Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-12)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وإنْ نكثُوا } نقضوا ، وأصله نقض ما قتل ، واستعير لإبطال العهد { أيْمانَهمْ } حلفانهم على أن لا يقاتلوكم ، ولا يظاهروا أحد على قتالكم { مِنْ بَعْد عَهْدهم } بعدم القتال والمظاهرة ، وذكر هذا التكرير ليزدادوا به قبحا عند السامع ، فإن عهدهم هو حلفهم على ذلك ، ويجوز أن يراد بالعهد الإقرار بأن لا يقاتلوا ، ولا يظاهروا بالأيمان الحلف على ذلك ، فلا تكرار ، وهذا الوجه أولى { وطَعَنُوا } نقصوا ، وأصل الطعن الضرب فى الشىء ، واستعير لما ينقص فى الإسلام مثل تكذيبه والحرب { فى دِينكُم } بتكذيبه وتقبيح الأحكام ، ولا يخلوا النكث عن الطعن ، وقد يقال قوله { وطعنوا فى دينكم } تفسيرا للنكث وإعلاما بأن الطعن فيه نكث ، فيكف القتال والمظاهرة . { فقاتِلُوا أئمَّة الكُفْر } الأصل فقاتلوهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر ، للدلالة على أنهم صاروا بالنكث والطعن رؤساء فى الكفر ، وبالغوا فيه ، فهم أحقاء بالقتل ، والضمائر للمشركين الذين عاهدوا . وعن الكلبى المراد المصالحون عام الحديبية ، وكانوا ردوا رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن معه عن البيت ، وعن نحر البدن ، على أن يخلوا مكة له فى العام القابل ثلاثة أيام ، وأن لا يأتيهم بسلاح إلا سلاح فى قراب ، ومن صبأ إليه يرده إليهم ، فنقضوا حين أعانوا على خزاعة ، وهم فى ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فركب ثلاثون رجلا من خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهم بديل بن ورقاء ، فأخبروه بالغدر ، وطلبوا منه النصر ويأتى ذلك فى قصة الفتح إن شاء الله . ورد ذلك ، وقيل المراد بأئمة الكفر الرؤساء من المشركين المعاهدين الماكثين الطاعنين ، وخصهم بالقتال ، لأن قتلهم أهم وللمنع من مراقبتهم ، ولأن قتالهم قتال الأتباع ، والآية على العموم والدوام ، وقال ابن عباس ، وقتادة أئمة الكفر أبو سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وأبو جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبى جهل ، وغيرهم من رؤساء قريش الذين هموا بإخراج الرسول من مكة . ورد بأن الآية نزلت بعد بدر بكثير ، إلا إن أراد بذكر هؤلاء التمثيل لأعيانهم ، وقال مجاهد أئمة الكفر فارس والروم ، وقال وقال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه لم يجىء هؤلاء بعد ، فيحتمل أن يريد أنهم لم يجيئوا كلهم ، بل جاء بعض ، وبقى من بقى ، فهم يجيئوا إلى يوم القيامة ، فيوافق ما ذكرت من أن الآية على العموم والدوام ، ويحتمل فيما قال بعض إنه يريد اليهود الذين يجيئون مع الدجال فى آخر الزمان ، فإنهم أئمة الكفر فى ذلك الزمان . وقيل الضمير فى نكثوا وما بعده عائد للذين تابوا ، وأقاموا الصلاة ، وأتوا الزكاة ، فالمراد بالنكث الرجوع إلى الكفر ، وتسهيل الهمزة الثانية فى أئمة قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبى عمرو ، وروى عنهم إبدالها ياء ، وروى عن نافع تخفيفها كالباقين المحققين لها حيث وقع لفظ أئمة ، وروى عنه مد الهمزة الأولى بإبدال الثانية ألفا وروى هشام ، عن ابن عامر إدخال ألف بينهما ، والمشهور عنه التحقيق ، وقال الفراء ، وتبعه جار الله ، والقاضى أن إبدالها ياء لحن ، وليس كذلك ، بل الجمهور من النحاة والقراء على جواز التسهيل ، جواز قلب الثانية ياء . بل قال ابن هشام ، والشيخ خالد ما نصه بعد كلام وأما قراءة ابن عامر ، والكوفيين ، كعاصم ، وحمزة ، والكسائى ، وخلف ، والأعمش ، أمة جمع إمام بالتحقيق من غير إبدال ، فما يوقف عنه ولا يجاوز ، والقياس أئمة بقلب الهمزة ياء ، فإن قلت كان القياس قلب الثانية ألفا لسكونها ، وانفتاح ما قبلها ، كآنية جمع إناء قلت لما وقع بعدها مثلان ، وأرادوا الإدغام نقلوا حركة الميم الأولى وهى الكسرة إلى الهمزة قبلها ، وأدغموا الميم فى الميم ، فصارا إمة قلبوا الهمزة ياء محضة انتهى ، ووزنه أفعلة بهمزة مفتوحة وإسكان الفاء ، وكسر العين ، وأصله أأممة بفتح الهمزة الأولى واسكان الثانية وكسر الميم الأولى وقع النقل والإدغام . { إنَّهم } تعليل جملى { لا أيْمانَ لَهم } على الحقيقة ، ولو نطقوا بها لعدم الوفاء بها ، وإن شئت فقل ذلك من حذف النعت ، أى لا أيمان وافية لهم ، وعلى كل حال فلا منافاة بين هذا وقوله { وإن نكثوا أيمانهم } واستشهد أبو حنيفة بهذا على أن يمين الكفار لا تنعقد يمينا ، ولا يحنث ، ولو نقضها بعد الإسلام ، وبطلانه يعلم مما مر ، من أن نفيها عنهم من حيث عدم الوفاء ، فالمراد نفى الوثوق بها ، ومذهب الشافعى أنها يمين ، وكذا تقول على خلاف فى حنثه . وتدل الآية على أن الذمى إذا طعن فى الإسلام فقد نقض عهده ، وصار فى حكم المحاربين ، فيفعل الإمام فيه رأيه من قتل أو بيع أو نحو ذلك ، إلا إن أسلم قيل أن يفعل به ذلك ، كذا نقول نحن والشافعى ، والمشهور من مذهب مالك أنه إذا كذب الشريعة أو سب النبى صلى الله عليه وسلم ، أو فعل نحو ذلك قتل ، وقيل إذا كفروا أعلن بما هو معهود من معتقده وكفره ، أدب على الإعلان وترك ، وإذا كفر بما ليس من معهود كفره كالسب ونحوه قتل . وقال أبو حنيفة فى هذا إنه يستتاب ، وإن سبّ النبى صلى الله عليه وسلم وأسلم تقية عن القتل ترك ، وقال بعض المالكية يقتل ، وقرأ ابن عامر ، وعطاء لا إيمان لهم بكسر الهمزة مصدر آمن بمعنى صدق بالله ، أو مصدر آمن بمعنى أزال الخوف ، فالمعنى لا إسلام لهم ، أولا أمن لهم كما يجعل أهل الذمة فى أمن بل يقتلون حيث وجدوا ، وكذلك قرأ الحسن ، وفسره بالإسلام . قال أبو على وتفسيره غير قوى ، لأنه تكرير مع لفظ الكفر ، ولفظ النكث ، وأجيب بأنه تعليل بما يوجب القتل . { لعلَّهم } ترجية للمؤمنين أو تعليل { ينْتَهونَ } عن الكفر والطعن ، وفى هذا إيجاب على المؤمنين أن يكون غرضهم فى قتال هؤلاء الدخول فى الإسلام ، لا مجرد إيذائهم ، وتلك الترجية أو التعليل راجع إلى قوله { فقاتلوا أئمة الكفر } وفيه رد على من استدل بقراءة ابن عامر ومن معه ، على أن توبة المرتد لا تقبل لأنه كالنص فى أن الانتهاء عن الكفر مانع عن القتال ، ولجواز أن يكون المعنى ليس لهم أيمان فيراقبوا لأجله ، قيل ولجواز أن يكون إخبار عن قوم معينين .