Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 32-35)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } أي خاصمتنا فأكثرت خصومتنا وبالغت فيها . والجَدَل في كلام العرب المبالغة في الخصومة مشتق من الجَدْل وهو شدّة الفَتْل ويقال للصقر أيضاً أَجْدَل لشدّته في الطّير وقد مضى هذا المعنى في « الأنعام » بأشبع من هذا . وقرأ ٱبن عباس « فَأَكْثَرْتَ جَدَلَنَا » ذكره النحاس . والجَدَل في الدين محمود ولهذا جادل نوح والأنبياء قومهم حتى يظهر الحق ، فمن قَبِله أنجح وأفلح ، ومن ردّه خاب وخَسِر . وأما الجِدال لغير الحقّ حتى يظهر الباطل في صورة الحقّ فمذموم ، وصاحبه في الدّارين ملوم . { فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ } أي من العذاب . { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } في قولك . قوله تعالى : { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ } أي إن أراد إهلاككم عذّبكم . { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي بفائتين . وقيل : بغالبين بكثرتكم ، لأنهم أعجبوا بذلك كانوا مَلَؤوا الأرض سهلاً وجبلاً على ما يأتي . قوله تعالى : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ } إي إبلاغي واجتهادي في إيمانكم . { إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } أي لأنكم لا تقبلون نصحاً وقد تقدّم في « براءة » معنى النصح لغة . { إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } أي يضلّكم . وهذا مما يدلّ على بطلان مذهب المعتزلة والقَدَرية ومن وافقهما إذ زعموا أن الله تعالى لا يريد أن يَعصي العاصي ، ولا يَكفر الكافر ، ولا يَغوي الغاوي وأنه يفعل ذلك ، والله لا يريد ذلك فردّ الله عليهم بقوله : { إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } . وقد مضى هذا المعنى في « الفاتحة » وغيرها . وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس على ما بيّنّاه في « الأعراف » في إغواء الله تعالى إيّاه حيث قال : { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } [ الأعراف : 16 ] ولا محيص لهم عن قول نوح عليه السلام : { إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } فأضاف إغواءهم إلى الله سبحانه وتعالى إذ هو الهادي والمضل سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون عُلُوًّا كبيراً . وقيل : { أَنْ يُغْوِيَكُمْ } يهلككم لأن الإضلال يُفضي إلى الهلاك . الطَّبريّ : { يُغْوِيَكُمْ } يهلككم بعذابه حكي عن طيء : أصبح فلان غاوياً أي مريضاً ، وأغويته أهلكته ومنه { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } { هُوَ رَبُّكُمْ } فإليه الإغواء ، وإليه الهداية . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تهديد ووعيد . قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } يعنون النبي صلى الله عليه وسلم . ٱفترى ٱفتعل أي اختلق القرآن من قِبل نفسه ، وما أخبر به عن نوح وقومه قاله مقاتل . وقال ابن عباس : هو من محاورة نوح لقومه وهو أظهر لأنه ليس قبله ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه فالخطاب منهم ولهم . { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ } أي اختلقته وافتعلته ، يعني الوحي والرسالة . { فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } أي عقاب إجرامي ، وإن كنت مُحقاً فيما أقوله فعليكم عقاب تكذيبي . والإجرام مصدر أجرم وهو اقتراف السَّيئة . وقيل المعنى : أي جزاء جُرْمي وكَسْبي . وجَرَم وأَجْرَم بمعنى عن النحاس وغيره . قال : @ طَريدُ عَشيرةٍ ورَهينُ جُرْمٍ بما جَرَمَتْ يَدِي وجَنَى لِسَانِي @@ ومن قرأ « أَجْرَامِي » بفتح الهمزة ذهب إلى أنه جمع جُرْم وذكره النحاس أيضاً . { وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ } أي من الكفر والتكذيب .