Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 15-15)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { مَن كَانَ } كان زائدة ، ولهذا جزم بالجواب فقال : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ } قاله الفراء . وقال الزجاج : { مَنْ كَانَ } في موضع جزم بالشرط ، وجوابه { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ } أي من يَكُنْ يريد والأول في اللفظ ماض والثاني مستقبل ، كما قال زهير : @ وَمَنْ هَاب أسباب المنيةِ يَلْقَها ولو رامَ أسبابَ السَّماءِ بسُلَّمِ @@ وٱختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقيل : نزلت في الكفار قاله الضحاك ، واختاره النحاس بدليل الآية التي بعدها { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فيِ الآخَرِةِ إِلاَّ النَّارُ } أي من أتى منهم بصلة رَحِم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا ، بصحة الجسم ، وكثرة الرزق ، لكن لا حسنة له في الآخرة . وقد تقدم هذا المعنى في « براءة » مستوفى . وقيل : المراد بالآية المؤمنون أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عُجل له الثواب ولم يُنقص شيئاً في الدنيا ، وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا ، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " فالعبد إنما يُعطى على وجه قصده ، وبحكم ضميره وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل مِلّة . وقيل : هو لأهل الرياء وفي الخبر " أنه يقال لأهل الرياء : صُمتم وصلّيتم وتصدّقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك ثم قال : إنّ هؤلاء أولُ من تُسْعَر بهم النار " . رواه أبو هريرة ، ثم بكى بكاء شديداً وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } وقرأ الآيتين ، خرّجه مسلم في صحيحه بمعناه والترمذيّ أيضاً . وقيل : الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى ، كان معه أصل إيمان أو لم يكن قاله مجاهد وميمون ابن مِهْران ، وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى . وقال ميمون بن مِهْران : ليس أحد يعمل حسنة إلا وُفّي ثوابها فإن كان مسلماً مخلصاً وُفّي في الدنيا والآخرة ، وإن كان كافراً وُفِّي في الدنيا . وقيل : من كان يريد الدنيا بغزوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وُفِّيَها ، أي وُفِّي أجر الغَزاة ولم يُنقص منها وهذا خصوص والصحيح العموم . الثانية : قال بعض العلماء : معنى هذه الآية قوله عليه السلام : " إنما الأعمال بالنيات " وتدلك هذه الآية على أن من صام في رمضان لا عن رمضان لا يقع عن رمضان ، وتدلّ على أن من توضأ للتبرّد والتنظف لا يقع قربة عن جهة الصلاة ، وهكذا كل ما كان في معناه . الثالثة : ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة وكذلك الآية التي في « الشورى » { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } [ الشورى : 42 ] الآية . وكذلك { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } [ آل عمران : 145 ] قيدها وفسرها التي في « سبحان » { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] إلى قوله : { مَحْظُورًا } فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد والله سبحانه يحكم ما يريد ، وروى الضّحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أنها منسوخة بقوله : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ } . والصحيح ما ذكرناه وأنه من باب الإِطلاق والتقييد ومثله قوله : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] فهذا ظاهره خبر عن إجابة كلّ داعٍ دائماً على كل حال ، وليس كذلك لقوله تعالى : { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } [ الأنعام : 41 ] . والنسخ في الأخبار لا يجوز لاستحالة تبدّل الواجبات العقلية ، ولاستحالة الكذب على الله تعالى فأما الأخبار عن الأحكام الشرعية فيجوز نسخها على خلاف فيه ، على ما هو مذكور في الأصول ويأتي في « النحل » بيانه إن شاء الله تعالى .