Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 41-41)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ واعْلمُوا أنَّما } اسم موصول ، والفاء فى الخبر لشبه الموصول باسم الشرط فى العموم والإبهام ، وعن الفراء يجوز كون ما شرطية ، وعليه فاسم أن محذوف أى أنه وهو ضمير الشأن كقوله @ إن من يدخل الكنيسة يوما يلق فيها جاذرا وظباء @@ ولا يجوز هذا عند سيبويه إلا فى الضرورة { غَنِمْتم } الغنيمة فى اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعى ، فالغنيمة ما ناله المسلمون من المشركين بالقتال أو بالقهر كائنا ما كان ، والمغنم الفوء بالشئ ، واستثنى بعضهم الأصول فلا تسمى غنيمة ، بل تسمى فيئا ، وليس كذلك ، فإن الفئ ما جاء بلا قتال وقهر العشر والجزية ، وأموال الصلح والمهادنة ، وقال من مات منهم فى دار الإسلام ولا وارث له ، وإخراج الأصول قيل وخمس الغنيمة ونحو ذلك ، ولا خمس فيه هذا هو الصحيح ، وهو قول الثورى ، وعطاء . وقال قتادة كل ذلك يسمى غنيمة ، ويسمى فيئًا ، والغنيمة والفئ شئ واحد ، وفيه الخمس ، وكذا حكى ابن المنذر ، عن الشافعى أن فى الفئ الخمس لمن ذكره الله فى هذه الآية ، وأربعة الأخماس للمقاتلة والمصالح ، وذكر عنه أنه كان فى قرى فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم ، وأن أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يضعها حيث شاء ، قال قتادة إن الفئ داخل فى هذه الآية وإن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه فى سورة الحشر { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية ، وكانت هى الحكم أولا ، ثم أعطى الله الخمس أهلها ، وجعل أربعة الأخماس فى المقاتلين ، ورد بأن هذه السورة ببدر قبل الحشر فى بنى النضير ، وقيل هذه الآية لقوله سبحانه { قل الأنفال لله والرسول } وأن غنائم بدر لم تخمس ، وأكثر الروايات أنها خمست . ومنها أن عليا قال كانت لى شارف من المغنم ببدر ، وشارف أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس ، والأكثرون على أنه لا يخمس الفئ ، وأنه يقسم على المسلمين مطلقا بحسب المصلحة ، فيعطى الرجل بالنظر إلى قومه ، والرجل بالنظر إلى قتاله ، والرجل بالنظر إلى عياله ، والرجل بالنظر إلى حاجته ، وكان الفئ فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم فيما ذكروا عن عمر خاصا به ، يتصرف فيه كما شاء ، ينفق منه سنة على عياله ، والباقى فى السلاح والكراع ، ويصرف بعده للمقاتلة الذين أثبت أسماءهم فى ديوان الجهاد بقدر ما يكفيهم ، ثم مصالح المسلمين ، ثم الأهم فالأهم ، وقيل للمقاتلة لأن بهم أرهب العدو ، وكالنبى صلى الله عليه وسلم وقيل هو الإمام . { مِنْ شَئٍ } حال من الرابط المحذوف ، أى ما غنمتموه من شئ ومن للبيان ، وفائدته التعميم حتى أنه يشمل الصبى والمرأة ، " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنب بعير ، ثم أخذ وبرة منه وقال " ما لى ولا لكم منها ، أى من الغنيمة مثل هذه إلا الخمس ، ثم هو ردّ عليكم فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول نار وشنار على الغلة يوم القيامة ولكن الأكل والركوب والعلف ، وليس أحدكم أحق بالغنيمة من الآخر ولو بالسهم " وقيل يا رسول الله استشهد فلان فقال " كلا إنى رأيته يجر إلى النار بعباءة غلها " . وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفى وهو ما يختاره لنفسه قبل القسمة ، وتركه إكراما لأمته وادخارا لأجره ، وكتب به إلى بنى زهرة وقيس أنه له فيما غنموه إن آمنوا ، وبكلمة الإخلاص والصلاة والزكاة ، وإن لكم حظا فى الخمس ، ولا صفى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع إلا ما قاله أبو ثور أنه باق للإمام وهو قول شاذ ، وأما الأرض وسائر الأصول فإن شاء الإمام قسمها كسائر الغنيمة ، وإن شاء تركها فى أيدى أهلها يجزأ من غلتها وبخراج يضربه عليها ، وإن شاء فعل غير ذلك كبيعها بحسب المصلحة مثل أن يرى أنه لو قسمها لاشتغلوا بها عن الجهاد فلا يقسمها ، وأما البالغون قبل ومن شارف البلوغ فللإمام عند مالك والجمهور القتل ، ويستحسن فى أهل الشجاعة والكناية أو الفداء ، ويستحسن فى ذى المنصب الذى لا رأى له ولا مكيدة أو المن ، ويستحسن فى من يرجى فيه النفع والحنو على أسرى المسلمين أو الاسترقاق أو ضرب الجزية . { فأنَّ } بفتحة همزة أن عند الجمهور والمصدر من خبرها مبتدأ محذوف الخبر ، أى فثبوت خمسه لله واجب أو حق أو لازم أو نحو ذلك ، أو خبر لمحذوف أى فالحكم أو الواجب أو الحق اللازم أو نحو ذلك ، ثبوت خمسه لله ، أو فاعل لمحذوف أى فثابت كون خمسه لله ، أو فحق ثبوت خمسه لله أو نحو ذلك . وروى الجعبى عن أبى عمر ، وقيل الجعبى عن أبى بكر ، عن عاصم وحسن ، عن أبى عمرو بكسر الهمزة ، ويؤيده قراءة النخعى فلله خمسه بإسقاط أن الموافق لإثباتها مكسورة فى عدم التأويل ، والتقدير وقراءة الجمهور آكد وأثبت للإيجاب ، كأنه قيل فلا بد من إثبات الخمس فيه من حيث إنه إذا حذف الخبر أو المبتدأ أو رافع الفاعل ، واحتمل أوجها من التقديرات كما رأيت كان أقوى لإيجابه من النص على واحد . { للهِ خُمسَهُ } وقرأ الحسن بإسكان الميم ، والمراد بذكر الله تعظيمه ، وافتتاح الجملة به للتبرك ، وأن من حق الخمس أن يتقرب به إليه كما قال مالك ، وأنه هو الحاكم فى الخمس يقسمه كيف شاء ، وليس المراد أن له سهما من الخمس ، فالدنيا والآخرة كلها لله ، فإنما يقسم الخمس على الخمسة المذكورة بعده ، أو سهمه سهم الرسول فيقسم أيضا الخمس المذكور على الخمسة المذكورة . وقال مالك والزجاج قسمه على الخمسة تمثيل بأهم من يدفع إليه لا حصر ، فيجوز إعطاء الغير منه كقوله سبحانه { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين } الخ وقد أجمعوا على جواز إنفاق الخير على غير من ذكر ، والصحيح الأول ، وبه أقول ، وهو قول الشافعى ، وأبى حنيفة ومالك ، وابن عباس ، والحسن بن محمد ، وعطاء ، وقتادة ، والنخعى ، وهو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . وذكر الطبرى ، عن ابن عباس أن الخمس مقسوم على أربعة ، وسهم الرسول لقرابته ، وليس له ولا لله شئ ، وقال أبو العالية المراد بذكر الله أن له سهما فيقسم الخمس على ستة ، وسهم الله يصرف للكعبة ، قيل قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه ، فيأخذ قبضة يجعلها للكعبة وهو سهم الله ، ثم يقسم الباقى على خمسة " وقيل سهم الله لبيت المال ، وقيل يضم إلى سهم الرسول ، وقال منذر بن سعيد قالت فرقة لفقراء المسلمين أو لبيت المال ورد عليه { وللرَّسُولِ } سهمه بعد موته لمصالح المسلمين ، وما فيه قوة الإسلام عند الشافعى وأحمد ، وقالت فرقة للكراع والسلاح ، قال الأعمش ، والنخعى هو الذى كان أبو بكر وعمر يفعلانه ، وقال علىّ ، وقتادة ، والحسن للإمام وهو حسن ، وقال أبو حنيفة الأربعة المذكورة بعد ، وقالت فرقة هو لأصحاب أربعة الأخماس الباقية ، وهم الجيش ، وقال قوم لقرابته صلى الله عليه وسلم ، وقال مالك إلى رأى الإمام ، وقال أصحاب الا رأى هو لليتامى والمساكين وابن السبيل دون القرابة ، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يورث . واحتجوا بمنع أبى بكر وعمر وعثمان لذوى القربى ، وعورض بنو هاشم بأن قريشا قربى ، وقد منع أبو بكر بنى هاشم الخمس ، وقال إنما لكم أن يعطى فقيركم ، وتزوج أيمكم ، ويخدم من لا خادم له ، وأما غنيكم فهو كابن سبيل ويتيم غنيين ، لا يعطيان شيئا ، فتراه منعهم من الخمس المذكور لهم فى القرآن إلا بشرط الفقر ، فكيف يعطيهم سهم الرسول ، وقيل لم يكن فى مدة أبى بكر مغنم . { ولذِى القُرْبى } صاحب القرابة المراد الجنس ، الصحيح أن لقرابته صلى الله عليه وسلم وهم المراد هنا سهما فى الخمس ، ولو كانوا أغنياء ، ولا يفضل الفقير والأقرب ، على الغنى والقريب ، وللذكر مثل حظ الأنثيين ، وبه قال الإمام مالك ، والشافعى ، والجمهور ، وقد أعطى النبى صلى الله عليه وسلم العباس رضى الله عنه مع كثرة ماله ، وكذا الخلفاء بعده ، والمشهور عن أبى بكر أنه لا يعطى أغنياءهم كما مر ، وهو قول زيد بن علىّ قال ليس لنا أن نبنى منه قصورا ، ولا أن نركب منه البراذين . وعن أبى حنيفة ، وأصحاب الرأى يقسم الخمس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لليتامى والمساكين وابن السبيل ، ودخل فقراء القربى فى المساكين ، ولا يعطى أغنياءهم ، وقال قتادة ، والحسن البصرى كان سهم القرابة طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما توفى كان للخليفة ، وقالت فرقة هو لقرابة الإمام القائم بالأمر ، وذوى القربى بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبه قال الشافعى ، ومجاهد وعلى بن الحسن . قال عثمان بن عفان ، وهو من بنى عبد شمس ، وجبير وهو بن مطعم ، وهو من بنى نوفل ، " حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم القرابة من غنائم خيبر ، وقيل حنين على بنى هاشم وبنى المطلب ، ولم يعط بنى عبد شمس ، ولا بنى نوفل يا رسول الله بنو هاشم لا ننكر فضلهم لموضعك الذى وضعك الله منهم ، وأما بنو المطلب فنحن وهم بمنزلة واحدة قرابتنا واحدة ، وأعطيتهم ولم تعطنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد ، وشبك بين أصابعه ، ما فرقنا بنو المطلب فى جاهلية ولا إسلام " وكانوا مع بنى هاشم فى الشعب حين تألبت عليهم قريش ، لا يواكلون ، ولا يشاربون ، ولا يناكحون " . وقال على بن الحسين فى رواية ، وعبد الله بن الحسين ، وابن عباس ذوو القربى هم بنو هاشم فقط ، وقال قوم قريش كافة ، وعن ابن عباس هم بنو هاشم ، جعل لهم فى الخمس عوض عن الزكاة ، وأبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها قربى . { واليَتَامَى } الذكور والإناث الذين لا آباء لهم ، ولم يبلغوا ، يعطون من الخمس إن كانوا فقراء وآباؤهم غير مشركين ، واليتيم فى بنى آدم والجن من مات أبوه ، وفى البهائم من ماتت أمه . { والمسَاكِينِ } أهل الحاجة من الموحِّدين . { وابْن السَّبِيلِ } البعيد عن أهله يعطى من الخمس ولو كان غنيا فى بلده إن احتاج ، وأضيف للسبيل لأنه مسافر ماشٍ فيه ، كأنه قيل صاحب السبيل أو ملازمه ، أو لأن السبيل تبرزه فكأنها تلده ، وقيل الخمس كله للقرابة ، وقاله علىّ فقيل له إن الله تعالى قال { واليتامى والمساكين وابن السبيل } فقال أيتامنا ومساكيننا ، يعنى وأبناء السبيل منا ، والآية نزلت ببدر عند الكلبى وهو الصحيح ، وقال الواقدى فى غزوة قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال ، على رأس عشرين شهرا من الهجرة . ولا يجوز أن يحرم أحد من تلك الأصناف ، وإن لم يوجد صنف صرف فيمن وجد ، وقال مالك إن للإمام أن يعطى الأحوج ، وإن حرم الغير ، وأما أربعة الأخماس فتعطى لمن شهد الوقعة ، وللنبى صلى الله عليه وسلم سهم رجل فيها ، يعطى للراجل سهم ، وللفارس ثلاثة ، واحد له واثنان لفرسه على الصحيح ، وهو قول الجمهور ، وبه قال مالك ، والشافعى وأحمد . وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل للراجل سهم ، وللفارس سهمان ، وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، وإن كان للراجل أفراس لم يعط إلا على واحد ، وأتى خالد ابن الوليد بفرس هجين فقال لأن أسف التراب أحب إلىَّ من أن قسم له ، وذكر بعضهم عنه صلى الله عليه وسلم قسم للهجين قسم للهجين وأعطاه سهما ولاحظ فى ذلك للطفل ، والمرأة ، والعبد ، وقيل إن يعطوا قاتلوا وقيل يعطون بدون أن يجب لهم سهم تام . { إنْ كنتُم آمنْتم باللهِ } شرط لقوله { واعلموا أنما غنمتم } الخ فيقدر جوابه من جنسه ، أى { إن كنتم آمنتم بالله } إلى آخره { فاعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه } إلى قوله { السبيل } أو فاعلموا أن لهؤلاء الخمس ، أو فاعلموا أن لهم الخمس هذا هو الصحيح لقرب دليل الجواب ، ولفظ اعلموا يتضمن الأمر بالانقياد لأمر الله ، فإن العلم العملى إذا أمر به فالمقصود منه بالذات العمل ، لا مجرد الإدراك ، فإنه مقصود بالعرض ، فكأنه قيل سلموا إليهم الخمس ، واكتفوا بأربعة الأخماس ، وقيل شرط لقوله { فاعلموا أن الله مولاكم } ويضعفه البعد ، وأما العمل فموجود ، فان المراد بعلم أنه مولاهم أن يجترءوا على العدو ، ولا يبالوا به ، وفى الآية إخبار عن اسم كان بالجملة الماضوية المثبتة المجردة من قد ، وأوجب البصريون تقدير قد فى مثل ذلك ، والصحيح أن الكلام صحيح بدون تقدير . { ومَا أنزلْنا } من آيات القرآن والمعجزات ، والملائكة والنصر ، والعطف على اسم الجلالة { عَلى عَبْدِنا } محمد صلى الله عليه وسلم ، والإضافة للتشريف ، وقرئ عبدنا بضم العين والياء جمع عبد بفتح فإسكان ، وهم النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون . { يَومَ الفُرقَان } متعلق بأنزلنا ، والفرقان مصدر فرق المخفف على غير قياس ، أو اسم مصدر لفرق المشدد ، وفيه مبالغة ليست فى الفرق ، ويوم الفرقان يوم بدر ، لأن الله فرق فيه بين الحق والباطل ، بإعزاز الحق وإذلال الشرك ، وأجاز عياض تعليقه بغنمتم على ضعف لكثرة الفضل . { يَومَ } بدل من يوم بدر الكل ، والمراد بهما يوم بدر { الْتقَى الجَمْعان } الفريق المؤمنون ، والفريق المشركون ، وكان رئيسهم عتبة ، وذلك الالتقاء هو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان فى السنة الثانية من الهجرة ، وقال أبو صالح لتسعة عشر يوما من رمضان بالمثناة ، وقال عروة بن الزبير لتسع منه ، وتقدم كلام فى ذلك ، والأول قول الجمهور وهو الصحيح ، والثالث شاذ . { واللهُ عَلى كلِّ شئٍ قَديرٌ } كما نصركم وأنتم قليل على عدوكم الكثير ، وأمدكم بملائكته .