعد الفراغ من القتال بما شاء من دابة أو عبد أو سلاح أو ذهب أو فضة أو لؤلؤ أو غير ذلك من المال ، وأن يقول من أخذ شيئا فله ، ومن قتل أحدا فله سلبه ، أو له كذا ، ومن وصل موضع كذا فله كذا ونحو ذلك ، ولو كان لا يحسن لأحد أن يقاتل بنية المال ، ولا يعطى ما يدعى أنه سلبه ، أو قتل صاحبه أو فعل ما يستحقه به إلا بنية . وقيل يجرى شاهد واحد كما جرى لأبى قتادة ، ونسب للأكثر ، وقال الأوزاعى يعطى بمجرد دعواه وهو أوضح إذا نادى منادى الإمام بما ذكر ، من أن من فعل كذا فله كذا ونحوه إذا وجد فى يده ، ولا يجوز له أن يخلف الوعد فى ذلك إلا أن تبين له أن الحق أو الرأى والمصلحة غير ما وعد به ، كما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ترك لأمر الله له ، بخلاف ذلك ، أو لئلا يقدح ذلك فيما بين المسلمين من التحاب والتصاف ، وقيل يلزمه الوفاء ولو خالف الرأى والمصلحة إن لم يخالف الحق . وقال مالك لا ينفل إلا من الخمس ، وقال بن المسيب من خمس الخمس ، وقال أنس من أربعة الأخماس ، وقال الشافعى وابن حنبل بعد الغنيمة قبل التخميس وفرقة قبل القتال فقط ، بأن يقول من وصل موضع كذا ، أو هدم من الحصن كذا ونحو ذلك مما مر فله كذا ، ومنع مالك أن يقول لهم ذلك ، وإن قال وفى ، وعن الحسن كان ينفل رسول الله بعد الخمس ، وذكروا أنه كان ينفل فى البداءة الربع ، وفى الرجعة الثلث ، قيل لأن الرجوع أشد خوفا ، ومنع بعضهم أن ينفذ ذهبا وفضة أو لؤلؤاً ونحو ذلك . وعن الشافعى السلب للسالب ولو لم يقله الإمام لحكم النبى صلى الله عليه وسلم وقيل فى الغنيمة ، وروى أن المسلمين عسكروا فأتى عليهم أبو عبيدة بن الجراح أميراً ، وبلغ حبيب بن مسلمة ، وكان فيهم علجا من الروم توجه فطلبه فقتله فاخذ سلبه ، وقر خمسة أبغل ديباجا ولؤلؤاً ، وقال أبو عبيدة مالك منه إلا طابت به نفسى ، فقال حبيب أناشدك الله أن تظلمنى فيما أعطانى الله ، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلا فله سلبه " فقال إنما ذلك فى غزوة بدر فقط ، وسمعته يقول إن ذلك إلى الإمام ، فأخذه وخمسة فأعطاه الخمس ، فبلغ عشرة آلاف ، وقيل إن كان السلب قليلا فللقاتل ، والأخمس للقاتل ، وقيل للجميع ، وعن سعيد بن المسيب لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وزعم ابن حنبل ، والشافعى أنما ينفل السالب ما سلب من مقبل مبارزة لا ما سلب من منهزم ، واتفقوا أن السلاح سلب ، واختلف فى الفرس وما يتزين به للحرب ، وما فى الهيميان كدنانير ودراهم وجواهر ونحو ذلك ، وزعم بعض أنهم اتفقوا أن ما فى الهيميان من ذلك ليس سلبا ، وإن قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه ، فقتل ذمى قتيلا فلا شئ له ، وقيل يرضح للذمى من الغنيمة ، وإن قتل الإمام قتيلا بعد قوله ذلك فله سلبه . وذكر الشيخ هود ، عن ابن عمر أعطانا صلى الله عليه وسلم من غنيمة غنمناها اثنى عشر بعيرا لكل واحد ، ثم نفل لنا بعيرا بعيرا ، وأنه صلى الله عليه وسلم كان فى الغزوة معهم ، وذكر البخارى ، ومسلم أنه بعثهم ، ويجمع بأنه لحقهم بعد البعث ، وعن الحسن " أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم زماما من شعر قبل قسم الغنيمة ، فقال " سألتنى زماماً من شعر نار فوالله ما كان لك أن تسأله ولا لى أن أعطيكه ولو أعطيتكه لأعطيتك زماما من نار " . { فاتَّقُوا اللهَ } بترك المحرمات والنزاع فى الغنائم { وأصلحُوا ذات بيْنكم } ذات بمعنى صاحبة ، وهى واقعة على الحالة ، وبين هى الظرفية فى مثل قولك قعدت بين زيد وعمرو ، والمعنى أصلحوا الحال التى بينكم بالمساواة والمساعدة فى أمر الغنائم والتسليم لأمر الله ورسوله فيه ، فإنها قد فسدت بنزاعكم ، فاحتاجت إلى أن ترد كما كانت من محبة وألفة ومتابعة ، و عن بعضهم إصلاحها برد بعض على بعض فيما أخذوا من السلب ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كلاما سلب ان قاتله فأمره الله بالرد ، وما فسرت به ذات بينكم حق واضح راجح لا يشكل منه شئ إن شاء الله . وقول بعض إنه متناقض خطأ ولك أن تجعل ذات بمعنى نفس ، كأنه قيل أصلحوا نفس بينكم ، كما تقول مررت بذات زيد تريد زيدا نفسه ، وذكر بعضهم أن هذا يستعمله الناس ، وليس عربيا فلا تفسر به الآية على هذا ، ولك أن تجعل البين بمعنى الانفصال ، لأنهما تخالفوا بالنزاع ، أى أصلحوا الحالة التى هى صاحبة تقاطعكم ، وهى ما يقع على التقاطع بالنزاع مثلا من البغض والغضب ، وإصلاحها بإزالتها ، أو أصلحوا نفس تقاطعكم بإزالته ، يقال أصلح الفساد أى أزاله ، وقال الزجاج البين هنا الوصل وهو ضعيف . { وأطِيعُوا اللهَ ورسُولَه } فى كل ما أمركم به ، ونهاكم عنه ، من أمر الغنيمة وغيره { إنْ كُنتم مُؤمِنِينَ } فإن الإيمان يقتضى ذلك ، كما تقول إن كنت جيدا فافعل كذا تريد الإشارة إلى أنه غير جيد إن لم يفعله ، أو معنى مؤمنين كاملى الإيمان ، إشارة إلى أنه يكمل باتقاء المعاصى وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله ورسوله فى الأمر والنهى كما تقول إن كنت رجلا فافعل كذا ، تريد إن كنت كامل الرجولة ، وزعم بعضهم عن سيبويه أنه يجيز تقديم جواب الشرط ، وأنه هنا أطيعوا الله ورسوله ، وعن المبرد أنه لا يتقدم ، وأنه محذوف مقدم كمثل ما سبق ، أى إن كنتم مؤمنين فأطيعوهما .