Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 108-108)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لا تَقُم فيه أبداً } أى لا تُصلِّ فيه ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يمر به فى الطريق بعد نزول هذا ، وكان النهى عن القيام فيه مبالغة مراد بها النهى عن الصلاة فيه ، كما قال { لا تقربوا الزنى } على ما قيل ، والمعنى عند النهى عن مقدمات الزنى ودواعيه ، وكذا هذه الآية تحتمل النهى عن دخوله مطلقا ، إذ كان تعظيما له ، فيكون ذكر القيام فيه ، وأراد مطلق الكون فيه ، وكل مسجد بنى ضرارا أو رياء وسمعة ، أو لغير الله مطلقا فحكمه حكم مسجد الضرار . ولما فتح الله الأمصار على عمر رضى الله عنه ، أمر المسلمين أن يبنوا المساجد ، وأن لا يتخذوا فى مدينة مسجدين يضار أحدهما صاحبه ، قال النقاش لا يصلى فى كنيسة لأنها بنيت على شر . { لمسْجدٌ } اللام للابتداء ، وقيل هى اللام الواقعة فى جواب القسم ، والقسم محذوف أى والله ، ومعنى اللامين تأكيد ، وهذا القول عندى ضعيف لا الأصل عدم الحذف ولا دليل عليه . { أسِّسَ } أى وضع أساسه ، أى أصله { عَلى التَّقوَى } الطاعة وترك المعاصى ، هو مسجد قباء بضم القاف والمد والصرف ، لأنه موضع ، والمنع لأنه بلدة وبقعة وقرية ، وضع أساسه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر وبلغ قباء ، وقد كان موضع صلاة قبل ذلك ، وصلى فيه أيام قيامه فى قباء ، وهى أربعة عشر كما فى صحيح مسلم ، وقيل اثنان وعشرون ، وقيل الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وخرج حين ارتفع النهار من يوم الجمعة ، وكان بعد ذلك يزوره فى كل سبت راكبا أو ماشيا ويصلى فيه ركعتين ، وقال " إن ركعتين فيه كعمرة " . ويدل على أنه مسجد قباء قوله { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } فانه كما قال أبو هريرة نزلت فى أهل قباء ، وكذلك قال ابن عباس ، والحسن ، وفرقة من الصحابة والتابعين وهو المشهور الصحيح فيما قيل وأوفق للقصة ، فإن الموازنة بينه وبين مسجد الضرار أولى ، لأنهما جميعا بقاء من الموازنة بين مسجد الضرار ومسجد المدينة ، وقيل إن الذى أسسه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن أسس على الإسلام لوقوع الإسلام فى الأنصار قبل الهجرة ، ووجده مبنيا ، وكان مربطا لحمار امرأة من الأنصار تسمى لبة ، فكان المنافقون يقولون والله لا نصبر على الصلاة فى مربط حمار لبة ونحو ذلك . وقال علىّ ، وعثمان ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأبو سعيد المراد مسجد المدينة ، قال أبو سعيد " اختلف رجل من بنى خدرة ، ورجل من بنى عمرو بن عوف ، فقال الخدرى هو مسجد الرسول ، وقال الآخر هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال " هو مسجدى هذا وفى الآخر خير كثير " " . " ودخل أبو سعيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت بعض نسائه فسأله ، فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض وقال " هذا مسجدكم " " فإن صح ذلك فلا نظر مع الحديث وعليه فالرجال بعد ذلك رجال الأنصار لا خصوص رجال قباء ، والطهارة مطلق الطهارة الشاملة للطهارة من الذنوب ، وورد فى فضله " ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة " و " ودان قوائم منبرى هذا رواتب فى الجنة " أى ثوابت ، وبناه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات الأولى بالسميط ، وهى لبنة أمام لبنة . والثانية بالصعيدة ، وهى لبنة ونصف فى عرض الحائط . والثالثة بالأنثى والذكر ، وهى لبنتان تعرض عليهما لبنتان . وطوله سبعون ذراعا ، وعمده النخل ، وكان عريشا ، وعرض عليه رفعه فقال " لا بل يكون عريشا كعريش أخى موسى " كان إذا قام ضرب رأسه فى سقفه ، ووضع أول حجر ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم وضع الناس فتفاءل بعض الصحابة بترتيب الخلافة ، فصدق فأله . { مِنْ أوَّل يَومٍ } من أيام وجوده ، أو وضع أساسه ، وفيه دليل على أن من تجىء للابتداء فى الزمان كالمكان وهو الصحيح عندى ، وزعم أكثر البصريين أنها لا تجىء لابتداء الزمان ، وقدروا هنا من تأسس أول يوم ، والأصل عدم الحذف ، وقيل أول بمعنى البداءة ، والبداءة ليست زمانا ، ومن الابتداء فى الزمان حديث " مطرنا من الجمعة إلى الجمعة " . @ * تخيرين من الزمان يوم حليمة * @@ وقوله @ * قوين من حجج ومن دهره * @@ وأجيب بأن الأصل من صلاة الجمعة ، ومن استمرار الزمان ، ومن مر حجج ومن مر دهر ، والأصل عدم الحذف ، ولا دليل على ذلك الحذف ، والذى رويت عن الأستاذ مذ حجج ومذ دهر . { أحقُّ أنْ تَقُوم فيهِ } بالصلاة والعبادة { فِيهِ } فى ذلك المسجد الذى هو مسجد قباء ، أو مسجد المدينة على ما مر ، وقرأ عبد الله بن يزيد بضم هذه الهاء على الأصل وكسر الأولى ، ويحسنه تجنب تكرار اللفظ الواحد { رِجالٌ } جماعة الأنصار أو رجال قباء ، وهو المشهور { يحبُّونَ أنْ يتَطهَّروا } وقرأ طلحة بن مصرف ، والأعمش ليطهر بإبدال طاء وإدغامها . { واللهُ يحبُّ المطَّهِّرينَ } وقرأ على المتطهرين ، بإظهار التاء ، " لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون ، حتى وقف على باب مسجد قباء ، فإذا الأنصار جلوس ، منهم عويم بن ساعدة ، فقال " أمؤمنون أنتم ؟ " فسكتوا ، ثم أعادها فقال عمر يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم ، فقال صلى الله عليه وسلم " أترضون بالقضاء ؟ " قالوا نعم ، فقال " أتصبرون على البلاء ؟ " قالوا نعم ، قال " أتشكرون فى الرخاء ؟ " قالوا نعم ، قال صلى الله عليه وسلم " مؤمنون ورب الكعبة " فجلس ثم قال " يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فى الطَّهور فما الذى تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ؟ " فقالوا يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ، ثم نتبع الأحجار الماء ، فتلى عليهم الآية " . فمن ذلك وغيره أخذنا معشر المغاربة الأباضية الاستنجاء بالحجارة ، ثم الماء ، وعليه فرقة من قومنا ، وبعض علماء القيروان ، وعن بعض أن الثناء على مخلوق نصفه إيجاب لتلك الصفة ، ولا يجزى الاستنجاء بالماء وحدهِ للزُوجَة الغائط ، ولا بالحجارة وحدها ، فإن ذلك المحل لا يطهر بالمسح فبلله نجس قبل الاستنجاء بالماء . وأجاز مشارقتنا وجمهور المخالفين الماء بلا حجارة ، فقال بعض المخالفين إن الحجارة تكفى ، وإنها أفضل من الماء ، وبعضهم أنه أفضل منها ، وذكر ابن حبيب المالكى أنه لا تكفى الحجارة إلا إن لم يوجد الماء ، ومن قال الحجارة تكفى فبلل المحل بعدها عنده طاهر ، والمحل عنده يطهر بالمسح ، وقيل إن الحجارة تطهر لكن لا بد أيضا من الماء ، وهذا على أن الاستنجاء تعبدى ، فالبلل أيضا طاهر . وقيل فى تطهرهم إنهم يستنجون بالماء أخذا من اليهود ، أقروا بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سألهم عن تطهرهم إذ أثنى عليهم الله به ، رواه أبو هريرة ، قيل هذا كان بلا حجارة ثم وجبت ، وقيل تطهرهم من الأحداث والجنابات وسائر النجاسات ، وقيل الاستنجاء وعدم نومهم على جنابة بالليل . وقال الحسن يحبون التطهر من الذنوب بالتوبة ، وبه قال الفخر ، لأن التطهر منها هو المؤثر فى التقرب إلى الله ، واستحقاق الثواب ، ولأن الكلام مقابل للكلام على أهل مسجد الضرار وهم غير متطهرين منها ، فهؤلاء بالضد ، ولأن طهارة الظاهر تؤثر لطهارة الباطن ، وليس بشىء ، لأن من جملة طهارة الباطن ، والطهارة من الذنوب ، قصد غسل النجاسة للصلاة والتقرب ، اللهم إلا أن يقول مع هذا أيضا إن القصد إلى ذكر طهارتهم الباطن أولى ، ولا مانع من أن يقال المراد التطهر من النجس والذنوب ، وقيل التطهر من الذنوب بالحمى ، أرادوها لتكفر بها ذنوبهم فحموا عن آخرهم .