Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 25-25)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ واتَّقُوا فِتنةً لا تُصيبنَّ الَّذينَ ظلمُوا منْكُم خاصَّةً } أى اتقوا ذنبا لا يختص وباله بفاعله ، فالفتنة الذنب ، وظلموا فعلوا ذنبا ، وذلك كترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وكالمداهنة وهى جلب الدنيا بالدين ، وكاقتران الكلمة وظهور البدع ، والتكاسل عن الجهاد ، قاله القاضى ، وفى بعضه نظر ، فإن الذنب الذى هو ترك الأمر والنهى ، أو الذى هو المداهنة يصيب فاعله فقط ، وأما تارك المعروف ، وفاعل ما يداهن عليه ، فإنما يصيبهم ذنبهم الذى فعلوا والأولى تفسير الفتنة بالعذاب ، فيكون المعنى احذروا العذاب العام ، بأن تأمروا وتنهوا ، أو تنصفوا ، وإلا فعميم العذاب من فعل الذنب ومن لم يأمره ولم ينهه ، ولم ينصف وبأن تجمعوا الكلمة وتزيد البدع وتجاهدوا ، وإلا اتصل الباطل بكل أحد وانتشر ، وخاضوا فيه فيعمهم العذاب . وقد ثبت فى الحديث أن من قدر على تغيير المنكر ولم يغيره كان كفاعله ويصيبه الله بعقاب قبل أن يموت ، ومن رضى به كمن حضره وكمن فعله ، وذلك إذا ظهر المنكر أو علم به ، وأنه ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشى ، والماشى خير من الساعى ، من تشوف لها تسترقه ، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ . وقد علمت مما ذكرت أن غير الظالم بذنب إنما يصيبه العقاب بذنب آخر ، ففاعل المنكر يعاقب بفعله وغيره يعاقب بترك النهى ، فلا حاجة إلى قول بعضهم فى الجواب أن الخلق ملك لله يتصرف فيه بما شاء ، وعن قتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والسدى نزلت فى قوم مخصوصين من الصحابة أصابتهم الفتنة يوم الجمل ، وهم على ، وطلحة ، والزبير ، قيل وعمار ، قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعينون بها ، وما علمت أنا مرادون بها إلا اليوم ، يعنى يوم الجمل ، قال السدى زلت فى أهل بدر فاقتتلوا يوم الجمل . " وكان الزبير يساير النبى صلى الله عليه وسلم يوما فاقبل علىّ فضحك إليه الزبير ، فقال صلى الله عليه وسلم " كيف حبك لعلى ؟ " فقال يا رسول الله بأبى أنت وأمى إنى أحبه كحبى لولدى أو أشد ، فقال " فكيف أنت إذا سرت إليه تقاتله ؟ " وما كنت أظنها إلا فيمن حوط بها وقت نزولها " وقيل الفتنة الابتلاء والاختبار ولا يصح أن تكون جملة لا تمييز جواب للأمر ، ولا نافية إذ لا يصح معنى قولك إن اتقيتموها لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، وشرط الجزم فى جواب الأمر والنهى أو غيرهما كما قال ابن هشام تقدر الشرط من مضمون ما قبله ، مثل لا تدن من الأسد تسلم ، أى لا تدنى منه تسلم ، فقد لا النافية ، لأن النهى نفى إلا على مذهب الكسائى ومن معه من الكوفيين ، فلا يشترطون ذلك فيجيزون الجزم فى قولك لا تدن من الأسد يأكلك ، بتقدير إن تدن منه يأكلك ، فيجوز على قولهم كون لا تصيبن جوابا للأمر أى إن لم تتقوها لا تصيبن ، وهكذا يقدرون ما يناسب الكلام ، لكن من جنس ما تقدم ، فتقدير القاضى إن أصابتكم لا تصيبن الخ لا يصح كما قال ابن هشام ، ولو أقره السعد والسمنى إذ لا يناسب كونه جواباً للأمر ، ولا يتبين وعليه فتصيب فى محل جزم ، ويضعفه أن جواب الشرط متردين الوقوع وعلمه فلا يليق به النون المؤكدة لكن لما تضمن النفى معنى النهى ساغ كقوله { لا يحطمنكم سليمان } كذا قيل . قلت تضمن النفى معنى النهى لا يخرج الجواب عن التردد ، لأن جواب الشرط متردد ، ولو كان طلبا لتعليقه بالشرط وقوعا أو عدما ، والأولى أن يقال كما قال ابن هشام وخالد وغيرهما إن تأكيد الفعل بالنون بعد لا النافية قليل ، ووجه وروده شبهها بالناهية صورة ، فيكون التضعيف بالقلة ، فيجاب بتضمين معنى النهى . وقيل إن تأكيد الفعل بالنون بعد لا النافية مختص بالضرورة ، ويجوز كون لا تصيبن نعتا لفتنة ولا نافية وفميا مر من قلة تأكيد الفعل بالنون بعد لا النافية ، وإن أجيب بتضمنها معنى النهى أحوج ذلك إلى تقدير القول ، وإلى التأويل بأن الكلام من التغير بالمسبب اللازم عن السبب الملزوم ، يما يحوج إلى ذلك التقدير ، وذلك التأويل جعل لا ناهية ، وحمل الكلام على النعت ، وذلك لأن الطلب لا يقع نعتا ، فقدر القول وإصابة الفتنة الظالم وغيره مسلية عن التعرض لها ، ولازمة له ، والتعرض سبب ولازم ، والاصل لا تتعرض لها فتصيب الظالم وغيره ، وأنت خبير بأن الإصابة لا تختص بالمتعرضين كما تراه واضحا من العبادة ، ولو كان مفعول الإصابة هو فاعل التعرض خلافا لبعض المتأخرين وغيرهم كالقاضى وابن هشام . قيل ويجوز تنزيل الفتنة منزلة العاقل الذى ينهى ، فلا يحتاج إلى ذلك التأويل ، ولك أن تجعل لا ناهية ، والكلام مستأنفا فلا يقدر القول ، ولكن يحتاج إلى ذلك التأويل أو إلى هذا التنزيل ، ويجوز كون لا تصيبن جوابا لقسم المحذوف ، وتوكيد الفعل بالنون بعد لا النافية فى جواب القسم جائز تنزيلا لها منزلة اللام ، ويؤيده قراءة ابن مسعود لتصيبن باللام لا بلا ، وكذا قرأ على ، وزيد بن ثابت ، وأبو جعفر محمد ابن على ، والربيع بن أنس ، وأبو العالية ، وابن خمار ، وحكاه النقاش عن الزبير بن العوام ، وهو مخالف لما مر عنه من تأويل الآية بنفسه ، ومن معه يوم الجمل ، والإصابة فى هذه القراءة خاصة بالظالمين . قال أبو الفتح أن يكون الأصل فى هذه القراءة لا تصيبن خفف بحذف الألف اكتفاء بالفتح ، وأن يكون الأصل فى قراءة لا تصيبن ، لتصيبن أشبعت اللام فتولدت الألف ، وحكى النقاش ، عن ابن مسعود واتقوا فتنة أن تصيب الذين ، فالمصدر من تصيب بدل اشتمال من فتنة ، وقال الأخفش على بن سليمان لا تصيبن على معنى الدعاء والاستئناف ، أو النعت على تقدير القول ، والمراد أنه على طريق الدعاء لا حقيقة الدعاء ، وأنها لا تصيب الظالم بها فقط ، بل الظالم بها والظالم بغيرها كما مرّ ، فبطل قول بعضهم إن هذا إنما يأتى إن كان الكلام مقولا على لسان بعض الناس ، وفيه ما لا يخفى ، وأنه شديد الضعف ، أو خاصة مفعول مطلق ، أى إصابة خاصة أو حال من الضمير فى تصيب . وزعم بعضهم أنه يجوز كونه حالا من الذين على معنى أنهم غير مختصين بها ، وهو ضعيف ، لأن الذين بمنزلة جمع المذكر السالم ، وقولك جاء الشاهدون راكبة ، ضعيف ، والراجح راكبين بخلاف جاء الشهود راكبة ، قلما ضعف فيه ، ومن للتبعيض ، قال بعضهم إلا إذا جعلت لا ناهية مستأنفة أو نافية فى جواب قسم ، فللتبيين وأن فائدة التبيين التنبيه على أن الظالم منكم أقبح من الظالم من غيركم . { واعْلمُوا أنَّ الله شَديدُ العِقابِ } على من أوقد نار الحرب .