Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-28)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا إنما المشْرِكُون } أراد عبدة الأصنام ، وغالب آيات القرآن يكون المشركون فيه غير أهل الكتاب كقوله { ولا تنكحوا المشركات } وقوله { والذين أشركوا } وقيل أراد أصناف الكفار مطلقا عبدة الأصنام ، واليهود والنصارى والصابئين والمجوس ، وقول بعض المتأخرين من أصحابنا المراد فى الآية عبدة الأوثان فقط ، وإلا لم يصح لأصحابنا الأختلاف فى أهل الكتاب ، لا يشكل لحمل أصحابنا النجاسة فى الآية على نجاسة العين ، لأنه المتبادر . { نَجَسٌ } قال أصحابنا جميعا المراد بالمشركين فى الآية عبدة الأوثان ، وبنجاستهم نجاسة أعيانهم ، لكن لا يتنجس مالقيها إلا إن كانت مبلولة ، أو كان مبلولا ، وكذا قالوا فى المجوس ، وكذلك قال ابن عباس فى عبدة الأوثان إن نجاستهم لأعيانهم من حيث الشرك ، بل قال الحسن بن صالح ، والحسن البصرى من مس مشركا أو صافحه فليتوضأ ، ولو كانا يابسين ، وبه قالت الزيدية من الشيعة . وقيل المراد بنجاستهم خبث باطنهم بالشرك وسائر الاعتقادات الفاسدة ، وأكثر قومنا على طهارة أبدان المشركين ، بل قيل اتفقوا عليها ، وقيل المراد ذمهم وتنقيصهم ، وقيل إن الخلاف فى المذهب أيضا ، ويحتمل أن يكون المراد أنه يجب أن يجتنب عنهم كما يجتنب عن الأنجاس ، أو أنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسة غالبا ، قال القاضى وفيه دليل على أن ما الغالب نجاسة نجس ، قال قتادة ، ومعمر بن رشد سموا نجسا لأنهم يجنبون ولا يغتسلون ، وإن اغتسلوا لم يجزهم ، وعن قتادة يجنبون فلا يغتسلون ، ويحدثون فلا يتوضئون . وأما أهل الكتاب فقال بعض أصحابنا بطهارة أبدانهم ، وبللهم بلا كراهة ، وقيل بالطهارة مع الكراهة ، وقيل بالنجاسة ، وذكروا ذلك على الإطلاق ، ولم يقيدوا الخلاف بمن ليس محاربا منهم وهو ظاهر قول القواعد أن المشرك عند أصحابنا نوعان كتابى وسواه ، وأن الكتابى فيه اختلاف حيث أدار الكلام على الكتاب ، فقسم المشرك إلى كتابى وغيره ، ولو كان الكتابى المحارب حكمه غير حكم الكتابى الذى ليس محاربا لقسمه إلى ثلاثة أقسام ، وذا أصحابنا المشارقة تذكر الخلاف فى الكتابى مطلقا . واحتج من قال بالطهارة بقوله تعالى { وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم } والطعام عام وقال غير واحد المراد به الذبائح وهو قول ابن محبوب ويتوضأ عمر من جرة نصرانية ، ويأكل النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته من اللحم الذى أهدته اليهودية . واحتج من قال بالنجاسة بأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أن تغسل آنية أهل الكتاب إذا احتج إليها ، ولا حجة فى ذلك لاحتمال أنه أمر بغسلها ، لأنهم يتناولون الأنجاس والمحرمات فيها ، وقيد الشيخ يحيى توفيق الخلاف باكتابى غير المحارب ، وأما المحارب فنجس . واختلفوا فى ذبيحة المحارب منهم ، والراجح تحريمها عندهم ، وذكر بعض المشارقة فى كتابى غسل يده أنه قيل طاهرة ما لم تعرق ، وقيل ما لم تنشف ، وقال مالك كل حى طاهر ولو كان عابد صنم أو كلبا أو خنزيرا ، واختلف فى مشرك أو كتابى أو مجوسى أسلم فقيل يجب عليه الغسل وقيل لا ، واختلف فى المرتد إذا رجع إلى الإسلام ، وفى التاج إن ارتد فى نفسه فعليه الغسل والوضوء ، وقيل الوضوء ، ومن تكلم بما يشرك به ولم يرد به ردة ، ومن حاله إذا علم بخطئه تاب فلا بأس عليه فى زوجته ، ولا غسل قيل عليه ، وقيل حرمت عليه فى حينه إن كان ذاكرا لما كان منه ، وإن كان منه خطأ ثم نسيه وتاب فى الجملة ولم يدن بذلك ولم يتعمده فقولان انتهى . ومذهبنا ومذهب المالكية غير ابن عبد الحكم منهم وجوب الغسل على من أسلم من الشرك أو من الارتداد ، والإخبار بالنجس وهو مصدر أو مراد به عين الخبيث كالعذرة ، إنما هو مبالغة ، وقرأ أبو حيوة نجس بكسر النون وإسكان الجيم تخفيفا من مفتوح النون المكسور الجيم بالنقل ، وهو وصف ، أى جنس نجس ، وأكثر ما جاء نجس بكسر فإسكان تابعا لرجس ، هذا ما يتحصل من كلام جار الله والقاضى . وقال ابن هشام ، فى القاعدة الثانية من الباب الثامن ما معناه إن من إعطاء الشىء حكم مجاورة قولهم هو رجس نجس بكسر النون وسكون الجيم ، والأصل نجس بفتحة فكسرة ، وحينئذ فيكون محل الاستشهاد إنما هو الالتزام للتناسب ، وأما إذا لم يلتزم فهذا جائز بدون تقدم رجس ، إذ يقال فعل بكسرة فسكون فى كل فعل بفتحة فكسرة نحو كتف ولبن ونبق انتهى . { فَلا يقْربُوا المسْجدَ الحَرامَ } وأما سائر المساجد ، وسائر المشركين من أهل الكتاب والمجوس والصابئين فحكمها مأخوذ من قوله تعالى { ما كان للمشركين } الخ ، أو مقيس على حكم المسجد الحرام وعبدة الأصنام كما فعل مالك بن أنس ، فإن المذهب عندنا أنه لا يدخل المشرك غير الكتابى ، ولا المشرك الكتابى المسجد الحرام ولا غيره من المساجد ، ولا مواضع الصلاة والمجالس ينهى عن ذلك ، وإن لم ينته ضرب ، ولا ينهى عن قراءة القرآن ، ودراسة الكتب ، وقيل ينهى . وفى السؤالات وإن دعا مشرك إلى الجملة التى يدعو إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بها أو كتبها أو صوَّبها فإنه يجر على التوحيد ، وأما إن نهى عنها أو حكاها أو خطأها أو هجَّاها بتشديد الجيم فلا يجبر ، فإذا بلغ فى الجملة إلى ما أنكر أو يستقبل القبلة ، أو أقام الصلاة أو أذن فإنه يجبر على التوحيد انتهى . والظاهر أنه أراد باستقبالها الصلاة أو دعاء أو عبادة ، وقال الشافعى الآية عامة فى الكفار ، خاصة فى المسجد الحرام ، وأباح دخول عبدة الأوثان وغيرهم من المشركين فى سائر المساجد ، واحتج بربط ثمامة بن وثاب وقدر مر ، وقال أبو حنيفة خاصة فى عبدة الأوثان وفى المسجد الحرام ، فأباح دخول المشرك غير الوثنى فى المسجد الحرام ، ودخول الوثنى فى سائر المساجد . وقال جابر بن عبد الله ، لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية ، أو عبدا لمسلم ، وإنما نهى عن الاقتراب للمسجد الحرام ، مع أن المراد النهى عن دخوله مبالغة ، وقيل المراد بالنهى عن دخول الحرم ، وإليه يميل عطاء ، وقيل المراد النهى عن الحج والعمرة ، لا عن الدخول مطلقا وهو رواية عن أبى حنيفة ، وروى عنه أنه يجوز للمعاهد دخول الحرم ، وهو قول أهل الكوفة ، وعن مالك ، والشافعى ، وأحمد لا يدخل الحرم ذمى ، ولا مستأمن ، ولا غيرهما ، فإن جاء رسول من دار الكفر خرج إليه الإمام من الحرم ، أو أرسل إليه من يسمع رسالته ، وأجاز بعضهم للمشرك مطلقا أن يدخل سائر المساجد بإذن مسلم ، ويجوز دخول المشرك الحجاز ، ولكن لا يقيم فيها أكثر من مقام المسافر وهو ثلاثة أيام . وقد قال صلى الله عليه وسلم " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، فلا أترك فيها إلا مسلما " وأوصى بإخراجهم ، وأراده أبو بكر ولم يتفرغ له ، وأخرجهم عمر منها ، وهى من جدة إلى أطراف الشام ، ومن أقصى عدن إلى ريف العراق ، وقيل ما أحاط به بحر الهند ، وبحر الشام ، ودجلة ، والفرات ، وقيل ما بين جفر أبى موسى إلى اليمن طولا ، وما بين رمل بئرين إلى منقطع السماوة عرضا وقيل المدينة ، ومكة ، والحجاز ، والطائف ، وهو قول مالك ، وقيل كلما ملكه العرب ما بلغه التوحيد ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم عربى ، ذكر ذلك الخلاف فى أواخر السؤالات الحجاز مكة ، والمدينة ، والطائف ، ومخالفيها لأنها حجزت بين نجد وتهامة ، أو بين نجد والسراة ، أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس حرة بنى سليم ، وواقم ، وليلى ، وشوران ، والنار ، وقيل نصف المدينة حجازى ، ونصفها تهامى ، وقيل المعنى لا يتولوا شيئا من مصالح المسجد الحرام ، ولا يقوموا به . واعلم أن مذهبنا أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لقوله سبحانه { ما سَلَككم فى سقر * قالوا } الخ ونحوه ، ولا دليل فى هذه الآية على ذلك عندى ، لأنها ولو كانت بظاهرها نهيا للكفار عن مقاربة المسجد الحرام ، لكن المراد بها نهى المسلمين عن أن يتركوهم ، والمقاربة كقولك لا يكن فى المسجد ريح الثوم ، بمعنى لا تأتوا المسجد بريحه ، ثم رأيت جار الله أشار إليه والحمد لله ، وقال القاضى إن الآية تدل على خطابهم بالفروع . { بَعْد عَامِهِم هذا } عام حَجَّ أبو بكر وهو التاسع ، وهو الذى لحقه فيه علىّ بالبراءة إلى المشركين ، وقيل عام حجة الوداع ، وبالأول قال أبو حنيفة وأصحابه ، وقد نادى على يومئذ ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، ولكنهم فسروا لا يقربوا المسجد الحرام ، بلا يحجوا ولا يعتمروا ، قال جار الله لا يمنعون من دخول الحرم عندهم ، والمسجد الحرام وسائر المساجد . { وإنْ خِفْتم عَيْلةً } فقرا ، وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود عائلة ، وهو مصدر كالعافية والعاقبة ، أو اسم فاعل نعت لمحذوف ، أى وإن خفتم حالا عائلة { فَسوفَ يُغْنيكُم اللهُ منْ فَضْله } من عطائه أو من تفضله . روى أن الشيطان وسوس أهل مكة لما منع المشركون من دخول الحرم ، إنكم تموتون جوعا ، وذلك أنه كان المشركون يجلبون الطعام إلى مكة للتجارة ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية وأنجز الله وعده بأن أرسل عليهم السماء مدرارا ، فكثر خيرهم ، وأسلم أهل جدة وصنعاء وجرشاء من اليمن ، جلبوا إلى مكة ، وفتح عليهم البلاد ، وكثرت الغنائم والجزية ، وتوجه الناس مسلمين من النواحى إلى مكة بالطعام ، وذلك ونحوه داخل فى قوله { يغنيكم الله من فضله } وقال عكرمة أغناهم بالمطر ، وقال مقاتل بالميرة من مسلمى جدة وصنعاء وجرشاء ، وقال قتادة ، والضحاك ، وابن عباس بالجزية ، وعنه أمرهم بقتال أهل الكتاب ، وأغناهم بالجزية ، وقيل بفتح البلاد والغنائم . { إنْ شَاءَ } قيد بالمشيئة لينبه على أنه متفضل فى ذلك ، ولا واجب على الله تعالى ، وليقطع العبد أمله من غير الله ، ويديم التضرع إلى الله ، ولينبه على أنه يعطى بحسب المشيئة ، فيعطى من شاء ، بقدر ما شاء ، فى أى وقت شاء ، وقيل ذلك تعليم للأدب إذا وعدنا بشىء قلنا إن شاء الله ، وقيل المعنى إن أوجبت الحكمة أغناكم ، وكان مصلحة فى دينكم . { إنَّ اللهَ عَليمٌ } بالأحوال والمصالح كلها { حَكيمٌ } فى الإعطاء والمنع وغيرهما .