Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 112-112)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ التَّائبونَ } أى هؤلاء البائعون هم التائبون ، فهو خبر لمحذوف على المدح ، ويدل له قراءة ابن مسعود ، وأبىّ التائبين بالياء ، نصبا بمحذوف على المدح ، أى أعنى أو جرى على أنه نعت المؤمنين ، وكذا هو فى مصحف ابن مسعود ، وقيل هو بدل من واو يقاتلون ، وأجاز الزجاج كونه مبتدأ محذوف الخبر يقدر بعد تمام الأوصاف هكذا من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا ، لقوله سبحانه وتعالى { وكلاًّ وعد الله الحسنى } ويجوز كونه مبتدأ خبره ما بعده ، وما بعد ذلك أخبار متعددة ، أى التائبون من الكفر والمعاصى على الحقيقة هم الجامعون للعبادة والحمد ، وما بعد ذلك ، وقيل خبره الآمرون والتوبة باحتراق القلب على المعصية ، والندم والعزم على تركها ، وخوف العقاب ، ورد المظالم إن كانت عن المظلمة ، وعلى الوجهين الأخيرين لا يكون ذلك فى خصوص البائعين ، وعلى ما قبلهما يكون فى خصوصهم ، فلا يدخل فى البعدية إلا من جمع هذه الصفات ، أو ما تعين عليه منها . وسأل رجل الضحاك عن قوله سبحانه وتعالى { إن الله اشترى } الآية وقال ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل ، فقال الضحاك ويلك أين الشرط { التائبون العابدون } الآية وقول الضحاك هذا صواب ، وقال بعض قومنا إنه تشديد ، وإن الشهادة ماحية لكل ذنب إلا مظالم العباد ، وإنه روى أن الله تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه ، وذكر بعضهم أن المراد التوبة من كل معصية ، ومما الأولى خلافه ، والرجوع من حال إلى ما هو أحسن . { العَابدُونَ } المتقربون إلى الله بالفرض والنفل بإخلاص . { الحَامِدُونَ } الذاكرون الله فى السراء والضراء بأوصافه الحسنى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قضى الله خيرا لكل مسلم إن أعطاه شكر ، وإن ابتلاه صبر " أو الشاكرون الله على النعم ، والأول أظهر ، وفى الحديث " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله فى السراء والضراء " . { السَّائحونَ } قال ابن مسعود وابن عباس الصائمون ، وكذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى " سياحة أمتى الصوم " وعن الحسن السياحة كثرة الصوم ، وذلك أن فى الصوم ترك اللذات كالسياحة ، ولأنه رياضة نفس ، وتهذيب لها ، فيوصل إلى خفايا الملك والملكوت ، كما أن السائح يلقى أنواع ضر فيصبر ، والعلماء والصالحين فيستفيدوا عجائب فيتفكر وتعود عليه بركة ذلك كله ، وقد قال بعضهم السائحون الجائلون بأفكارهم فى قدرة الله وملكوته وهو حسن . قال معاذ بن جبل اقعد بنا نؤمن ساعة نفكر فيزداد إيماننا ، ويترك الشهود تنفتح الحكمة والأنوار ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه فيصير من السائحين فى عالم جلال الله ، المنتقلين من مقام إلى مقام ، ومن درجة إلى درجة ، ولا يتأتى الإخلاص مع تتبع اللذات " . وقال عطاء السائحون القراء ، " قال عثمان بن مظعون يا رسول الله إيذن لنا فى السياحة ، فقال " إن سياحة أمتى فى الجهاد فى سبيل الله " " وقال عكرمة المنتقلون من بلد إلى بلد فى طلب العلم . { الرَّاكعوُنَ السَّاجِدُونَ } أى المصلون ، وعبر بالركوع والسجود لأنهما معظم أركان الصلاة ، وبهما تتميز ، بخلاف القيام والقعود فإنهما أيضا فى غير الصلاة . { الآمِرُونَ بالمعْرُوف } الإيمان والطاعات والبر . { والنَّاهُونَ عَن المنْكَر } الشرك والمعاصى والجفا ، وما مدحهم الله تعالى بالأمر والنهى حتى ائتمروا وانتهوا ، وعطف هذا بالواو دلالة على الجمع ، وللدلالة على أنهما كخصلة واحدة كأنه قيل الجامعون بين الأمر والنهى ، وقيل لأن هذا من الأوصاف ، فهى ولو الثمانية للابتداء عدد ، لأن السبعة عدد تام ، وباقى الكم عليها إن شاء الله ، وقيل الخروج عن النعوت إلى الخبر والعطف عليه على أن التائبون مبتدأ خبره الآمرون . { والحافِظُونَ لحُدُود اللهِ } شرائعه على العموم ، فدخل فيه القيام بالطاعة ، وأداء الفرائض ، والوفاء بالبيعة وغير ذلك ، فللتنبيه على أنها على العموم ، بخلاف ما قبلها فإنه على التفصيل ، قرن بالعاطف ، وقيل لأن الأمر والنهى كخصلة واحدة بها تمت السبعة ، فهذه واو الثمانية . { وبشِّرِ المؤمِنينَ } الموصوفين بتلك الفضائل ، والأصل وبشرهم ، ووضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على أن داعيهم إليها إيمانهم ، وأن كامل الإيمان مع جمعها ، وقيل المراد مطلق المؤمنين ممن إذا ما وجب عليه من ذلك ولو لم يجمع ذلك ، فيكون ترغيبا بالتسهيل ، وحذف المبشر به تعظيما عن أن يحيط الذكر به . " روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبى طالب " أنت أعلم الناس علىَّ حقا ، وأحسنهم عندى أيدا أى نعمة ، فقل كلمة تجب لك بها شفاعتى وأحاج لك بها عند الله " وكان عنده أبو جهل ، وعبد الله بن أمية بن المغيرة ، فقال أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فأبى ، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقال كذلك ، فما زالوا كذلك حتى قال يا محمد والله لولا أنى أخاف أن تعيرنى قريش وتعير ولدى ، وتذكرنى النساء فى مجتمعهن ، وينسب إلى الجزع بالموت ، لأقررت بها عينيك . ثم قال دعنى أمت موتة الأشراف " ، وقال هو على ملة عبد المطلب ، وكان هذا آخر كلامه ، فمات قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل فى العاشرة من البيعة ، وقد قال لقريش وهم عنده عند احتضاره أنتم خيرة الله ، اتبعوا محمدا فإنه على رشد وأمر يعوف ويقبل ، وانصروه قبل أن تنصره الأطراف ، فيكونوا صدورا وتكونوا أذنابا ، ولو مد فى أجلى لكففت عنه الدواهى ، وقالوا إنه أرسل إليه يأتيك بشىء من الجنة التى يذكر فتشفى ، فجاءه رسوله وعنده أبو بكر ، فقال أبو بكر حرمها الله على الكافرين ، وأعاد رسوله ، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، ثم جاءه وأمره بما ذكر من الإسلام ، ولم يؤمن . قال العباس فنزل { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } فقال " والله لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك " فكان يستغفر له ، وكان يستغفر أيضا لأبيه ، كما استغفر إبراهيم ، ولأمه ، فكان المؤمنون يستغفرون لآبائهم وأمهاتهم وأقاربهم المشركين مثلهما . " وروى أنه يوم الفتح زار قبر أمه بالأبواء ، حتى حميت الشمس رجاء أن يؤذن له فى الاستغفار لها ، وقد استأذن الله سبحانه فى زيارتها فأذن له ، فتوضأ وصلى ركعتين ، فجعل كأنه يخاطب أحدا ، فقام باكيا ما رؤى بكى كيومئذ ، فبكوا لبكائه ، فسئل فقال " أذن لى ربى فى زيارة أمى ولم يأذن لى فى الاستغفار ، ثم صليت ركعتين بعد الركعتين فأعدت الاستئذان فزجرت زجرا ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " ثم دعا براحلته فركبها فسار قليلا ، فوقفت الناقة لثقل الوحى فنزل فى نهيه ونهى المؤمنين معه أن يستغفروا للمشركين ، وفى عذر إبراهيم والنهى عن القيام عليه قوله تعالى { ما كانَ للنَّبىِّ والَّذينَ آمنُوا مَعه أنْ يسْتغفرُوا للمشْرِكينَ ولوْ كانُوا أولى قُرْبَى … } " .