Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 10-10)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وما جَعَله } أى الوعد والإرداف المسبوك اللفظ فى قراءة فتح أن ، والمدلول عليه بلفظ ممد فى قراءة الكسر ، أو المدد أو الألف نظرا لإفراد اللفظ ، أو لقول أو استجابة أنى ممدكم { اللهُ إلا بُشْرى لَكُم } بشارة لكم بالنصر { ولتَطْمئنَّ } متعلق بمحذوف ، أى وفعل ذلك لتطمئن ، أو بمحذوف معطوف على بشرى ، أى وثابتا لتطمئن عند مجيز الإخبار بالتعليل ، وإن جعلت لام لكم التعليل سواء علقت بمحذوف نعت بشرى ، أو بجعل فلتطمئن معطوف على لكم ، ولكن الأولى فى لام لكم أنها للتعليل . { بِهِ قُلوبُكم } فيزول ما فيها من الخوف لقلتكم إذا رأيتموهم وسمعتم أصواتهم فيكم ، وكانوا يقولون اثبتوا فإن عدوكم قليل ، وإن الله معكم ، ولم ينزلوا ليقاتلوا ، وإلا فملك واحد كاف فى إهلاك أهل الدنيا ، وقد حمل جبريل مدائن قوم لوط بريشة واحدة ، وأهلك قوم صالح بصيحة واحدة فيما قيل ، من قال قاتلت الملائكة يوم بدر قال إن المراد بالذات فى إرسالها البشرى ، والاطمئنان وتكثير العدد ، وقتالها كان بالعرض ، ولا يقتلون أحدا إلا بأمر الله ، ولم يرد الله أن يقاتلوا إلا على هيئة قتال الآدميين ، ويكون الفعل للنبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين . ويوافق أنهم قاتلوا ما قال أبو داود المازنى إنى لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفى ، فعرفت أنه قتله غيرى ، ومثل هذا عن أبى واقد الليثى ، وعن ابن عباس بينما مسلم الأنصارى يشتد فى أثر مشرك إذ سمع ضربة السوط فوقه ، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم ، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه ، فأخبر الأنصارى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة . وعن سهل بن عمرو لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق ، بين السماء والأرض معلمين ، يقتلون ويأسرون ، وعن أبى أمامة بن سهل قال لى إنى لقد رأيتما فى يوم بدر ، وإن أحدنا ليشير بكفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف . وعن أبى بردة " جئت يوم بدر بثلاثة رءوس فوضعتهن بين يدي النبى صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أما رأسان فأنا قتلتهما ، وأما الثالث فإنى رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه ، فأخذت أنا رأسه ، فقال صلى الله عليه وسلم " ذلك فلان من الملائكة " . وعن السائب بن أبى حبيش " انهزمت مع قريش ، فأدركنى رجل طويل على فرس أبيض بين السماء والأرض فأوثقنى رباطا ، وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدنى مربوطا ، فكان عبد الرحمن ينادى من أسر هذا ؟ فليس يزعم أحد أنه أسرنى حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لى " يا ابن حبيش من أسرك ؟ " فقلت لا أعرفه وكرهت أن أخبره بالذى رأيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أسره ملك اذهب يا ابن عوف بأسيرك " فذهب بى وتأخر إسلامى حتى كان ما كان . وروى " أن رجلا قصيرا جاء بالعباس بن عبد المطلب أسيرا ، فقال العباس يا رسول الله إن هذا والله ما أسرنى ، لقد أسرنى رجل أجلح من أحسن الناس وجها ، على فرس أنثى ما أراه ، فقال الأنصارى بل أنا أسرته يا رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " اسكت فقد أيدك الله بملك كريم " وكان الأنصارى يعرف بأبى اليسر كعب بن عمرو . وروى أنه قيل للعباس كيف أسرك أبو اليسر وهو ذميم وأنت جسيم ولو شئت لجعلته فى كفك ؟ فقال ما هو إلا أن لقيته فظهر فى عينى كالخندمة يعنى جبلا من جبال مكة ، وروى أنه قيل لأبى اليسر كيف أسرته ؟ فقال أعاننى عليه رجل من صفته كذا ، وما رأيته قبل ولا بعد . ولما ولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وثاق الأسرى شد وثاق العباس ، فسمعه صلى الله عليه وسلم يئن فلم يأخذه النوم ، فبلغ الأنصار فأطلقوه وفهموا أنه صلى الله عليه وسلم رضى بفك وثاقه ، وسألوه أن يتركوا له الفداء طلبا لتمام رضاه فلم يجبهم . وعن رجل من بنى سعد بن بكر أبصرت يوم بدر رجلا بين يدى منهزما فقلت ألحقه أستأسره ، فتدلى من جرف فلحقته ، فإذا رأسه قد زايله ساقطا ، وما رأيت قربه أحدا ، ورأى حكيم بن خزام فى المنام بخارا قد سد الأفق فى بدر ، فإذا الوادى يسيل نملا ، فوقع فى نفسى أن هذا شئ أيد به محمد ، فما كانت إلا الهزيمة ، وقال التقينا فاقتتلنا ، فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الأرض مثل الحصاة فى الطست الحديد . قال نوفل بن معاوية انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصى فى الطساس فى أفئدتنا ومن خلفنا ، فكان ذلك من أشد الرعب علينا ، وروى أن أبا جهل قال لابن مسعود من أين ذلك الصوت الذى كنا نسمع ولا نرى شخصا ، فقال من الملائكة ، فقال هم غلبونا لا أنتم . قال قباث بن أشيم " نظرت إلى كثرتنا وقلة أصحاب محمد فانهزمنا ، وإنى لا أقول فى نفسى ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء ، ولما كان أمر الخندق قلت لو قدمت إلى محمد فأنظر ما يقول وقد وقع الإسلام فى قلبى ، فقدمت المدينة فسألت عنه فقالوا هو ذاك فى ظل المسجد مع ملأ من أصحابه ، فأتيته ولا أعرفه فسلمت فقال " يا قباث بن أشيم أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء ؟ " فقلت أشهد أنك رسول الله ، وأن هذا الأمر ما خرج منى إلى أحد لولا أنك نبى ما أطلعك الله عليه ، هلم أبايعك ، فعرض على الإسلام فأسلمت " . وليس فى الآية ما يدل على أن المؤمنين علموا قبل القتال بكون الملائكة معهم فيما قيل ، فإن الاستجابة يمكن أن تقع فى غيبه تعالى ، وقد روى أنهم علموا ذلك قبل القتال . { ومَا النَّصرُ إلا مِن عِنْد اللهِ } وأما الأمداد وكثرة العدد ونحوهما فوسائط لا ناصرة ، ولا يتأسوا بفقدها أو وما النصر بهذه الوسائط إلا من عند الله فلا تتقوا إلا بالله { إنَّ اللهَ عزيزٌ } غالب قاهر { حَكيمٌ } فى ما يفعل ، ينصر من اقتضت الحكمة نصره . ومن كتب فى بطاقة فى السابع والعشرين من رمضان { وما جعله إلا بشرى } الآية وجعلها تحت فص خاتم ، وحمله هواء وغيره لم يزل حاله مسرورا منصورا على عدوه .