Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 25-25)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَقَد نَصَركُم } خطاب للمؤمنين { اللهُ فى مَواطنَ } أماكن وهى مواقع الحرب { كَثيرةٍ } كبدر وقريظة والنضير وخيبر ، وفتح مكة ، وكانت غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة فيما قال زيد بن أرقم ، قيل قاتل فى ثمانٍ منهنَّ ، ومجموع غزواته وسراياه وبعوثه سبعون ، وقيل ثمانون ، وقيل ثمانٍ وثمانون ، قال بعضهم يوصف بالنصر فى جميعها ، وأنها المراد بالمواطن ، وخرج فى سبع وعشرين بنفسه . والثمانى التى قاتل فيها هن بدر ، وأحُد ، والمريسيع ، والخندق ، وقريظة ، وخيبر ، وحنين ، والطائف ، وزاد بعضهم بنى النضير ، وبعض فتح مكة ، على أنها فتحت عنوة ، قال بعضهم بعث فى سبع وأربعين ، وخرج فى سبع وعشرين ، تلك العشرة المذكورة ، وغزوة الأبواء ، وغزوة بواط ، وبطن ينبع ، وبدر الأولى ، وبنى سليم ، والسويق ، وغطفان ، ونجران ، وحمراء الأسد ، وذات الرقاع ، وبدر الثالثة ، ودومة الجدل ، وبنى لحيان ، وذى فرد ، والحديبية ، ولا يريد قتالا ، وعمرة القضاء وتبوك . { ويَومَ } ظرف لمحذوف أى ونصركم يوم حُنين ، لا معطوف على محل قوله { فى مواطن } لأن الزمان لا يعطف على المكان ولا العكس ، ولأنه قد أبدل إذ من قوله { إذ أعجبتكم كثرتكم } من يوم ، فلو عطف يوم على محل قوله { فى مواطن } لزم أن يكونوا قد أعجبتهم كثرتهم فى تلك المواطن الكثيرة ، ولم يقع الإعجاب بالكثرة فى غير حنين ، ولم تكن الكثرة فى غيره ، وإن نصبنا إذ باذكر لم يلزم ذلك ، وبقى عطف الزمان على المكان ، قاله جار الله . قلت بحث بعض المتأخرين بأنه لا مانع من عطف الزمان على المكان والعكس ، كما تعطف إحدى القصتين المتباينتين على الأخرى ، وما ذكره من لزوم إعجاب الكثرة فى المواطن الكثيرة ، من عطف يوم على { فى مواطن } مع إبدال إذ من يوم غفلة منه ، لأنه لا مانع من تقييد بعض المعطوفات بما لم يقيد به غيره ، وعلى منع عطف الزمان على المكان والعكس ، يتوصل إلى العطف بجعل مواطن اسم زمان ، أى أزمنة استوطنوا فيها مواضع للحرب ، والاستيطان هنا مجرد المكث ، وبتقدير فى أيام مواطن ، أو بتقدير وموطن يوم . { حُنَينٍ } واد بين مكة والطائف ، قريب من ذى المجاز ، بينه وبين مكة بضعة عشرة ميلا ، قال بعضهم هو ماء بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف ، وهو بصيغة التصغير ، ولو اعتبر معنى التأنيث كالبقعة لمنع الصرف له مع العلمية . { إذْ أعْجبتْكُم كَثْرتكُم } وكانوا اثنى عشر ألفا ، عشرة آلاف حضروا فتح مكة ، وألفان انضموا إليهم من الطلقاء ممن أسلم من أهل مكة ، والطلقاء الذين أطلقهم يوم فتح مكة ولم يسترقهم ، والواحد طليق بمعنى مطلوق . وقال الكلبى كانوا قريبا من عشرة آلاف ، وقيل عنه كانوا عشرة آلاف ، وقال عطاء ستة عشر ألفا وهو ضعيف ، وظاهر كلام النحاس أنهم أربعة عشر ألفا ، قال بعضهم وهو غلط . قال بعضهم خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانون رجلا من المشركين ، منهم صفوان بن أمية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها ، وكان المشركون أربعة آلاف من هوازن وثقيف ، وكان على هوازن مالك بن عوف النصرى ، وعلى ثقيف كنانة بن عبد ياليل بن عمرو ، وقال بعضهم انضم إليه أخلاط الناس ، حتى صاروا ثلاثين ألفا ، ويرده إعجاب المؤمنين بكثرتهم ، إذ لا تعجبهم كثرتهم مع هذا العدد من عدوهم ، إلا إن أعجبتهم قبل أن يعلموا عدد عدوهم ، وقبل أن يروهم ، ومع هذا يضعفه ما ذكروا من أن الله سبحانه غلب المشركين عليهم أولا ، ليعلموا أن النصر بالله لا بالكثرة ، وليذل رؤساء دخلت حرمه مرتفعة بالفتح لا متواضعة ، كرسوله إذ دخلها منحنيا على مركوبه . { فَلَم تغْنِ عنْكُم شيئاً } من الإغناء ، أو من أمر العدو ، فهو مفعول به ، ويجوز كونه مفعولا مطلقا ، أى فلم تغن عنكم إغناء وذلك أن بعضا من المسلمين قال لن نغلب اليوم من قلة إعجابا بكثرتهم ، ومن للتعليل ، ومعناه لا نغلب لقلة ، بل إن كانت الغلبة فلأمر غير القلة ، وذلك لعدم القلة كذا كنت أفهم ، ثم رأيته للسعد فى حاشية الكشاف والحمد لله ، فوكلهم الله إلى كثرتهم ، وتلك الكلمة ، فكانوا مغلوبين ، ثم نصرهم فكانوا غالبين ، ولما قال القائل ذلك ساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن سلامة بن رقيش الأنصارى ، وقال ابن المسيب أبو بكر ، وقال ابن جرير الطبرى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقره الثعالبى ، ورد عليه غيره بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إلى كثرة العدد . { وضَاقَتْ عَليْكم الأرْضُ بما رَحُبَت } الباء بمعنى مع ، وما مصدرية ، أى مع وسعها ، ويتعلق بمحذوف حال من الأرض ، أى كانت عليكم ضيقة كمن لا يسعه مكانه ، وذلك كناية عن شدة الرعب { ثمَّ ولَّيْتم مُدْبرينَ } أى وليتم الكفار ظهوركم ، أى جعلتموهم تالين لظهوركم بفراركم ، ومدبرين حال مؤكدة لعاملها ، وقد يقال مؤسسة بأن يجعل التولى بمعنى الرجوع المطلق إلى خلف ، ومدبرين بمعنى منهزمين ، والعطف على { أعجبتكم كثرتكم } لتصح المهلة ، ويجوز أن يكون على { ضاقت عليكم الأرض بما رحبت } على أن ثم بمعنى الفاء ، أو كانت مهلة بين الضيق والتولى ، أو عد ما بينهما ولو قليلا مهلة . روى أنهم انهزموا حتى بلغ بعضهم مكة ، وذلك التولى زلة من المسلمين ، لكن من فر منهم لا للكثرة على نية العود للفئة ، أو كالمتحرف لقتال ، فإنه لفراره تتفرق عنه الكثرة ، ويقال تابعه ، وعن قتادة إن المنهزمين أولا هم الطلقاء ، قصدوا إلقاء الهزيمة فى المسلمين ، ولم ينهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقى معه ثلاثمائة رجل من المسلمين وقيل انكشفت خيل بنى سليم مولية ، وتبعهم أهل مكة ، ولم يثبت معه إلا العباس بن عبد المطلب ، وابنه قثم ، وعلى بن أبى طالب ، والفضل بن العباس ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وأخوه ربيعة ، وأبو بكر ، وعمر ، وأسامة بن زيد ، وأخوه لأمه أيمن بن أم أيمن فى أناس من أهل بيته وأصحابه ، ولا يبلغون مائة ، وقيل لم يبق معه إلا العباس ، وأبو سفيان ، وأيمن ، وقيل علىّ ، والعباس ، وأبو سفيان آخذ بعنان بغلته صلى الله عليه وسلم ، وهم من بنى هاشم ، وابن مسعود من الجانب الآخر ، وقال العلامة الورع فى مذهبه النووى ، تلميذ ابن مالك بقى معه اثنى عشر رجلا . وروى أنهم لما التقوا اقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم المشركون وخلوا عن الذرارى ، ثم تنادوا يا حماة السواد ، اذكروا الفضائح فتراجعوا ، وانكشف المسلمون ، وعن شعبة ، عن أبى إسحاق ، عن البراء بن عازب أن هوازن كانوا قوما رماة ، ولما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا ، فأقبل المسلمون على الغنائم فاستقبلونا بالسهام ، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر ، وعن البراء انطلق شبان مسرعون قليلو السلاح ، لا دروع عليهم ، ولقوا جمعا رماة من هوازن وبنى نصر ، فرموهم بنبل كأنها قطعة جراد ، ولا يكاد يخطأ لهم سهم ، فانكشفوا ، وأشهد الله أن رسوله لم ينكشف ، وكنا والله إذا اشتدت الحرب نتقى به ، وإن الشجاع منا الذى يحاديه ، وكان على بغلته البيضاء دلدل لكمال شجاعته ، وقوة قلبه ، وثقته بربه ، فإن البغلة لا تصلح للقتال ، وإنما يصلح له الفرس ، لأنه يكر ويفر فى سرعة ، وذلك لا يسهم فى الحرب إلا للخيل ، وأما البغال فمن مراكب الطمأنينة . قال ابن المرابط من المالكية من قال إن النبى صلى الله عليه وسلم هزم يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، قال البساطى إنما يصح هذا بناء على أن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ، لا على قول من قال لا تقبل ، وأجمعوا أنه لا يجوز وصفه بالانهزام ، وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم درعان ومغفر وبيضة ، واستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من الكثرة فى غبش الصبح ، وخرجت الكتائب من مضيق الوادى ، فحملوا حملة واحدة ، وكانوا قد كمنوا فى مضايقه وشعبه وأحنائه ، وهو واد تنحدر فيه انحدارا ، فانكشف بنو سليم وأهل مكة والناس ، ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليل ، ولا يقبل نحوه مشرك إلا قتل ، وكان صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار ، قال العباس وآنا آخذ بلجامها لئلا تسرع ، وأبو سفيان آخذ بركابه صلى الله عليه وسلم .