Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 102-103)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وآخَرُون } معطوف على { منافقون } { اعْترفُوا } أقروا بذنوبهم ولم يعتذروا بباطل ، صفة لآخرون ، أو آخرون مبتدأ والجملة خبره أو نعته ، والخبر { خَلطُوا عملاً صَالحاً وآخر سيئاً } أو هذه نعت ثان ، وحال من واو اعترفوا والخبر { عَسَى اللهُ أن يتُوبَ عَليْهم } لأنه ولو كان إنشاء لكنه فى الحقيقة وعد وإخبار جىء بصورة الترجى ليكونوا فى خوف وطمع ولا يأمن ، أو رجح الطمع بقوله { إنَّ اللهَ غَفورٌ } للذنب { رَحيمٌ } بالإعطاء ، وأشار به إلى أن ذلك وعد منجز ، أو يقدر القول ، أى مقول فيهم عسى الله أن يتوب عليهم . وهؤلاء المعترفون ثلاثة أبو لبابة مروان بن عبد المنذر ، وأوس ابن ثعلبة ، ووديعة بن حزام ، وقال قتادة والحسن هم الثلاثة الذين خلِّفوا كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وعنهم أنهم نفر هموا بشىء ولم يعزموا عليه وتابوا منه ، وقال ابن عباس عشرة ، وعنه خمسة ، وقال ابن جبير ثمانية أحدهم على كل قول أبى لبابة ، ندموا على تخلفهم بعد نزول القرآن فى المتخلفين وبلوغه لهم ، وقالوا كيف تكون فى الظل مع النساء ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فى الجهاد ، وأيقنوا بالهلاك ، فأوثقوا أنفسهم على سوارى المسجد حين قرب من المدينة فى رجوعه . وقيل " هم عشرة ، أوثق أنفسهم سبعة ، وقيل هم سبعة فقط ، زعم بعض أن منهم الجد بن قيس ، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل المسجد وصلى ركعتين على عادته إذ قدم من سفره ، فرآهم موثقين ، فسأل عنهم فقيل تخلفوا عنك ، فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تطلقهم وترضى عنهم ، فقال صلى الله عليه وسلم ، " وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم ، رغبوا عنى وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين " ونزلت هذه الآية فرضى عنهم ، وأطلقهم " ، فذنوبهم هو تخلفهم ، وهو أيضا العمل السيىء ، والعمل الصالح توبتهم ، وقيل ذلك على عموم الذنب ، والعمل الصالح ، ولو كان سبب النزول خاصا . قيل ما فى القرآن أعدل من هذه الآية ، وقيل الآية فى أبى لبابة وذنبه ، هو قوله لبنى قريظة إن نزلتم على حكم سعد فحكمه الذبح ، ندم وربط نفسه بسارية ، وحلف أن لا يحل نفسه ، ولا يذوق طعاما أو شرابا حتى يموت أو يتوب الله سبحانه عليه ، فمكث كذلك سبعة أيام ، وخر مغشيا عليه ، فنزلت ، فقال والله لا أحل نفسى حتى يحلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحله ، وعمله الصالح هو جهاده قبل ذلك ، وتوبته هذه ، وقيل توبته . وقيل هؤلاء المعترفون قوم من الأعراب منافقون تابوا ، وإن قلت توبة الله على عبده قبوله التوبة منه ، ولم يذكر الله سبحانه عنهم توبة ؟ قلت إنهم تابوا ، وأخبرنا الله عنها بقبولها لاستلزامه إياها ، وبذكر الغفران والرحمة ، لأن الرحمة لمن تاب ، وبقوله { اعترفوا } فإن الاعتراف ولو كان مجرده غير توبة لكنه يشير إليها ، وإذا قارنه الندم والإصلاح حصلت التوبة . ومعنى الخلط هنا مجرد الجمع بين العملين ، ولذلك لم يعبر بالباء ، وفى ذلك إفادة أن كلا منها مخلوط بالآخر ، ومخلوط به الآخر ، كأنه قيل أجمعوا بين العمل الصالح والعمل السيىء ومعنى الجمع بينهما فعل كل منهما ، ولو كان فعل الكبيرة يحبط الحسنات حتى أنهما لا يجتمعان كما تقول جمع زيد بين قراءة القرآن والعلم ، ولو فى حال تلفظه بواحد غير متلفظ بآخر . هذا إجراء الآية على مذهبنا معشر الأباضية ، ولكن الحسنات هنا نرجع بالتوبة ، ولك أن تقول الواو فى معنى الباء كقولك خلطت الماء باللبن أى مزجتهما ، فالقوى يفسد الآخر ، فالسيىء هنا يفسد الصالح لقوته ، وقد ورد على الصالح ، وإنما ساغ تأخيره مع أنه المخلوط بالآخر ، لأن العطف بالواو ، ولا تفيد الترتيب ، ولو كان اللفظ بالباء لقيل خلطت عملا سيئا بآخر صالحا ، أو نظر إلى أن المختلطين كل منهما مخلوط بآخر ، وساغ جعل الواو بدل الباء لأنها للجمع ، والباء للإلصاق والجمع والإلصاق من واد واحد . وقال الشافعية وغيرهم إن العمل الصالح والطالح إذا حصلا بقيا معا ، فلذلك كانت الآية بالواو ، وهى الجمع بالباء ، لأن خلط الشىء بالشىء مزجه به كاللبن مع الماء ، والله أعلم . ولما أطلقهم قالوا يا رسول الله ، هذه أموالنا التى خَلَّفتنا فتصدق بها عنا ، واستغفرنا ، وطهرنا ، وفى رواية قال أبو لبابة " من تمام توبتى أن أهجر دار قومى التى أصبت فيها الخطيئة ، وأن أتصدق بمالى كله ، وذاك فى مقالته لقريظة ، أو فى تخلفه ، وكذا قيل عن أصحابه فى تخلفهم ، وقال صلى الله عليه وسلم " ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا " " فنزل { خُذْ مِن أمْوالهم صَدقةً تُطهرهُم وتزكِّيهم بها } أى خذ شيئا منها ، فمن للتبعيض لا كلها ، " وقد روى أنه قال لأبى لبابة وأصحابه " يجزيكم أن تتصدقوا بالثلث " فخذ من أموالهم الثلث " ، ويروى أنه لما حلَّهم انطلقوا فجاءوا بأموالهم فردها ، فنزل هذا ، فأخذ ثلثها وذلك تكفير لذنبهم ، فإنهم طلبوا منه أن يأخذها ليطهرهم من الذنوب ، ويرفعهم عن الخبث ، ويدعو لهم ، فأمر الله بذلك ، فالمراد تطهرهم عن الذنوب ، أو عن حب المال المؤدى إلى مثل ذلك ، وتزكى بها حسناتهم ، وترفعهم إلى منازل المخلصين قيل تنمى بها أموالهم . وزعم قوم أن المراد الصدقة الواجبة لما تابوا وأحسنوا الإسلام أدوها ، وزعم قوم أن هذا كلام منقطع عما قبله ، وأنه فى جميع من تلزمه الزكاة ، وعليهما فليست الزكاة واجبة فى كل مال على الإطلاق كما بينته السنة ، واستدل أبو حنيفة بالآية على أنه لا زكاة فى مال الصبى والمجنون ، إذ لا ذنب لهما يطهر بها ، ويرده أنه لا يلزم من انتفاء سبب المعنى انتفاء الحكم مطلقا ، وجملة تطهرهم نعت لصدقة ، والضمير المستتر للصدقة وهو الرابط ، أو النبى صلى الله عليه وسلم ، فالرابط محذوف ، أى بها دل عليه ما أبعد على التنازع أو هو المذكور فى قوله { بها } ويقدر مثله لتزكى ، ولكن تعلق المذكور بتطهر ، وتقدر ضمير تزكى الصدقة . وقرىء تطهرهم بالإسكان من أطهره ، وقرىء تطهرهم بالتشديد والجزم فى جواب الأمر ، وليست الجملة حينئذ نعتا ولم يقرأ أحد بمحذوف ياء تزكى ، فهو قراءة جزم تطهر مستأنف أو معطوف على المجزوم بإسقاط تقدير الضمة ، أو حال بتقدير المبتدأ على أن يتعلق به قوله { بها } ويجعل ضمير تطهر للزكاة . { وصلِّ } أى وادع { عَليْهم } بخير بحيث يغطيهم دعاؤك ، ويكون كستر مسدود عليهم ، قال الشافعى السنة للإمام إذا أخذ الصدقة ولو غير واجبة أن يقول للمتصدق آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت ، وقيل يجب عليه الدعاء فى الواجبة ، ويستحب فى غيرها ، وقيل يستحب مطلقاً ، " وكان صلى الله عليه وسلم إذ أتاه قوم بصدقة قال " اللهم صلِّ عليهم " فأتاه أبو أوفى فقال " اللهم صل على آل أبى أوفى " " أو يستحب للفقير الدعاء على معطيها له ، وقيل يقول اللهم صل على محمد . { إنَّ صَلاتكَ } الجمع باعتبار المدعو عليهم ، وإلا فالمصدر واسمه يصلحان لواحد ومتعدد بلفظ واحد ، وقرأ حمزة ، والكسائى ، وحفص ، إن صلاتك بالإفراد وفتح التاء . { سَكنٌ لَهم } طمأنينة يسكنون إليها ، ويطمئنون بأن الله سبحانه تاب عليهم ، وكل ما سكن إليه من أهل وجيب ومال وغير ذلك فهو سكن ، والجملة تعليل { واللهُ سَميعٌ } باعترافهم ، قيل أو لدعائك { عليمٌ } بتوبتهم ونيتهم .