Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 26-26)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثمَّ أنزَلَ اللهُ سَكينَتهُ } طمأنينته ، هى خلق له تعالى ، أنزلها رحمة { عَلَى رسُولِه } وكان قبلها قد خاف على المسلمين الغلبة ، فزال خوفه بالسكينة { وعَلَى المؤمِنينَ } وكانوا قبلها منهزمين ، ورجعوا بها ، واطمأنوا ، وأعاد على تنبيها على اختلاف حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحالة المؤمنين ، وقيل المراد بالمؤمنين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انهزم الناس . " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ، وكان صيتا " ناد أصحاب السمرة " يعنى الشجرة وهى شجرة بيعة الرضوان ، بايعوه تحتها أن لا يفروا ، فنادى بأعلى صوته يا أصحاب السمرة ، قال العباس فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتى عطفة البقر على أولادها ، يقولون يا لبيك يا لبيك ، وقال له أيضا " ناد الأنصار خصوصا " فناداهم ، ثم قال " ناد بنى الحارث من الخزرج خصوصا " فعطفوا كما مر عطفة البقرة على أولادها " ، وفى رواية " كأنها الإبل إذا حنت على أولادها ، حتى إن الرجل منهم إن لم يطاوعه بعيره على الرجوع انحدر عنه ورجع بنفسه ، وأول من وصل إليه عصابة من الأنصار فقال " أما معكم غيركم ؟ " فقالوا والله يا نبى الله لو عمدت بنا إلى كذا لكنا معك " . وروى أن العباس كان ينادى تارة يا أصحاب الشجرة ، وتارة يا أصحاب سورة البقرة ، يعنى من أنزلت عليهم سورة البقرة أو المؤمنين فى قوله { والمؤمنون كل آمن بالله } الخ قولان ، " وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصدقوا الحملة ، فاقتتلوا مع الكفار ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوق بغلته كالمتطاول إلى القتال فقال " الآن حمى الوطيس " وهو التنور يخبز فيه ، يضرب مثلا لشدة الحرب التى يشبه حرها حره ، وهذا من فصيح الكلام الذى لم يسمع من أحد قبل النبى صلى الله عليه وسلم ، وتناول حصيات من الأرض ثم قال " شاهت الوجوه " أى قبحت ، ورمى بها فى وجوه المشركين ، ثم قال " انهزموا ورب محمد " " وفى رواية " انهزموا ورب الكعبة ، انهزموا ورب الكعبة " وزاد فى رواية " حتى هزمهم الله " . قال العباس نظرت فإذا القتال على حاله فيما أرى ، ثم ظهر انهزام المشركين ، وروى أنه أخذ قبضة من تراب من الأرض ، قيل إما أنه رمى بالحصى مرة ، وبالتراب أخرى ، وإما أن يكون قد أخذ قبضة مخلوطة من حصى وتراب . " وروى أنه لما ولى المسلمون قال " أنا عبد الله ورسوله ، أنا عبد الله ورسوله " ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب ، قال أبو عبد الرحمن الفهرى أخبرنى من كان أدنى إليه منى أنه ضرب وجوههم وقال " شاهت الوجوه " فهزمهم الله تعالى " ، وهذا مخالف لما مر أنه فعل ذلك على البغلة ، إلا إن سميت فرسا أشبهها بالفرس . قال لعلى بن عطاء ، عن أبى همام ، عن أبى عبد الرحمن ، الفهرى ، حدثنى أبناؤهم ، عن آبائهم أنهم قالوا لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا ، وعن سلمة بن الأكوع " لما ولى الناس يوم حنين ، رجعت منهزما ، فمررت بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته الشهباء ، فقال صلى الله عليه وسلم " لقد رأى بن الأكوع فزعا " فلما غشوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ، ثم استقبل بها وجوههم فقال " شاهت الوجوه " فما خلق الله منهم انسانا إلا ملأ الله عينيه ترابا بتلك القبضة " ، فولوا مدبرين ، وهذا يخالف ما مر من أنه على بغلة بيضاء . " وعن ابن مسعود رضى الله عنه مال سرج بغلته ، فقلت ارتفع رفعك الله ، فقال " ناولنى كفا من تراب " فضرب وجوههم وامتلأت عيونهم ترابا ، وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب ، فولَّى المشركون الأدبار " ، قال رجل كان مع المشركين فى تلك الوقعة ثم أسلم لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة ، وسقناهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلقانا عنده رجال بيض الثياب والوجوه حسانا ، فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا فانهزمنا ، وركبوا أكتافنا . " وروى أنه لما انهزم المسلمون نزل واستنصر وقال " أنا النبى لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ، اللهم أنزل نصرك " " أى أنا النبى حقا وصدقا ، وأنا النبى ، والنبى لا يكذب ، فسيقع وعد النصر ، ولا أفر ، ونسب نفسه إلى عبد المطلب مراعاة للفاصلة ، ولأنه اشتهر بجده عبد المطلب ، لأن أباه عبد الله توفى فى حياة أبيه عبد المطلب قبل مولده صلى الله عليه وسلم ، وكفله عبد المطلب ، وهو سيد قريش ، ومشهور شهرة ظاهرة ، " وأمر المسلمين أن يقتلوا من قدروا عليه ، وأفضوا فى القتل إلى الذرية ، فنهاهم عن ذلك وقال " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " " واستلب أبو طلحة وحده ذلك اليوم عشرين رجلا ، ولم ينهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى موطن من المواطن . وسأل رجل من قيس البراء أفررتم يا أبا عمارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ؟ قال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر ، كان هوازن رماة ، وإنَّا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم ، فاستقبلنا بالسهام ، قال شيبة بن عثمان بن أبى طلحة رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين وقد انهزم الناس ، وذكرت أبى وعمى قتلهما حمزة يوم أحد ، فقلت أدرك ثأرى فى محمد ، فبادرته لأقتله ، فأقبل شىء حتى تغشى فؤادى ، فلم أطق ذلك ، وعلمت أنه ممنوع منى . وقال السهيلى عنه " إنه قال جئته عن يمينه ، فإذا أنا بالعباس قائما عليه درع بيضاء فقلت عمه لن يخذله ، فجئته عن يساره فإذا أنا بأبى سفيان بن الحارث ، فقلت ابن عمه لن يخذله ، فجئته من خلفه فدنوت ودنوت ، حتى لم يبق إلا أن أسور بالسيف ، فرفع إلى شواظ من نار كأنه البرق ، فنكصت على عقبى القهقرى ، وقيل فرأيت خندقا من نار بينى وبينه ، وسورا من حديد ، فرجعت القهقرى ، فالتفت إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم ، وعرف الذى أردت ، فقال " يا شيبة ادنه " فدنوت ، فوضع يده على صدرى ، فاستخرج الله الشيطان من قلبى ، فرفعت إليه بصرى ، فلهو أحب إلىَّ من سمعى وبصرى " ، وفى رواية " فضرب فى صدرى ، فقال أعيذك بالله يا شيبة ، فارتعدت فرائصى ، فنظرت إليه وهو أحب إلىَّ من سمعى وبصرى ، فقلت أشهد أنك رسول الله ، أطلعك الله على ما فى نفسى ، فقال لى " يا شيبة قاتل الكفار " فقاتلت معه صلى الله عليه وسلم " ، وزاد عياض عنه أنه وضع يده على صدرى وهو أبغض الخلق إلىَّ ، فما رفعها إلا وهو أحب الخلق إلىَّ ، وتقدمت أمامه أضرب بسيفى وأقيه بنفسى ، ولو لقيت أبى فى تلك الساعة إلا وقعت به . { وأنْزلَ جنُوداً لم تَروْها } بعيونكم وهى الملائكة ، وكانت خمسة آلاف ، أو ثمانية آلاف ، أو ستة عشر ألفا أقوال ، وكانت عمائمهم حمرا أرخوها بين أكتافهم ، واختلفوا هل قاتلت الملائكة يوم حنين أم لا ؟ وكانت تخذيلا للمشركين ، وتجبينا لهم ، وثبتوا المؤمنين بإلهام ، قال رجل من بنى نصر بعد القتال للمؤمنين وهو أسير أين الخيل البلق ، والرجال الذين عليهم الثياب البيض ، وإنما كان قتلنا بأيديهم ما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة ، قالوا تلك الملائكة . قال جبير بن مطعم لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادى ، لم أشك أنها الملائكة ، ولم يكن إلا هزيمة القوم ، ولا تنافيه الآية ، لأن مراد ما لم تروها وبصورها وصور الرجال ، ورآها المشركون بصور رجال ، والبجاد الكساء ، وسمع الكفار صلصلة من السماء كإمرار الحديد على الطست الجديد ، وذلك نزول الملائكة ، وعن يزيد بن عامر كان فى أجوافنا ضربة الحجر فى الطست من الرعب . { وعذَّبَ الَّذينَ كفَرُوا } بالقتل ، والأسر ، والسبى ، والسلب ، " روى أنه قتل منهم أكثر من سبعين ، ومن المسلمين أيمن بن أم أيمن رضى الله عنه حين فر الناس وهو بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثلاثة معه رضى عنهم وأثقل ، خالد بن الوليد بالجراح ، وقال صلى الله عليه وسلم " من يدلنى على رحل خالد " فدل عليه ، فوجده مستندا على مؤخر رحله ، فنفث على جراحه فبرىء " . قيل قتل من المشركين سبعون تحت الرايات ، ولما انهزموا تبعوهم يقتلوهم ، وسبوْا ستة آلاف من الذرارى والنساء ، وأما الإبل والشاء فلا ندرى عدتها لكثرتها ، وأربعة آلاف أوقية من فضة ، والأوقية أربعون درهما ، وذكر بعض أن الإبل أربعة وعشرون ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ، وذلك أن مالك بن عوف ساق مع الناس العيال والمال ليقاتلوا عنها . وذلك أنه لما فتح الله مكة لرسوله سمعت به هوازن ، وجمعها مالك ابن عوف النصرى ، فاجتمع إليه ثقيف كلها ، ونصر ، وجشم ، وسعد ابن بكر ، وناس من بنى هلال ، وفى جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شىء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخا مجربا ، ولما نزلوا بأوطاس قال لهم بأى واد أنتم ؟ قالوا بأوطاس ، قال نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ولا سهل دهس ، مالى أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، قال أين مالك ؟ قيل له هو هذا ، فقال يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، مالى أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، ويغار الشاء ؟ قال سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم ، فقال له راعى ضان الله ، وهل يرد المنهزم شىء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت فى أهلك ومالك . ثم قال دريد ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا لم يشهدها منه أحد ، قال غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة ما غاب عنه كلاب وكعب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، ثم قال يا مالك رد المال والعيال إلى مواطنهم ، وألق الناس على متون الخيل ، فإن كانت لك لحق بك مَنْ وراءك ، وإن كانت عليك أحزرت أهلك ومالك ، قال والله لا أفعل ، إنك كبرت وكبر عقلك ، فقال دريد هذا يوم لم أشهده ، ولم يفُتْنِ ، يا ليتنى فيها جذع أخب فيها وأضع . " وبعث مالك بن عوف عيونا من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال ويلكم ما شأنكم ؟ فقالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترون ، ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبى حدرد ، فدخل فيهم ، وأقام بأمر رسول الله فيهم ، حتى سمع من مالك وهوازن ، وعلم ما أجمعوا له من الحرب ، وجاء فى العشية فارس فقال يا رسول الله إنى انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا ، فإذا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم نعمهم وشائهم ، اجتمعوا إلى حنين ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " تلك غنيمة المؤمنين غدا إن شاء الله " فكان الأمر كما قال " . والبكرة التى يستقى عليها الماء تستعيرها العرب للكثرة ، والظعن جمع ظعينة وهى الراحلة التى يرحل عليها أى يسار ، ويقال للمرأة ظعينة لأنها تظعن مع زوجها ، ولأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت ، وقيل الظعينة المرأة فى الهودج ، ثم قيل للمرأة بلا هودج ، وللهودج بلا امرأة ظعينة . وروى أن المشركين انهزموا إلى أوطاس ، وبها عيالهم وأموالهم ، وبعض إلى الطائف ، وبعض نحو نخلة ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأشعريين يقال له أبو عامر ، وأمّره على الجيش ، فسار إلى أوطاس فاقتتلوا ، وقتل دريد بن الصمة ، وقتله ربيعة بن رفيع ابن أهبان ، ويقال له ابن الدغنة ، وهرب مالك بن عوف إلى الطائف ، فتحصن بها مع ناس من أشراف قومه ، وأخذ ماله ومال جيشه وعيالهم ، وقتل أبو عامر أمير المسلمين . وعن ابن المسيب " أصابوا ستة آلاف صبى ، قتل أبو عامر فى أوطاس تسعة من المشركين ، بعد أن يدعو كل واحد منهم إلى الإسلام ويقول اللهم اشهد عليهم ، وبرز له العاشر فدعاه إلى الإسلام ، وقال اللهم اشهد عليه ، فقال اللهم لا تشهد علىَّ فكف عنه أبو عامر ، فأفلت ثم أسلم وحسن إسلامه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال " هذا شريد أبى عامر " ورمى العلاء وأوفى ابنا الحارث أبا عامر فقتلاه ، فخلفه أبو موسى الأشعرى ، وقاتل حتى فتح الله وقتلا ، وكان فى السبى الشيماء أخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، وقال صلى الله عليه وسلم " اللهم اغفر لأبى عامر واجعله من أعلى أمتى فى الجنة " . " وروى أنه لما رمى بالسهم قال لأبى موسى يا ابن أخى أقرىء النبى صلى الله عليه وسلم السلام وقل له يستغفر لى ، ثم مات ولما فرغوا دخل أبو موسى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالوقعة ، أو بخبر أبى عامر ، وقوله قل له يستغفر لى ، فدعا بماء وتوضأ ورفع يديه وقال " اللهم اغفر لعبيدك أبى عامر " ورأيت بياض إبطيه ، ثم قال " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثيرين من خلقك " . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فحاصرهم بقية الشهر ، من ذلك أنه خرج لحنين من مكة يوم السبت لست ليال مضين من شوال ، واستخلف عليها عتاب بن أسِيد بفتح العين المهملة وتشديد المثناة وفتح الهمزة وكسر السين ، وانصرف عن الطائف حين دخول ذى القعدة ، وأتى الجعرَّانة فأحرم منها بعمرة ، وقسم بها غنائم حنين وأوطاس . وتألف أبا سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وعيينة ، وعباس بن مرداس ، وصفوان بن أمية ونحوهم بالعطاء الجزيل ، ليرسخ الإسلام فى قلوبهم وقلوب أتباعهم ، أعطى كلا ممن ذكر مائة مائة من الإبل ، إلا عباس بن مرداس فدونها ، فقال الأشعار التى ذكر صاحب الوضع رحمه الله ، والشيخ خالد فى باب النعت من التصريح ، فأتم له المائة . " وروى أن أبا سفيان بن حرب ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه الفضة فقال يا رسول الله إنك أصبحت أكثر قريش مالا ، فأعطنى من هذا المال ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا بلال زن لأبى سفيان أربعين أوقية ، وأعطه مائة من الإبل " قال وابنى زيد فأعطه يا رسول الله ، فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم " زنوا ليزيد أربعين أوقية ، وأعطوه مائة من الإبل " فقال أبو سفيان والله إنك لكريم فداك أبى وأمى ، لقد حاربتك فنعم المحارب ، ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت ، جزاك الله خيرا . وطفق يعطى رجالا من قريش المائة من الإبل ، فقال ناس من الأنصار يغفر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فبلغه ذلك فجمع الأنصار وحدهم فى قبة من أدم فقال " حديث بلغنى عنكم " فقال فقهاؤهم أصادقنا لم يقولوا ، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله إلى آخر ما مر ، فقال " إنى أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم ، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالمال وتذهبون برسول الله ، فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به " قالوا بلى يا رسول الله ، قال " فإنكم ستجدون بعدى أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقونى على الحوض " قالوا نصبر ، قال أنس فلم نصبر وخطبهم فقال " ألم أجدكم ضلالا " إلى آخر ما مر ، وقال " الناس دثارى والأنصار شعارى " . وإنما أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه الغنيمة انتظاراً لقدوم وفد هوازن ، وجاء بعد قسمها وفد مسلمون فسألوه رد المال والسبى ، فقال " إن معى ما ترون وأحب الحديث أصدقه فاختاروا إما المال وإما السبى ؟ " فقالوا لا نعدل بالأحساب شيئا فقال " أما ما لعبد المطلب فهو رد لكم ، وإذا صلى الناس الظهر فأظهروا إسلامكم " ولما صلى أخبرهم بأن هؤلاء جاءوا تائبين يريدون الرد ، وخيرتهم فاختاروا الأحساب ، أما مالى ولبنى عبد المطلب فقد رددته لهم ، ومن لم يطب نفسا فليعطهم فرضا علينا متى نصب نرد " فقال الناس ما لنا لله ولرسوله ، فقال " لا أدرى لعل فيكم من لا يرضى فليرفع إلينا عرفاءكم ذلكم " فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا " . { وذَلكَ جَزاءُ الكَافرينَ } فى الدنيا ، وجزاؤهم فى الآخرة النار .