Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 9-9)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إذْ } بدل من إذ فى قوله { وإذ يعدكم } على أن الوعد كان فى وقت الاستغاثة فيما زعم بعض ، أو مفعول لاذكروا محذوفا مستأنفا أو متعلق بيحق أو يبطل ، وزعم بعضهم أنه يجوز تعليقه بيعدكم { تَسْتَغيثُون ربَّكُم } وقرأ أبو عمرو فى رواية أبى حاتم بإدغام الذال فى التاء ، واستحسنها أبو حاتم ، والاستغاثة طلب الغوث ، والمراد النصر ، قيل لما علموا أنه لا بد من القتال أخذوا هم والنبى صلى الله عليه وسلم يقولون رب انصرنا على عدوك ، وزعم بعض أن الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وحده ، ولفظ الجماعة تعظيم له . وعن ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهم " لما كان يوم بدر ، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف ، ثم مد يده فجعل يهتف بربه " اللهم أنجز لى ما وعدتنى ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض " فما زال يهتف بربه مادا يديه ، مستقبلا للقبلة حتى سقط رداؤه عن منكبه ، فأتى أبو بكر رضى الله عنه ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال يا نبى الله كفاك منا شدتك ربك ، فإنه سينجز ما وعدك ، وفى ذلك نزل { إذ تستغيثون ربكم } " الخ . وذلك الدعاء فى داخل العريش ، وفيه معه أبو بكر وحده ، وفى رواية ابن إسحاق أنه قال خل بعض مناشدتك ربك ، قيل قال خل البعض ، ولم يقل خل الكل ، لأن جهاده فى ذلك الوقت كان الدعاء فقط . وفى رواية " أنه لما رأى كثرة العدو ، ركع ركعتين وأبو بكر عن يمينه وقال فى صلاته " للهم لا تخذلنى ، اللهم أنشدك ما وعدتنى " وذلك كله بعد أن عدَّل صفوف أصحابه وأمرهم ونهاهم ، وبينما هو فى العريش مع أبى بكر إذ خفق خفقة ثم انتبه متبسما فقال " أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل على ثناياه النقع " الثنايا أربع سنان ، فى مقدم الفم اثنتان من فوق واثنتان من تحت ، و النقع الغبار ، ثم خرج من باب العريش يتلو { سيهزم الجمع ويولُّون الدبر } قال علىّ قاتلت يوم بدر شيئا من القتال ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظر ما صنع ، فإذا هو ساجد يقول " يا حى يا قيوم " ثم رجعت إلى القتال ، ثم جئت فإذا هو ساجد لا يزيد على ذلك ، ثم ذهبت إلى القتال ، ثم جئت فإذا هو ساجد يقول ذلك ، ففتح الله عليه ، ومات ستة رجال من المهاجرين ، وستة من الخزرج ، واثنان من الأوس ، من المهاجرين ، وستة من الخزرج ، واثنان من الأوس . وإن قلت كيف قال أبو بكر خل عنك بعض مناشدتك ربك أو كفاك مناشدتك ربك ؟ قلت أجاب السهيلى نقلا عن شيخه بأن الغالب حينئذ على أبى بكر الرجاء ، وعلى النبى صلى الله عليه وسلم الخوف ، وقال الخطابى بالغ فى الدعاء شفقة على أصحابه ، وتقوية لقلوبهم ، إذ علموا أن دعاءه مستجاب ، ولما قال له أبو بكر ذلك كف ، وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر فى نفسه من الطمأنينة ، وكان صلى الله عليه وسلم فى تلك الحال فى مقام الخوف ، وهو أكمل حالات الصلاة ، وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ ، لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة ، وإنما قال " اللهم إن تهلك هذه العصابة " الخ ، لأنه لو هلك ومن معه لم يبعث داع إلى الإيمان ، لأنه خاتم النبيين ، وإنما تعب فى الدعاء لرؤيته الملائكة تنصب فى القتال ، وأنصار الله يخوضون فيه ، والجهاد جهاد سيف وجهاد دعاء ، ومن سنة الإمام أن يكون وراء الجند لا يقاتل ، ولا يظن أحد أن أبا بكر أوثق بربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى كلام الخطابى . { فاسْتَجابَ لَكم أنِّى } بأنى وقرأ أبو عمرو فى الرواية المشهورة ، وقيل الشاذة ، وعن ابن عمر فى رواية بكسر الهمزة على تقدير القول ، أو على إجراء استجاب مجرى قال { مُمِدُّكم } مكثركم ومقويكم { بألْفٍ مِنَ الملائِكَةِ } وقرأ عاصم والجحدرى بألف بهمزة فألف فلام مضمومة جمع ألف كفلس وأفلس ، وتوافق قراءته ما فى آل عمران ، وكذا ما روى عنه وعن السدى بالآف . { مُرْدِفينَ } بفتح الدال عند نافع ويعقوب ، أى متبعين بإسكان التاء وفتح الباء ، أى تبع الله غيرهم إياهم ، فهذا من أردف المتعدى لاثنين ، وأنيب الثانى وحذف الأول ، فالمعنى على هذا أنهم مقدمة الجيش ، أو أتبعهم الله غيرهم ، أى جعلهم تابعين لغيرهم ، وهو كالأول لكن أنيب المفعول الأول ، والمعنى أنهم من خلف الجيش ، ولك أن تقول هو من أردف المتعدى لواحد ، فتعين هذا المعنى الثانى أى متبعين بشد التاء وفتح الباء ، وقرأ الباقون بكسر الراء من أردف المعتدى لاثنين ، وهما محذوفان ، أى اتبع الملائكة بعضا منهم بعضا من المؤمنين بقطع الهمزة وإسكان التاء ، أو اتبعوا أنفسهم المؤمنين بقطع الهمزة وإسكان التاء ونصب الأنفس ، أو من أردف المتعدى لواحد وهو محذوف ، أى متبعين المؤمنين بشد التاء وكسر الباء ، أو متبعين بعضهم بعضا بالشد والكسر ، ورفع بعضهم . قال ابن عباس ملك خلف ملك ، وفسر بعضهم هذه القراءة بأن كل ملك أردف ملكا وراءه ، وادعى بعضهم أنه ضيف لم تأت بمقتضاه رواية ، وليس كذلك ، لأن معنى إردافه إياه تقدمه عنه ، فيكون خلفه ، وروى الخليل عن رجل من أهل مكة مردفين بكسر الراء وضمها وتشديد الدال وكسرها الأصل مرتدفين بمعنى مترادفين ، أبدلت التاء دالا فأدغمت ، فالتقى ساكنان ، فحركت الراء بالكسر اتباعا للدال أو بالضم اتباعا للميم ، ووجه التوفيق بين قراءة بألف بالإفراد ، وما فى سورة آل عمران بأن المراد بهذه الألف الواحدة الذين كانوا مقدمة أو ساقة ، أو وجوههم وأعيانهم ، أو من قاتل منهم . وقال الربيع بن أنس أمد الله المؤمنين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف ، وروى أن لمسلمين بلغهم أن كرز بن جابر يمد المشركين فشق عليهم ، فأنزل الله { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف } فبلغت كرز الهزيمة فلم يُمدّ المسلمون بالزائد على الثلاثة الأولى أو الخمسة ، وهو ألفان . وروى أن جبريل نزل فى خمسمائة على الميمنة ، وفيها أبو بكر فيما قيل وميكائيل فى خمسمائة على الميسرة ، وفيها على فى صور الرجال ، على خيل بلق عليهم ثياب بيض ، وعلى رءوسهم عمائم بيض ، قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم قاله ابن عباس . وعن على نزل جبريل فى ألف على الميمنة ، وفيها أبو بكر ، وميكائيل على الميسرة فى ألف ، وأنا فيها ، وقيل أمدهم الله بتسعة آلاف ، ذكرت ثلاثة آلاف فى آية ، وخمسة فى أخرى ، وألف فى هذه الآية . وقال ابن عباس كانت سيما الملائكة يوم بدر صوف أبيض ، وكانت سيماهم أيضا فى نواصى خيلهم ، وروى عنه أن سيماهم يوم بدر عمائم سود ، ويوم حنين عمائم حمر ، وعن الزبير أن سيماهم يوم بدر عمائم صفر ، وعنه صلى الله عليه وسلم يوم بدر " هذا جبريل آخذا برأس فرسى عليه أداة الحرب " وعن ابن عباس أن الملائكة لم تقاتل سوى يوم بدر ، بل يحضرون ويكونون عددا ومددا ، هذا ما عليه الجمهور ، واختاره بعض . قال سعد بن أبى وقاص رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ، ما رايتهما قبل ولا بعد ، يعنى جبريل وميكائيل ، يقاتلان كأشد القتال ، قال النووى وفيه بيان إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة ، وإن قتالهم لم يختص بيوم بدر ، قال وهذا هو الصواب خلافا لمن زعم اختصاصه ، وفيه أن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء ، بل يراهم الأصحاب والأولياء . وعن ابن عباس " حدثنى رجل من بنى غفار قال أقبلت أنا وابن عم لى حتى صعدنا فى جبل ، فشرفنا على بدر ، ونحن مشركان ننتظر الوقعة فننتهب مع من ينتهب ، فبينما نحن فى الجبل ، إذ دنت سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل ، فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم ، فأما ابن عمى فانكشف قناع قلبه فمات مكانه ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثم تماسكت والمعنى أقدم الخيل يا حيزوم بضم الدال ، وحيزوم فرس جبريل عليه السلام فيعول من الحزم ، أو سمى لأنه صدر لخيل الملائكة ، والحيزوم الصدر ، وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل " من القائل من الملائكة أقدم حيزوم ؟ " فقال ما كل أهل السماء أعرفه " وعن أبى أسيد ملك ابن ربيعة ، وكان ممن شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعى بصرى لأريتكم الشعب الذى خرجه منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى ، وقيل لم تقاتل الملائكة يوم بدر كما لم تقاتل فى غيره كقوله وما جَعَله اللهُ …