Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 63-63)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وألَّفَ بَيْن قُلُوبهِم } قلوب المؤمنين على الإطلاق ، وأزال حمئة العرب والعصبية التى تستعملها العرب فى أدنى شئ ، وكانوا يكاد لا يتألف فيهم قلبان ، وأزال ذلك منهم حتى صاروا كنفس واحدة ، وذلك إعانة للنبى صلى الله عليه وسلم ومعجزة له ومن جملة ذلك ما كان بين الأوس والخزرج ، فزال ذلك بالإسلام ، وقد قال الأكثرون إن المراد بالمؤمنين الأوس والخزرج ، وإن الآية فيهم ، ألف بينهم وصاروا أنصار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكانت بينهم أحقاد لا أمد لها ، ووقائع هلكت فيها سادتهم ، وتحاور يهيج الضغائن ، وأشعار تديم التحاسد والتنافس ، وعادة كل من الطائفتين أن تكره ما أحبته الأخرى وتنفر عنه ، فأنساهم الله ذلك ، وقال ابن مسعود نزلت الآية فى المتحابين فى الله ، وقال مجاهد إذا ترآى المتحابان فى الله فتصافحا وتضاحكا تحاتت خطاياهما ، فقال له عبدة بن أبى لبانة إن هذا ليسير ، فقال لا تقل ذلك ، فإن الله سبحانه يقول { لَوْ أنفقْتَ ما فى الأرْض جَميعاً ما ألَّفْت بين قلُوبهِم ولكنَّ اللهَ ألَّفَ بيْنَهم } قال عبدة فعرفت أنه أفقه منى ، وعن سهل بن سعد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " المؤمن ما ألفه لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " قالوا من كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه ، وكانت الحرب بين لأوس والخزرج قبل مبعث النبى صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، يجتمعون فيقتلون فى كل عام ، كانوا يقتتلون فى حرب رجل يقال له شمير ، وكانوا عند مبعث النبى صلى الله عليه وسلم فى حرب حاطب بن عبد الله مولى لهم ، وأنزل الله بينهم الترحم ، ووافقوا النبى صلى الله عليه وسلم ، وسموا أنصارا ، وجعل بلدتهم دار هجرة ومتبوَّأ للإيمان ، وسماها المدينة بغير حضار عليها ، وأكرمهم بنبيه ، أقام فيهم عشر سنين ، وجعل مدفنه فيها . وكان يوصى بالأنصار خيرا ويقول " استوصوا بالأنصار خيرا اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ، فقد قضوا ما عليهم ، وبقى الذى لهم اللَّهم اغفر للأنصار ، وذرارى الأنصار " وقال للأنصار " موعدكم الكوثر " قالوا ما الكوثر يا رسول الله ؟ قال " نهر لى فى الجنة شرابه أبيض من اللبن ، وأبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، عليه غلمان مخلدون ، كعدد نجوم السماء ، معهم الأباريق لا يسقون إلا من أمرت ، فآويكم يومئذ كما آويتمونى فى الدنيا " قالوا قد رضينا يا رسول الله ، فقال لهم " يا معشر الأنصار لولا الهجرة لكنت امرئ منكم ، ولو سلك الناس واديا أو شِعْبا لسلكت واديكم وشعبكم " ولم يقسم يوم حنين لهم شيئا ووجدوا من ذلك ، فقالوا أعطى قريشا وآثر علينا إذا كانت الحرب صلينا بحرها وشدتها ، وإذا كانت الغنائم كانت لغيرنا أعطى قوما سيوفنا تقطر من دمائهم ، ادخلوا فساطيطكم فلا يؤثر رسول الله عليه وسلم إلا الحسن الجميل " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فى ناس من قريش " يا معشر قريش مالى لا أرى فيكم من الأنصار أحدا ؟ " فوثب فتوسط فساطيطهم فقال ثلاث مرات " اللهم اغفر لأصحاب هذه الفساطيط " فقالوا هذه والله خير مما أعْطِيت قريش من الدنيا وما فيها ، وقال " ألا تخرجون إلىَّ يا معشر الأنصار ؟ ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بى ؟ ألم تكونوا عميا فبصركم الله بى ؟ ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بى ؟ ومتفرقين فألفكم بى ؟ وعالة فأغناكم بى ؟ " قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فقال " أما إنكم إن شئتم قلتم فصدقتم ألم تأتنا طريدا فآويناك ، وفقيرا فواسيناك ، ومخذولا فنصرناك " فقالوا لله ولرسوله المنة علينا ، فقال " يا معشر الأنصار أما ترضون أن تذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله إلى منازلكم ؟ " فقالوا بلى يا رسول الله رضينا " . { إنَّه عَزيزٌ } لا يغلب على أمر أراده هو { حَكيمٌ } لا يفعل إلا الصواب ، ولا يضع الأشياء إلا فى مواضعها ، ومن عزته وحكمته صرف القلوب من العداوة إلى التحاب .