Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 30-30)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وقَالتِ اليَهودُ } كان هذا القول فاشيا فى اليهود جميعا ثم انقطع ، فأخبر الله سبحانه عنهم ، وأظهره ولا عبرة بإنكار اليهود ذلك ، وقيل لم ينكروا ذلك لاشتهاره ، ولولا أن اشتهاره فيهم لأنكروا لتالكهم على التكذيب ، وقيل قاله بعض متقدميهم ، وقيل قاله ناس من يهود المدينة ، عن ابن عباس ، قالها أربعة من أحبارهم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزير بن الله ؟ فنزلت الآية . وقيل إنه لم يقله إلا فنحاص بن العيزار ، ونسب القول إليهم ، لأن من قاله بعضهم ، ولأنه فيهم ، ولأنه عظيم فيهم ، وبهذا علل عياض ، والعرب تقول فلان يجالس الملوك ، ولو لم يجالس إلا ملكا واحدا ، ويركب الخيل ولو لم يركب إلا فرسا واحدا . { عُزير ابنُ اللهِ } مبتدأ وخبر ، ولهذا تكتب ألف ابن لأنها تسقط إذا كان تابعا لعلم مضافا لعلم ، لا إذا كان خبرا أو غيره ، ولم ينون عزير لأنه علم عجمى كعازر وعيزار ، فمنع الصرف ، لا لوجود ابن بعده ، لأنه يمنع تنوين العلم لوجود ابن بعده ، إذا كان ابن تابعا له ، أو لم ينون لالتقاء الساكنين بأن شبه التنوين بحرف اللين ، فحذف للساكن بعده ، وإلا فحق التنوين ثبوته مكسورا مثلا للساكن بعده . ومثله قراءة بعض أحدُ الله بحذف التنوين ، وهذا الوجه ضعيف لقلة ذلك ، ومثله فى الشعر ولا ذاكر الله قليلا ، بنصب اسم الجلالة ، وعدم تنوين ذاكر ، ومنه قراءة بعض " ولا الليل سابق النهار " بنصب النهار ، وعدم تنوين سابق ، وزعم بعض أنه لم ينون ، لأن ابن تابع له نعتا أو بيانا أو بدلا ، وهو خبر لمحذوف ، أى الإله فينا عزير ابن الله ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أى عزير ابن الله إله ، وثبتت ألف ابن مع أنه تابع فى خط المصحف شذوذا . ويرده أن المشنع عليهم هو قولهم إن عزير هو ابن الله وهذا يقيده كون عزير مبتدأ ، وابن خبره ، لا كون عزير مبتدأ محذوف الخبر ، أو خبر محذوف المبتدأ ، فإن هذا يفيد أن المشنع عليهم هو قولهم بأنه إله ، فإنه ولو كان مشنعا لكن غير مقصود فى الآية ، وقد يقال المراد فيها التشنيعان معا ، كأنه قيل انظر إلى هؤلاء القائلين هذا الكلام الذى تضمن أمرين قبيحين نسبة الولد إلى الله ، ونسبة الألوهية لغيره ، ولكن ذلك ضعيف ، لأنه بظاهره يوهم تسليم البنوة لله ، وإنكار مجرد كون عزير إلها ، وأيضا قراءة عاصم ، والكسائى ويعقوب تنوين عزير على أنه عربى تدل على ما قلنا من ان عزيرا مبتدأ وابن خبره ، ويحرك تنوينه بالكسر ، ولا يحرك بالضم فى مذهب الكسائى تبعا للنون ، لأن ضمة النون للإعراب غير لازمة . قال فى عرائس القرآن روى عطية العوفى ، عن ابن عباس كان عزير عليه السلام من أهل الكتاب ، وكانت التوراة عندهم يعملون بها ، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق ، وكان التابوت فيهم ، فرفعه الله وأنساهم التوراة ، لذلك قيل أرسل عليهم مرضا استطلقت به بطونهم ، وتيبست أكبادهم فنسوها ، ويرده أنهم لم يحفظوها فضلا عن أن ينسوها ، ولعلهم حفظوا قليلا منها ، فبينما هو يصلى مبتهلا ، إذ نزل من السماء نور فدخل جوفه ، فعاد إليه الذى ذهب منه ، فنادى فى قومه يا قوم أتانى الله التوراة ، وردها علىَّ فعلقوا به يعلمهم ، ومكثوا ما شاء الله ، ثم نزل التابوت فعرضوا ما علمهم على ما فيه فوجدوه مثله ، فقالوا والله ما أوتى عزير هذا إلا لأنه ابن الله . وقال السدى فى رواية عمار ، وابن أبى عمار ظهرت العمالقة على اليهود وقتلوهم ، وأخذوا التوراة ، وهرب علماؤهم الذين بقوا ، ودفنوا كتب التوراة فى الجبال وغيرها ، ولحق عزير بالجبال والوحوش ، يتعبد فى رءوس الجبال ، ولا يخالط الناس ، ولا ينزل إلا يوم عيد ، وجعل يقول يا رب تركت بنى إسرائيل بغير عالم ، وجعل يبكى حتى سقطت أشفار عينيه ، وبقى زمانا طويلا ، فنزل مرة إلى العبد ، فمر بامرأة على قبر تبكى وتقول يا مطعمى ، ويا كاسنى ، فقال لها اتقى الله واصبرى ، أما علمت أن الموت سبيل الناس ، ثم قال لها من يطعمك ويكسوك قبل هذا الرجل ؟ يعنى زوجها الذى هى تندبه ، قالت الله ، قال فإن الله تعالى حى لا يموت ، قالت يا عزير لست بامرأة ولكنى الدنيا ، ثم قالت يا عزير فمن كان يعلم الناس الأوائل قبل العلماء ؟ قال الله ، قالت فلم تبكى عليهم ، وقد علمت أن الله حى لا يموت ، وأن الموت حق ؟ فعلم انه مخصوم ، وقالت له سينبع لك فى مصلاك عين ، وتنبت لك شجرة ، فكل من ثمرها وسيأتيك شيخ فما أعطاك فخذه . ولما أصبح نبع فى مصلاه عين ، ونبتت شجرة ففعل ما أمرته به ، فجاء شيخ فقال له افتح فاك ففتحه ، فالقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعا ثلاث مرات ، وقال له ادخل هذه العين ، فدخلها ، فجعل لا يرفع قدما إلا زيد فى علمه ، ورجع إلى قومه وهو أعلم الناس بالتوراة ، فقال يا بنى إسرائيل قد جئتكم بالتوراة ، فقالوا يا عزير ما كنت كذابا ، فربط على كل أصبع من أصابعه قلما ، وكتب بأصابعه كلها ، حتى كتب التوراة كلها عن ظهر قلبه ، ولما رجع العلماء استخرجوا كتبهم التى دفنوا ، فعارضوها بتوراة عزير ، فوجدوها مثلها ، فقالوا ما أعطاه الله هذا إلا أنه ابنه . وقال الكلبى ان بخت نصر ظهر على بنى إسرائيل ، وهدم بيت المقدس ، وقتل المقر بالتوراة وقارئها ، ولم يقتل عزيرا لأنه غلام صغير ولم يدر أنه قرأها ، ولما تمت مائة سنة ، ورجعت بنو إسرائيل إلى بيت المقدس ، وليس معهم من يقرأ التوراة ، بعثه الله عز وجل ليجدد لهم التوراة ، ويكون لهم آية ، فأتاهم بعد ما أماته الله مائة عام ، وقد أتاه الله الملك ، وأعطاه إناء فشربه ، فكانت التوراة فى قلبه ، فقال لهم أنا عزير فكذبوه ، وقالوا إن كنت عزيرا كما تزعم فأمْلِ علينا التوراة فكتبها ، ثم إن رجلا منهم قال حدثنى أبى ، عن جدى أن التوراة فى خابئة دفنت فى كوم كذا فانطلقوا معه حتى احتفرها ، وأخرج التوراة فعارضوها بما كتب عزير فلم يجدوه غادر منها آية ولا حرفا فعجبوا وقالوا إن الله لم يقذف التوراة فى قلبه بعد ذهابها منا إلا لأنه ابنه . وروى أنهم قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام ، فرفع الله التوراة ومحاها من صدورهم ، فخرج عزير وهو غلام يسبح فى الأرض ، فأتاه جبريل فقال له إلى أين تذهب ؟ فقال أطلب العلم ، فعلمه التوراة وأملاها عليهم عن ظهر لسانه ، لا يخرم حرفا ، فقالوا ما جمع الله التوراة فى صدره وهو غلام إلا أنه ابنه . { وقالَتِ النَّصارَى المسِيحُ ابنُ اللهِ } مبتدأ وخبر ، وقيل المسيح مبتدأ محذوف الخبر وبالعكس ، وابن تابع ، وفى ذلك ما مر ، وقائل ذلك بعض النصارى ، وقال أبو المعالى أطبقت النصارى على أن المسيح إله وابن الإله ، وإنما قالوا ذلك لاستحالة أن يكون الولد بلا أب عندهم ، أو لأنه يُبرىء الأكمه والأبرص ، ويحيى الموتى . وقيل كانت النصارى على دين المسيح عليه السلام ثمانين سنة ، وكان بين النصارى واليهود حرب ، وقتل بولس وهو من شجعان اليهود جماعة من أصحاب عيسى ، ثم قال لليهود إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا ، فسأحتال حتى يدخل النصارى معنا النار ، فعرقب فرسه الذى يجاهد عليه ، وأظهر التوبة ، ووضع التراب على رأسه ، ثم أتى إلى النصارى فقالوا من أنت ؟ قال أنا عدوكم بولس نوديت من السماء أنه لا توبة لك حتى تنتصر ، فأدخلوه البيعة ونصروه ، وقعد فى بيت فيها سنة حتى تعلم الإنجيل ، ثم خرج وقال قد نوديت أن الله قد قبل توبتى فصدقوه ، وعلا شأنه فيهم ، وأحبوه ، فعلَّم رجلا اسمه نسطور أن عيسى ومريم والله آلهة ثلاثة ، وعلم رجلا اسمه يعقوب أن عيسى ليس إنسانا ابن الله ، وعلم ثالثا اسمه ملكان أن عيسى هو الله ، لم يزل ولا يزال ، ولما تمكن ذلك فيهم دعى كلا منهم فى الخلوة ، وقال له أنت خالصتى ، وادع الناس لما علمتك ، وأمره أن يذهب إلى ناحية من البلاد ، وقال لهم إنى رأيت عيسى فى المنام ، وقد رضى عنى ، وسأذبح نفسى تقربا إليه ، ثم ذبح نفسه فى مذبح البلدة ، فذهب واحد إلى الروم ، وواحد إلى بيت المقدس ، وواحد إلى ناحية أخرى فدعا كل إلى مقالته ، فاتبعهم طوائف فتفرقوا واختلفوا ، ووقع القتال فكان ذلك سبب قولهم المسيح ابن الله . ويقال إن بعضهم يعتقد النبوة فى ذلك بنوة حنو ورحمة ، وكذلك قيل فى قول اليهود عزير ابن الله ، كما قالوا نحن أبناء الله ، وعلى كل حال فقد أشركوا بذلك ، لأن هذه الكلمة ولو لم تعتقد فى القلب على حقيقتها ، لكنها توهم الولادة ، فكانت كلمة شرك ، وقد غلطها الفخر إذ قال الأقرب أن يقال لعله ، ورد لفظ الابن فى الإنجيل على التشريف ، ففسروه بالنبوة الحقيقية ا هـ . ونقول تعالى الله أن ينزل ذلك اللفظ لا على التشريف ولا على الحقيقية ، والذى حفظته ما ذكره حماد قال أنفقت على الحديث أربعة آلاف ، فليتنى أنفقتها على الأدب ، فإن النصارى صحفوا حرفا فكفروا ، أوحى الله إلى عيسى عليه السلام أنا ولَّدتك بتشديد اللام ، وأنت نبيى بتقديم النون ، فخففوا اللام وقدموا الباء وضموها . { ذَلكَ قَوْلهم بأفْواهِهِم } ذكر الأفواه مع أن القول إنما يكون بالفم لا بغيره تأكيدا لنسبة القول إليهم ، ونفيا للتجوز فيها ، أو إشعارا بأنه قول من مجرد الفم لم يعتقدوه فى القلوب ، ولم يكن معناه واقعا ، فهو كاللفظ المهمل ، أو إشعارا بأنه لا برهان عليه ، وأنه دعوى محضة ، ولا شبهة فيها ، وهم معترفون بأنه لا صاحبة له فلا شبهة فى انتفاء الولد . { يُضاهِئُونَ } أى يضاهى قولهم بحذف المضاف ، والمضاهاة المشابهة ، وفى المشابهة موافقة ومواطأة ، ولذلك فسرها الحسن بالموافقة ، ومجاهد بالمواطأة ، وقرأ عاصم ، وطلحة بن مصرف يضاهئون بالهمز وهو لغة ثقيف ، قال أبو على الفارسى من قال إن هذا من قولهم امرأة ضهياء بالمد ، وهى التى لا تحيض ، وقيل التى لا ثدى لها ، سميت بذلك لشبهها بالرجل ، فقوله خطأ لأن الهمزة فى ضاهاء أصل ، وفى ضهياء زائد كحمراء ، ولذلك الألف المتصل بها قبلها ، وأما الضاد والهاء والياء فأصول ، وقال القاضى منه امرأة ضهياء بهمزة متصلة بالياء لم تفصل بينهما ألف بوزن فعيل بإسكان العين وفتح الباء ، بعده على أن الباء زائدة والهمزة أصل . { قَولَ الَّذينَ كَفرُوا مِنْ قَبلُ } من قبلهم ، وهم الذين قالوا قبلهم عزير ابن الله ، والذى قالوا قبلهم المسيح ابن الله ، أو العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله ، وذلك على أن القائلين فى زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو على أنهم قبله ، واعتبر من قال ذلك قبلهم ، أو أن العرب قالوا الملائكة بنات الله قبل قول بنى إسرائيل الذين قبل زمانه ذلك ، والواو فى يضاهئون لليهود والنصارى ، وإن رجعته إلى النصارى فالذين كفروا من قبل اليهود فى قولهم عزير ابن الله ، أو العرب القائلون ما مر ، أو قطعة من النصارى سابقة . { قاتَلَهم اللهُ } جاء على طريق الدعاء بهلاكهم ، فإن من قاتله الله هلك وكان بعيدا عن الرحمة ، ولذا فسره ابن عباس باللعن ، وقيل ذلك تعجيب للناس من بشاعة قولهم ، فإن العرب تقول لمن فعل عجيبا قاتله الله ، ولا تريد إهلاكا بل تعجيبا وليس ذلك من المفاعلة التى على بابها ، لما علمت من استعمال ذلك على طريق الدعاء أو فى التعجيب . { أنَّى } كيف أو من أين { يُؤفَكُون } يصرفون عن الحق بعد إيضاحه ، وقال أبو عبيدة يحرمون الخير ، والأصل أنى توجهوا ، وأنى ذهبوا ، ويدل ذلك بفعل سوء كأنه قيل أنى تقلبون على وجوههم .