Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 3-3)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وأذانٌ مِنَ اللهِ ورسُولِهِ } أى إعلام منهما ، وهو اسم مصدر آذن كآمن أمانا ، وأعطى عطاء ، والمصدر أذان وإيمان وإعطاء ، ومن ذلك الأذان للصلاة ، فإنه إعلام بوقتها ، والجار والمجرور نعت لأذان ، الأصل أذان ثابت من الله ورسوله ، أو النعت كون خاص ، أى منهما . { إلى النَّاسِ } كلهم ، وإعراب ذلك كإعراب { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } ولا وجه لقول بعضهم إنه معطوف على براءة ، إلا إن أراد عطفه وما بعده على براءة وما بعده ، وهذه الجملة إخبار بوجوب الإعلام بما يثبت ، وتلك أخبار بثبوت البراءة ، والبراءة مختصة بالمعاهدين ، معلقة بهم ، والأذان عام فعلق بالناس . { يَومَ الحجِّ الأكْبرِ } متعلق بأذان ، ولو وصف لبقاء رائحة الفعل فيه ، وهى عاملة فى الظروف ، وقيل لا يجوز عمل المصدر واسمه إذا وصفا لزوال قوة الفعل ، وأجيز تعليقه بأذن أو أخزى محذوفا ، وقيل متعلق لمخزى وهو بعيد ، ووجه تعليقه بأذان ، أو بأذن مع أن الآيات نزلت قبل ذلك أن إعلام الناس بها كان يوم الحج الأكبر وهو يوم عيد الأضحى عند عبد الله بن أبى أوفى ، والمغيرة بن شعبة ، والشعبى ، والنخعى ، وابن جبير ، والسدى ، " قال علىّ " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر قال " يوم النحر " . وعن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فى الحجة التى حج فيها فقال " أى يوم هذا ؟ " فقال يوم النحر ، فقال " هذا يوم الحج الأكبر " " وبذلك قال أبو هريرة ، وقال على فى رواية ، وابن عباس ، وعكرمة ، وعمرو ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وابن المسيب يوم عرفة وأن فيه وقوع أول الأذان ، والصحيح الأول لما روى ، وقد مر ، وفى الأضحى كمل الأذان ، واحتج بعض على أنه عيد الأضحى بأن من فاته الوقوف يوم عرفة يجزيه الوقوف ليلة النحر ، وهو احتجاج باطل . وعن منذر بن سعيد كان الناس يوم عرفة مفترقين إذا كانت قريش تقف بالمزدلفة ، وكان الجميع يوم النحر وهو يوم الأضحى بمعنى ، فيوم الحج الأصغر يوم عرفة لافتراقهم ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر لاجتماعهم ، ولكن قريشا ومن تبعها وقفوا بالمزدلفة فى حجة أبى بكر هذه . وقال مجاهد ، وسفيان الثورى يوم الحج الأكبر أيام منى ، فاليوم بمعنى الزمان ، كما يقال يوم صفين ، ويوم الجمل ، مع بقاء القتال أياما ، ورجحه بعضهم بما مر أذان على يوم عرفة ويوم النحر وبعده ، ونسب لسفيان بن عيينة . وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل ، وابن سيرين ، والحسن البصرى هو يوم حجة الوداع فقط ، فلم يكن قبل ، ولن يكن بعد ، لأنه اجتمع فيه حج المسلمين ، وعيد اليهود ، وعيد النصارى ، وعيد المشركين أخزاهم الله ، ولم يجتمع ذلك قبل ، ولا يجتمع بعد ، وضعف بأنه لا يصفه الله لهذا بأنه أكبر ، وأجيب بأن المراد بوصفه بذلك أنه كثر معظموه ، واتفق الناس على تعظيمه مسلمهم وكافرهم ، والصحيح كما مر أنه عيد النحر مطلقا ، ووصف بذلك لأن فيه تمام الحج ، ومعظم أفعاله ، ولأن الإعلام كان فيه . ومن قال يوم حجة الوداع ، فالأولى له فى تقليل وصفه أن يقول وصفه لأن فيه حجة الوداع ، ولأنه يوم الجمعة ، وودع الناس فيه ، وخطبهم وعلمهم المناسك ، وذكر فى خطبته استدارة الزمان ، وأبطل أحكام الجاهلية ، وقد أبطلها يوم الفتح أيضا . وقيل يوم الحج الأكبر ذلك اليوم الذى حج فيه أبو بكر ، ونبذت فيه العهود ، وعز فيه الإسلام ، ولذا وصف بأنه أكبر ، وهو رواية عن الحسن البصرى ، وقيل إن يوم الحج الأكبر يوم النحر ، والحج الأصغر العمرة ، وبه قال عطاء ، وقال الشعبى الحج الأكبر الحج ، والأصغر العمرة فى رمضان ، وقال مجاهد الأكبر القران بين الحج والعمرة ، والأصغر الإفراد ، وإنما يكون هذا مقبولا يدخل به فى الآية إن أريد به حج أبى بكر إن كان قارئا ، أو يوم حجة الوداع إن كانت بالقران ، وقد يقال المراد يوم النحر مطلقا ووصفه بالأكبر مدح لا تحرز عن كبير أو صغير . { أنَّ الله برىءٌ منَ المشْركينَ } فتحت همزة أن لأن الأذان بمعنى الإعلام ، أو لتقدير الباء ، أى بأن الله ، كسرت فى قراءة الحسن والأعرج ، لأن الأذان فيه معنى القول { ورسُولُهُ } بالرفع عطفا على الضمير المستتر فى برىء ، لوجود الفصل ، أو بالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف أى ورسوله برىء منهم ، أو ورسوله كذلك ، وزعم بعض الكوفيين أنه معطوف على أصل اسم أن فإنه فى الأصل مرفوع ، وأن رفعه منوى ، ولو تغير لفظه بأن المفتوحة الهمزة ، أو المكسورة الهمزة فى الآية ، وعليه فإنما أفرد الخبر لأنه بوزن فعيل بمعنى فاعل ، وما كان كذلك يجوز إفراده مع غير الواحد . قالوا وهو مرفوع عطفا على محل أن واسمها ، فإنهما مبتدأ عند جماعة ، وهذا فى قراءة الكسر ، وقيل بهذا فى إن بالكسر وأخواتها ، وقرأ ابن إسحاق ، وعيسى بن عمر بالنصب عطفا على اسم أن ، وأفرد الخبر لما مر ، أو يقدر خبر معطوف على خبر أن بمنزلة قولك إن زيدا قائم وعمرا قائم ، أو النصب على المعية ، فناصبه برىء . وحكى جار الله أن بعضا قرأ ورسوله بالجر على الجوار ، والذى يختاره ابن هشام أن الجر على الجوار ممنوع فى العطف لفصل العاطف ، وقيل الجر على القسم فهو كقولهم إن فرعون وهامان وقارون والنمرود والنبيين جميعا لفى سقر ، بأن الواو الداخلة على لفظ اليمين للقسم . وقال محمد بن قاسم ، وأبو بكر الأنبارى فى أماليه ، وأبو القاسم ابن عساكر فى تاريخ دمشق ، عن ابن أبى مليكة أن أعرابيا قدم إلى المدينة فى زمان عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال من يقرئنى مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فأقرأه رجل { براءة من الله ورسوله } وقال أن الله برىء من المشركين ورسوله بالجر ، فقال الأعرابي أو قد برىء الله من رسوله ، إن يكن الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه . فبلغ عمر مقالة الأعرابى فدعاه فقال يا أعرابى أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال يا أمير المؤمنين ، إنى قدمت المدينة ولا علم لى بالقرآن فسألت من يقرئنى فأقرأنى هذا سورة براءة فقال إن الله برىء من المشركين ورسولِهِ ، فقلت أو قد برىء الله من رسوله ، إن يكن الله برىء منه فأنا منه برىء ، فقال عمر ليس هكذا يا أعرابى قال ، فكيف هى يا أمير المؤمنين ؟ فقال { أن الله برىء من المشركين ورسولُهُ } فقال الأعرابى وأنا والله أبرأ ممن برىء الله ورسوله منه ، فأمر عمر بن الخطاب أن لا يقرأ القرآن إلا على عالم باللغة ، وأمر أبا الأسود فوضع علم النحو . وأخرج ابن الأنبارى فى أماليه ، من طريق محمد بن خالد المهلبى ، عن أبيه قال سمع أبو الأسود رجلا يقرأ أن الله برىء من المشركين ورسوله بالجر ، فقال لا أظننى يسعنى إلا أن أضع شيئا أصلح به لحن هذا ، وأخرج من طريق العتبى أن معاوية كتب إلى زيادة يطلب عبيد الله ابنه ، فلما قدم عليه كلمه فوجده يلحن ، فرده إلى زياد وكتب إليه يلومه ويقول أمثل عبيد الله يضيع ، فبعثه زيادة إلى أبى الأسود فقال له يا أبا الأسود إن هذه العجمة قد كثرت وأفسدت من لسان العرب ، فلو وضعت شيئا يصلح به الناس ألسنتهم ، ويعرفون به كتاب الله ، فأبى ذلك أبو الأسود ، فوجه زياد رجلا وقال له اقعد فى طريق أبى الأسود ، فإذا مر بك فاقرأ شيئا من القرآن وتعمد اللحن ، فلما مر أبو الأسود رفع الرجل صوته يقرأ أن الله برىء من المشركين ورسوله بالجر ، فاستعظم ذلك أبو الأسود ، فقال عز وجه الله أن يتبرأ من رسوله ، ثم رجع من فوره إلى زياد وقال له أجبتك إلى ما سألت ، والبراءة الأولى إبطال للعهد ، وهذه نقيض الموالاة الجارية مجرى الزجر والوعد . { فإنْ تُبْتُم } عن الكفر والغدر { فَهو خَيرٌ لكُم } أى فالتوب خير لكم ، أو فالمتاب خير لكم ، وليس كما قيل إن مصدر تاب توبة دون توب ، وإنه لا يقال فى مصدره توب إلا فى الضرورة بحذف التاء للضرورة ، بل يقال فى السعة توبة وتوب ، ومتاب ومتابة ، قال الله سبحانه ، { وقابل التوب } { وإنْ تولَّيتُم } أعرضتم عن التوبة فلم تتوبوا ، أو عن الإسلام والوفاء به بعد التوبة { فاعْلَموا أنَّكم غَيرُ مُعْجزى اللهَ } غير فائتين عذابه وأخذه ، وهذا وعيد يقع عليهم فى الدنيا { وبشِّر الَّذينَ كَفرُوا بعَذابٍ أليمٍ } فى الآخرة ، ولفظ التبشير استهزاء بهم .