Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 42-42)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إذْ } بدل من أحد اليومين بدل كل ، وقيل متعلق بالتقى { أنتُم بالعُدْوة } بضم العين عند نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائى ، وبكسرها عند ابن كثير ، وأبى عمرو ، ويعقوب ، وبفتحها عند قتادة ، والحسن ، وذلك كما قال أبو على الفارسى ثلاث لغات والأوليان أولى ، وعن بعضهم أنه يجوز فى قراءة الفتح أن يكون تسمية بالمصدر ، والخطاب للمؤمنين ، والعدوة شفير الوادى ، لأنه عد عدا ماءة الوادى أن يتجاوزه ، أى منعه ، ولأنه عدا الوادى أى أجاوزه ، والمراد هنا الأرض الموالية ، للشفير ، سميت باسمه للمجاوزة ، وقرئ العدية بكسر العين وإبدال الواو ياء لضعف الفصل بالساكن بينها وبين الكسرة . { الدُّنْيا } نعت للعدوة وهو وصف مؤنث بألف كالفضلى ، ومذكرة اسم تفضيل وهو الأدنى ، فهو دال على التفضيل ، كما يدل مذكره عليه ، وكلاهما من الدنو وهو القرب ، كأنه قيل العدوة التى هى أقرب من غيرها ، أو هو وصف مؤنث مذكره اسم تفضيل خارج عن التفضيل وهو الأدنى بمعنى القريب ، فكأنه قيل العدوة القريبة { وهُم } أى المشركون { بالعُدْوة } فيه القراءات السابقات ، والباءان صرفيتان { القُصْوى } البعدى مؤنث الأقصى بمعنى الأبعد الذى هو اسم تفضيل باق على معناه ، أو خارج عنه ، فالمعنى العدوة التى هى أبعد من غيرها ، أو العدوة البعيدة ، والقرب والبعد أمران نسبيان ، والمعتبر فيهما هنا المدينة ، فالعدوة الدنيا ما يلى المدينة ، والقصوى ما يلى مكة ، والقياس القصيا بالياء كما هو لغة تميم ، وكالعليا والدنيا ، ولعله اعتبر فيه ما هو الغالب فيه ، وهو استعماله غير صفة فلا شذوذ ، والحق ما يأتى عن ابن هشام ، وذلك أن فعلى بضم الفاء وإسكان العين إذا كان صفة تقلب لامه باء إن كانت واوا تخفيفا . قال ابن هشام وأما قول الحجازيين القصوى فشاذ قياسا ، فصح استعمالا ، نبه به على الأصل كما فى استحوذ والقود ، أى لأن القاعدة استجاد بالنقل والقلب والقاد بالقلب للتحرك بعد فتحه ، وإن كان فعلى اسما لم يغير كخزوى اسما لموضع فرقا بين الاسم والصفة ، ولم يعكس لأن الصفة أثقل ، فكانت بالتخفيف بالقلب أحق وأدعى المرادى أن الصرفيين يبدلون فى الاسم دون الصفة ، ويجعلون حزوى شاذا وكذا يجعلون القصوى إذا اعتبر غالب استعمالاته وهو استعماله غير وصف كذا قيل ، ولغة الحجاز أكثر استعمالا ، وقرأ ابن مسعود إذ أنتم بالعدوة العليا ، وهم بالعدوة السفلى . { والرَّكْب } اسم جمع راكب ، وقيل جمع ، والمراد أبو سفيان ومن معه أو إبلهم ، ولا يطلق لما كثر جدا من الجموع ، ولا على راكبى غير الإبل ، ولا على غير الإبل ، وقد يطلق على جماعة المسافرين مطلقا وقول ابن قتيبة الركب العشرة ونحوها ، يقضى أنه لا يطلق على الثلاثة والأربعة ونحوهما مما بعد عن العشرة ، وليس كذلك فإنه يطلق على الثلاثة فصاعداً ولو إلى أربعين أو أكثر ممال ليس بكثير جدا ، قال النبى صلى الله عليه سلم " الثلاثة ركب وخير الركب أربعة " . { أسْفَلَ } منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وقول بعضهم إنه فى محل رفع ، وجهه أنه نائب عن ثابت أو مستقره المرفوع على الخبرية ، أو عن جملة فعلية خبرا لم ينقل منها الضمير إلى أسفل ، ولو بنى على نقله لم يصح له أن يقول فى محل رفع ، لأن ارفع يجئ له على جهة النيابة عن المرفوع ، والرفع الجملة لا للفعل وحده ، وهو حين النقل نائب عن الفعل فقط ، وأما قول سيبويه إنه فى محل خفض تقديره فى مكان أسفل ، فمعناه إنه ظرف مكان ، وأنه ليس نفس الركب وليس معناه أنه مجرور المحل بفى بحيث يجوز العطف عليه بالجر ، وقرئ برفع أسفل على أنه نفس الركب ، أما على الحكم بالتسفل على الركب لتسفل موضعه فلا تقدير ، أو على تقدير وموضع الركب أسفل منكم أى من موضعكم . { منْكُم } أيها المؤمنون ، والجملة حال من ضمير الاستقرار فى { إذ أنتم بالعدوة } أو معطوفة على أنتم بالعدوة ، أو على هم بالعدوة كما عطف قوله { هم بالعدوة } على أنتم بالعدوة ، ويجوز كون الواو فيه حالية من ضمير الاستقرار ، واختار بعضهم كون الواوين عاطفتين ، كان أبو سفيان فى موضع أسفل من موضع المؤمنين إلى ساحل البحر على ثلاثة أميال من بدر ، وتسفله بالإضافة إلى أعلى الوادى من حيث يأتى نكب إليه أبو سفيان بالعير حين سمع بخروج النبى صلى الله عليه وسلم . وذكر الطبرى عن مجاهد أن أبا سفيان وأصحابه أقبلوا من الشام تجارا لم يشعروا بأصحاب بدر ، ولم يشعر أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بكفار قريش ، ولا كفار قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، حتى التقوا على ماء بدر فاقتتلوا ، وهذا على ظاهره مشكل ، ووجهه أن قريشا جاءت تمشى ولا تدرى أين تلتقى مع المؤمنين ، والمؤمنون جاءوا ولا يدرون أين يلتقون مع هؤلاء ، حتى تلاقوا بما مر من الطليعة أو غيرها ، فلا إشكال . وفائدة ذكر التوقيت ، وذكر أن المؤمنين بالعدوة الدنيا ، والكافرين بالقصوى ، وأن الركب أسفل إعظام المنة إذ من الله على المؤمنين بالغلبة ، مع أن الحال هذه ، فإن العدوة الدنيا تسوخ فيه الأقدام ، ولا يمشى فيها إلا بتعب ، ولا ماء فيها ، بخلاف القصوى فليست كذلك ، وفيها العدو الكثير ، وكانت عير أبى سفيان وراء ظهورهم ذاهبة إلى مكة ، والإنسان يشتد فى الحرب إذا كان معه ما يخاف عليه ، ويثبت فيها أكثر مما يشتد ، ويثبت فى غير ذلك ، ولذلك كانت العرب تخرج إلى الحرب بنسائهم على الجمال وأموالهم ، لئلا يبرحوا عن الحرب ذبا عن الحريم ، ولا يتركون وراءهم ما تحدثهم أنفسهم بالانحياز إليه ، وكان الغالب مع ذلك المسلمين فى قلتهم فما ذلك إلا صنع من الله . { ولَوْ تَواعْدتُم } خطاب للمؤمنين والكافرين ، أو الضمير للمؤمنين والكافرين كذلك ، وكان ضمير خطاب تغليبا للمؤمنين المخاطبين ، أو الضمير للمؤمنين فقط ، وعليه فالتقدير ولو تواعدتم مع الكافرين ، والمراد المواعدة بالقتال لوقت مخصوص فى مكان مخصوص { لاخْتَلفْتم فى المِيعادِ } فى الوعد بأن يتأهب الكفار وتقدم ، ويثبطكم بعض المؤمنين خوفا لقلتكم ، بل كان القتال بلا مواعدة ، خرج المؤمنون للعير والكافر ليمنعوها ، فالتقوا على غير ميعاد كما مر أن بعض الكفار قال خرجتم لتمنعوا عيركم وقد نجت فلنرجع إلى مكة . { ولَكنْ ليقْضَى } يظهر ويوجد فى الخارج { اللهُ } متعلق بمحذوف يقدر مقدما ، أى دبر الله ذلك ، أو جمع بينكم على هذه الحال من غير تواعد ، ليقضى الله ، أو مؤخرا للحصر هكذا ليقضى الله { أمْراً } هو نصر أوليائه على أعدائه { كانَ مفْعُولا } حقيقا بأن يفعل ، أو مكتوبا فى اللوح المحفوظ ، أو مقضيا فى الأزل أن يفعل دبر ذلك ، أو جمع بينكم على هذه الحال من غير تواعد . { ليَهْلِكَ } بدل اشتمال من ليقضى أو متعلق بمفعولا ، أو ينقضى ، وقرأ الأعمش بفتح لام يهلك ، ورواها عصمت عن أبى بكر عن عاصم { مَنْ هَلَكَ عَنْ بيِّنةٍ } عاينها واضحة لا تخالجه شبهة فلا تبقى له حجة ولا معذرة عند ربه { ويَحْيا مَنْ حَىَّ عَنْ بيِّنةٍ } بالفك عند نافع ، وأبى بكر ، ويعقوب ، وابن كثير فى رواية البزى ، قال سيبويه أتانا بهذه اللغة يونس ، قال الفراء وهى حسنة ، ووجهها الحمل على المضارع فإنه لا إدغام فيه ، لأن الياء الثانية فيه تقلب ألفا ، فاجتماع المثلين فى الماضى كالعارض لعدمه فى المضارع والأمر ، والعارض لا يعتد به غالبا ، وقرأ الباقون حى بالإدغام نظرا إلى أنهما مثلان فى كلمة حركة ثانيهما لازمة ، وكلاهما فصيح ، والفك أكثر فى كلامهم ، قاله الشيخ خالد . وظاهر تمثيل ابن هشام أيضا اختيار الفك ، والمراد بالهلاك حقيقة الموت ، وبالحيات ضده ، والمعنى ليهلك من شارف الهلاك ، فإن الإنسان ولو كان عمره طويلا مشارف للموت ، أو ليكون هلاكه هلاكا عن بينة ، أو يهلك عن بينة من كان فى علم الله أنه يهلك كذلك ، وليحيا من شارف الحياة ، فإن الإنسان فى كل حال مشارف للحياة التى بعد حاله مالم ينقض أجله ، أو من حيى بعد الخروج عن أمه ، وبعد البلوغ ، ولو لم يحضر وقعة بدر ، فإن وقعته آية واضحة من كفر بها كان مكابرا لعقله ، ومغالطا له ، ولا سيما من حضرها ، أو لتكون حياته حياة عن بينة ، أو ليحيا عن بينة ، من كان فى علم الله أنه يحيا عنها . وقال ابن إسحاق الهلاك والحياة ستعاران للكفر والإيمان ، وفيه الأوجه السابقة من المشارقة وما بعدها ، وزعم شيخ الإسلام أن تلك الأوجه مختصة بقول ابن إسحاق ، ويقرب منه قول قتادة ، إن المراد الضلال والاهتداء وإنما تعدى الهلاك بعن لأنه فوات وخروج عن الإيمان بالضلال ، أو باموت ، أو لتضمنه معنى صدور الهلاك عن كذا ، وتعدى يحيا بعن لتضمنه معنى صدور الحياة عن بينة ، ومسمى النكرتين واحد على خلاف الغالب كقوله { وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله } والتنكير فيهما للتعظيم { وإنَّ الله لَسَميعٌ } بقول من كفروا ، وقول من آمنوا { عَليمٌ } باعتقادهم وسائر أحوالهم يثيب على الخير ، ويعاقب على الشر ، أو يدبر أموركم ومصالحكم معشر المؤمنين .