Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 29-29)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمنُون بالله ولا باليَومِ الآخِرِ } هم أهل الكتاب كما بينه الله بعد ، وهذا من الدلائل القوية على أنهم مشركون ، حيث وصفهم بأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، فإنهم ولو أقروا بهما لكن لا كما ينبغى ، فإن اليهود قالوا عزير ابن الله ، والنصارى قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، فذلك مبطل لإيمانهم بالله ، فإن لفظ الجلالة يتضمن الانفراد بالذات ، والفعل ، والصفة ، وهم عدَّدوه وشبَّهوه ، إذ جعلوه والدا فذلك انكار له ، وإنما صفة الإيمان به ، أن يؤمن به منفردا بذلك ، وقد قالوا بأنه جسم ، وقالت اليهود خصوصا إنه أعياه خلق السماوات والأرض فاستراح ، والعياء صفة مخلوق ، فقد أخرجوه بهذه الصفة عن الألوهية ، ومن لم يؤمن بالله لم يصح منه الإيمان باليوم الآخر ، فإن الباعث هو الله ، فإذا ألحدوا فيه فكأنهم نسبوا البعث إلى غيره . ولهم فى البعث أداء كثير كشراء منازل الجنة من الرهبان ، وقالت اليهود يكونون فى النار أياما معدودة ، فإن البعث على الحقيقة أبعث المكلفين للخلود فى الجنة والنار ، وزعم قوم منهم ، أن نعيم الجنة منقطع ، وقوم أن نعيمها ليس من جنس نعيم الدنيا ، وزعم قوم منهم إنما تبعث الأرواح دون الأجساد ، وإن أهل الجنة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، فليس إيمانهم باليوم الآخر حقا كإيمان الموحدين . وكذلك اختلفت النصارى ، وأيضا هم كافرون برسالة بعض الرسل ، بل أكثر الرسل كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولبعض الكتب كالقرآن وذلك معارض للإيمان بالله ومناف له ، فأهل الكتاب ، وكل من أنكر حرفا أو رسولا مشرك عندنا ، وقال جمهور المخالفين ليسوا بمشركين فيما قال بعضهم ، وكذا قال عيسى بن عمير ، وأحمد بن الحسين إن أهل الكتاب ليسوا بمشركين ، لكن منافقون مع استحلالهما منهم ما حل من المشركين ، وتحريم ما حرم منهم . وذكر الثعالبى أن فائدة الخلاف تبين فى فقه منافعهم وذبائحهم وغير ذلك ، قال مجاهد وعند نزول الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة الروم ، ومشى نحو تبوك ، ذكر الثعالبى ، وقال الكلبى نزلت فى قريظة والنضير ، فصالحهم فكانت أول جزية أصابها المسلمون ، وأول ذل أصاب أهل الكتاب بأيدى المسلمين . { ولاَ يُحرِّمونَ ما حرَّم اللهُ ورسُولُه } محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة ، كالخمر والخنزير ، وقال أبو روق المراد ما حرم الله فى كتابهم كالتوراة والإنجيل ، ورسول الله الذى زعموا أنهم يتبعونه كموسى وعيسى عليهما السلام ، فهم لم يتبعوا دينهم المنسوخ ، ولا ديننا الناسخ له ، لا فى الاعتقاد ولا فى العمل . { ولا يَدِينُون دِينَ الحقِّ } دين الصواب الثابت ، وهو دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإضافته للحق إشارة إلى أنه ناسخ لا ينزل ما ينسخه ، إذ كان الحق بمعنى الصواب الثابت ، وقيل الحق الله ، أى دين الله ، وهو هذا الدين ، وقيل دين أهل الحق وهم المسلمون ، ودين مفعول مطلق أو مفعول به ، أى لا يعتقدون دين الحق . { مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتَابَ } متعلق بمحذوف حال من الذين فى قوله { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } ومن للبيان ، ولا يصح أن تكون للتبعيض بدليل السياق ، فإن فيه الجزية ، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم قبض الجزية عن أهل الكتاب كلهم ، إلا ما استتر من راهب ونحوه ، فهم كلهم مشركون ، لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق ، فالآية صادقة عليهم ، ولو أقروا بالله والتوراة والإنجيل فلا عذر لهم إلا من لم تبلغه رسالته صلى الله عليه وسلم وأوتوا بمعنى أعطوا بالبناء للمفعول ، والكتاب الجنس ، كالتوراة والزبور لبنى إسرائيل ، والإنجيل للنصارى ، وأهل الكتاب شامل للصابئين ، قيل والسامريين ، قال على هو شامل أيضا للمجوس ، فإنه بعث إليهم نبى اسمه زرادشت ، وكان لهم كتاب أصبحوا وقد رفع . { حتَّى يُعْطُوا } مبنى للفاعل ، وإنما ضم أوله لأنه رباعى { الجِزْيةَ } يدعوهم الإمام إلى الإسلام ، فإن لم يجيبوا ألزمهم الجزية ، وإن امتنعوا منها قاتلهم يدعو من أهل القرى الأمراء ، ومن أهل البادية واحدا واحدا ، وقيل المنظور إليه منهم والرؤساء وإن لم يعلم لغتهم ترجم لهم بأمينين ، وقيل بواحد ، وإن قوتلوا بلا دعاء ردوا إلىَّ ما منهم ، وإنما قبلت منهم الجزية حرمة لآبائهم الذين انقرضوا على الدين ، الذى هو من الله قبل نسخه ، ولأن فى أيديهم كتبا قديمة ، ولعلهم يتفكرون فيها فيعرضوا صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، مع ما ينضم إلى ذلك من مشاهدتهم محاسنه وقوته ، وكثرة الداخلين فيه . وسميت جزية لأنها تجزى عن قتلهم ، أو لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه ، أى يقضوه ، يقال جزى دينه بمعنى قضاه ، أو لأنها مكافأة للمسلمين على إبقائهم ، ويعطيها أيضا المجوس لما مر عن على ، ولأنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس اليمن ، وأن عمر أخذها من مجوس فارس ، وفى رواية أخذها صلى الله عليه وسلم من مجوس البحرين ، ولما رواه عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " يعنى فى الجزية ، ولكن ظاهره يقضى أنهم ليسوا بأهل كتاب ، ولعله أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب الذين عهدتم أنهم أهل كتاب وشهروا ، ولكن اليهود والنصارى والصابئين تحل ذبائحهم ونكاح حرائرهم بالجزية دون المجوس ، هذا مذهبنا ، ومذهب الجمهور ، وعليه مالك وابن حبيب وغيره من أصحاب مالك إلا قليلا منهم . وظاهر ما مر عن على أنه تحل ذبائح المجوس وحرائرهم بالجزية ، وبه فسر بعضهم حديث عبد الرحمن المذكور ، فإن قيل المعنى سنوا بهم سنة أهل الكتاب فى كل شىء ، كالجزية والذبيحة ، ونكاح الحرة منهم ، وسواء فى ذلك مجوس العرب وغيرهم ، وقيل لا يقيد من مجوس العرب إلا الإسلام أو القتل ، وقيل الصابئون ليسوا من أهل الكتاب ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل ، ولا تحل ذبيحتهم ولا حرائرهم ، وقيل تؤخذ منهم الجزية ، ولا تحل ذبيحتهم وحرتهم ، وهذا الخلاف أيضا فى السامرة ، ونسب لقول بأنهم والصابئون من أهل الكتاب ، وأحكامهم واحدة إلى الجمهور ، والنظر إلى الدين ، فلو كان قوم من البربر من أهل الكتاب لأخذت منهم الجزية ، وحكم عليهم بحكم أهل الكتاب كله . وقد روى أن عثمان أخذ الجزية من البربر ، فهى تؤخذ من أهل الكتاب عجما أو عربا ، وكذا قال أبو حنيفة ، لكنه قال تؤخذ أيضا ممن كان من العجم مشركا غير كتابى ، ولا تؤخذ من عربى مشرك غير كتابى ، وقال أبو يوسف تؤخذ من المشرك العجمى كتابا كان أو غيره ، ولا تؤخذ من العربى ولو كتابيا ، وقال مالك ، والأوزاعى تؤخذ من جميع الكفار إلا المرتد ، وروى عن أبى حنيفة أنها لا تؤخذ من العربى الكتابى ، فإما الإسلام وإما القتل ، ومذهبنا أنها لا تقبل إلا من أهل الكتاب وكذا قال الشافعى . وأما غيرهم فالإسلام أو القتل أو السبى إلا قريشا ، فلا تسبى ذريتهم ونساءهم ، وقيل العرب كلهم كذلك ، وذلك لحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن سبيت صبيانهم ردوا إلى آبائهم أو أوليائهم ، وإن لم يكونوا فمؤنتهم من بيت المال ، واستظهر بعض المتأخرين أنهم أحرار ، وعن الزهرى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح عبدة الأوثان على الجزية ، وقال لأهل مكة " هل لكم فى كلمة إذا قلتموها دانت لكم بها العرب وأدت إليكم الجزية العجم " " وعن الشافعى لا تؤخذ من مشركى العرب غير الكتابيين ، ومن دخل فى دين أهل الكتاب بعد نسخه ، فلا تقبل عنه الجزية ، قال بعض وكذلك إن دخل فيه بعد نسخه ، ولم يبدل فيه ، والذبيحة والنكاح تابعان للجزية ، وإن وقع الشك فى دخولهم قبله أو بعده قبلت منهم الجزية ، ولا يتزوج منهم ، ولا تؤكل ذبائحهم حوطة . وعن على تؤكل ذبيحة نصارى العرب ، فإنهم لن يبلغوا من النصرانية إلا شرب الخمر ، واختار بعض أصحابنا أن من دخل من العرب فى دين النصارى قبل نزول الآية فهو منهم ، ومن دخل بعد نزولها قتل ، ولا جزية على امرأة ، أو عبد ، أو طفل ، أو شيخ كبير أو مجنون ، أو راهب ، أو مفلس ، وعن بعض قومنا يعطيها أيضا جميع من ذكر وهو ضعيف ، كيف يطالب بها المجنون ، وقال بعض العلماء يعطيها رهبان الكنائس الذين لم ينقطعوا ، ومن ضربت عليه ثم انقطع لم تسقط عنه ، وقيل يعطيها الراهب مطلقا . ولا يأخذ الجزية إلا الإمام العادل بنفسه أو بأمره ، وإذا لم يكن الإمام أو كان ، ولم يقدر على منع الظلم عنهم لم تؤخذ منهم ، ومن أخذها بدون الإمام لم يعامل فيها ، وقيل يأخذها منهم كل من منع الظلم عنهم ولو فى الكتمان ، وقيل تؤخذ من الفقير الذى لا شىء له ، وقيل إن كان له ما يكتسب منه ، وشدد بعض فقال يطلى بلبن أو عسل أو نحو ذلك مما يتأذى منه بالذباب أو النمل أو نحوها ، ويحبس فى الشمس حتى يعطيها ، لأنه ترك التوحيد باختياره ، والجزية بحسب ما يرى الإمام من قوة المشرك وضعفه ، وكثرة المال وقلته ، وسدة بعض الإسلام وعدمها وغير ذلك ، حتى لو رأى الصلاح فى تسويتهم لفعل . وقيل دينار على كل واحد فى السنة ، وإن رضوا بالزيادة فعلى المتوسط ديناران ، وعلى الغنى أربعة ، وقيل الجزية لكل سنة على الغنى أربعة دنانير ، وعلى المتوسط ديناران ، وعلى الفقير دينار ، وإن شاءوا أعطوا الدراهم بدل الدنانير ، فيحسب الدينار باثنى عشر درهما ، كدينار الديات والأرش ، وجماع الحيض ، وغير ذلك ، وأما دينار الزكاة فعشرة دراهم ، ودينار المعاملات يزيد وينقص ، وإن شاء الإمام أخذ فى كل شهر دراهم ، فيكون على الغنى فى الشهر أربعة دراهم ، وعلى المتوسط درهمان ، وعلى الفقير درهم ، وقيل على اليهودى عشرة دراهم فى كل سنة ، وعلى النصرانى اثنا عشر ، وقيل خمسة عشر ولم يذكر صاحب هذا القول الصابئين والمجوس ، ولعله يقول الأمر فيهم على ما يرى الإمام . وعلى من تؤخذ عنه الجزية ضيافة المسلمين ثلاثة أيام ، وقيل الضيافة على النصارى ، والمبيت على اليهود ، بعد أكل العشاء عند النصارى ، وعن عمر أنه ضرب على أهل الكتاب أيضا كسوة للمسلمين ، وعن عمر أنه ضرب الجزية دينارا على كل واحد فى السنة ، وبه قال الشافعى ، وبه أمر صلى الله عليه وسلم معاذا حين أرسله إلى اليمن ، وقال له " أو خذ قيمة الدنانير معافر " ، وهى ثياب ، وقد عمل به عمر فى بعض القرى . وروى عنه أنه كتب إلى عامله عثمان بن حنيف فى الكوفة بأن على الغنى أربعة دنانير ، وعلى المتوسط دينارين والفقير دينارا ، وروى عنه وعن غيره غير ذلك ، فدل على أنها ليست محدودة ، وفعل النبى ليس حدا لها ، وأنها برأى الإمام ، وقال ابن القاسم من المالكية أربعة دنانير على كل غنى أو فقير لا ينقص عنها ، وهو قول أصبغ منهم ، لكن قال يحط للفقير بقدر حاله ، وقال ابن الماجشون منهم لا جزية على الفقير ، ويؤخذ من نصارى العرب ضعف ما يلزم المسلم فى الزكاة على أموالهم ، فيعطى منهم من له مائتا درهم عشرة دراهم ، ومن له مائة درهم خمسة دراهم ، ولو كان لا زكاة على المسلم فيما دون المائتين ، وكذلك فى الذهب والغلة والماشية ، وكذا فعل خالد بن الوليد بنصارى تغلب فى الشام ، فأجازه عمر . وتؤخذ على تمام السنة من حين قهرهم الإمام ، وضربها عليهم ، وبهذا قال الشافعى ، وقال أبو حنيفة من حينه وهو ضعيف ، وكل ما صالحهم ، أعنى أهل الكتاب ، الإمام عليه قبل القتال أو بعد القتال ، إن لم يكن غالبا فجائز عليهم ولا يجوز { عَنْ يَدٍ } حال من واو يعطوا ، والمعنى عن مطاوعة أى منقادين ، أو عن يدهم بمعنى يسلمونها بأيديهم ، ولا يرسلون بها على يدى غيرهم ، كما قال ابن عباس ، ولذلك منع بعضهم من توكيل فى إعطائه ، والصحيح عندهم جوازه . وعلى ذلك الوجه يجوز كونه حالا من الجزية ، أى ثابتة عن يدهم ، أو يقدر الحال كونا خاصا ، أى منتقلة ، عن يدهم ، وتعليقه بيعطوا على أن عن بمعنى الباء ، أو عن غنى ، ولذا قال بعضهم لا يعطيها الفقير ، ولو كان له ما يعطى والصحيح يعطيها إن كان له ما يعطى وسبق الكلام فى ذلك أو عن عجز وذل ، كما قاله بعض ، أو عن إنعام عليهم ، فإن قبلوها إبقاء لأرواحهم ، أو يعطونها نقدا ، وعلى هذا الوجه فهو حال من الجزية كأنه قيل حتى يعطوا الجزية حاضرة ، ولا متأخرة عاجلة ، أو آجله ، وعلى كل فالمراد قاتلوهم إذ لم يؤمنوا حتى يذعنوا الإعطاء الجزية عن يد . { وهُم صَاغِرونَ } أذلاء جاريا عليهم حكم الإمام ، هذا هو الظاهر فى تفسير ذلك ، وهو عام لأنواع الصغر اللازمة لقهر الإمام لهم ، وقيل الصغر أن يأتى بها ماشيا غير راكب ، ويسلمها قائما ، أو القابض قاعدا ، ويحرك ويزعج بإقلاق ، ويؤخذ بمجامع ثيابه ، ويقال له أدى الجزية ، وإن كان يؤديها ويضرب فى قفاه ، وفسره عكرمة بإعطائه قائما ، والقابض جالس ، وابن عباس بأن يضرب باليد فى عنقه ، والكلبى بأن يضرب باليد مبسوطة فى قفاه ، وقيل هو أن يضرب ويؤخذ بلحيته ، ويضرب فى لحمتيه تحت الأذنين ، ويقال له أد حق الله يا عدوَّ الله ، والضرب فى ذلك كله خفيف .