Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 38-40)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ } أي وطفق يصنع . قال زيد بن أسلم : مكث نوح صلى الله عليه وسلم مائة سنة يَغرس الشّجر ويقطعها وييبسها ، ومائة سنة يعملها . وروى ابن القاسم عن ابن أشرس عن مالك قال : بلغني أن قوم نوح مَلَؤوا الأرض ، حتى مَلَؤوا السّهل والجبل ، فما يستطيع هؤلاء أن ينزلوا إلى هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يصعدوا إلى هؤلاء فمكث نوح يَغرس الشجر مائة عام لعمل السّفينة ، ثم جمعها ييبسها مائة عام ، وقومه يسخرون وذلك لما رأوه يصنع من ذلك حتى كان من قضاء الله فيهم ما كان . وروي عن عمرو بن الحارث قال : عمل نوح سفينته ببقاع دمشق ، وقطع خشبها من جبل لبنان . وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ : لما استنقذ الله سبحانه وتعالى مَن في الأصلاب والأرحام من المؤمنين أوحى الله إليه . { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فٱصنع الفلك } قال : يا رب ما أنا بنجّار ، قال : « بلى فإن ذلك بعيني » فأخذ القدوم فجعله بيده ، وجعلت يده لا تُخطىء ، فجعلوا يمرّون به ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبيّ صار نجّاراً فعملها في أربعين سنة . وحكى الثّعلبيّ وأبو نصر القُشَيريّ عن ابن عباس قال : ٱتخذ نوح السفينة في سنتين . زاد الثّعلبيّ : وذلك لأنه لم يعلم كيف صنعة الفلك ، فأوحى الله إليه أن ٱصنعها كجُؤْجُؤ الطائر . وقال كعب : بناها في ثلاثين سنة ، والله أعلم . المهدويّ : وجاء في الخبر أن الملائكة كانت تعلّمه كيف يصنعها . وٱختلفوا في طولها وعرضها فعن ابن عباس رضي الله عنهما كان طولها ثلثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ، وسمكها ثلاثون ذراعاً وكانت من خشب السّاج ، وكذا قال الكَلْبيّ وقَتَادة وعِكْرمة كان طولها ثلثمائة ذراع ، والذّراع إلى المَنْكِب . قاله سلمان الفارسيّ . وقال الحسن البصريّ : إن طول السّفينة ألف ذراع ومائتا ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . وحكاه الثّعلبيّ في كتاب العرائس . وروى عليّ بن زيد عن يوسف بن مِهران عن ابن عباس قال قال الحواريون لعيسى عليه السلام : لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة يحدّثنا عنها ، فٱنطلق بهم حتى انتهى إلى كَثِيب من تراب فأخذ كفًّا من ذلك التراب ، قال أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا كعب حام بن نوح قال فضرب الكثيب بعصاه وقال : قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب من رأسه ، وقد شاب فقال له عيسى : أهكذا هلكت ؟ قال : لا بل متُّ وأنا شابّ ، ولكنني ظننت أنها الساعة فمن ثَمَّ شِبت . قال : أخبرنا عن سفينة نوح ؟ قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، طبقة فيها الدوابّ والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطّير . وذكر باقي الخبر على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى . وقال الكَلْبيّ فيما حكاه النقاش : ودخل الماء فيها أربعة أذرع ، وكان لها ثلاثة أبواب باب فيه السبّاع والطير ، وباب فيه الوحش ، وباب فيه الرجال والنساء . ٱبن عباس جعلها ثلاث بطون البطن الأسفل للوحوش والسباع والدواب ، والأوسط للطعام والشراب ، وركب هو في البطن الأعلى ، وحمل معه جسد آدم عليه السلام معترضاً بين الرجال والنساء ، ثم دفنه بعدُ ببيت المقدس وكان إبليس معهم في الكَوْثَل . وقيل : جاءت الحيّة والعقرب لدخول السفينة فقال نوح : لا أحملكما لأنكما سبب الضرر والبلاء ، فقالتا : احملنا فنحن نضمن لك ألا نضرّ أحداً ذَكَرك فمن قرأ حين يخاف مَضَرَّتهما { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 79 ] لم تضرّاه ذكره القشيريّ وغيره . وذكر الحافظ ابن عساكر في التاريخ له مرفوعاً من حديث أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يمسي صلى الله على نوح وعلى نوح السلام لم تلدغه عقرب تلك الليلة " قوله تعالى : { وَكُلَّمَا } ظرف . { مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ } . قال الأخفش والكِسائي يقال : سَخرتُ به ومنه . وفي سخريتهم منه قولان : أحدهما أنهم كانوا يرونه يبني سفينته في البر ، فيسخرون به ويستهزئون ويقولون : يا نوح صرت بعد النبوّة نجاراً . الثاني لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا : يا نوح ما تصنع ؟ قال : أبني بيتاً يمشي على الماء فعجبوا من قوله وسخروا منه . قال ٱبن عباس : ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر فلذلك سخروا منه ومياه البحار هي بقية الطوفان . { قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا } أي من فعلنا اليوم عند بناء السفينة . { فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } غداً عند الغرق . والمراد بالسخرية هنا الاستجهال ومعناه إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلونا . قوله تعالى : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } تهديد ، و { مَنْ } متصلة بـ { ـسَوْفَ تَعْلَمُونَ } و { تعلمون } هنا من باب التعدية إِلى مفعول أي فسوف تعلمون الذي يأتيه العذاب . ويجوز أن تكون { مَن } استفهامية أي أيّنا يأتيه العذاب ؟ . وقيل : { مَن } في موضع رفع بالابتداء و { يَأْتِيهِ } الخبر ، و { يُخْزِيهِ } صفة لـ { ـعذاب } . وحكى الكسائي : أن أناساً من أهل الحجاز يقولون : سو تعلمون وقال من قال : « ستعلمون » أسقط الواو والفاء جميعاً . وحكى الكوفيون : سفْ تعلمون ولا يعرف البصريون إلا سوف تفعل ، وستفعل لغتان ليست إحداهما من الأخرى { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ } أي يجب عليه وينزل به . { عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائم ، يريد عذاب الآخرة . قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } اختلف في التنور على أقوال سبعة : الأول أنه وجه الأرض ، والعرب تسمي وجه الأرض تنوراً قاله ابن عباس وعِكرمة والزّهري وابن عيينة وذلك أنه قيل له : إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك . الثاني أنه تنور الخبز الذي يخبز فيه وكان تنوراً من حجارة وكان لحوّاء حتى صار لنوح فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك . وأنبع الله الماء من التنور ، فعلمت به ٱمرأته فقالت : يا نوح فار الماء من التنور فقال : جاء وعد ربي حقاً . هذا قول الحسن وقاله مجاهد وعطية عن ابن عباس . الثالث أنه موضع اجتماع الماء في السفينة عن الحسن أيضاً . الرابع أنه طلوع الفجر ، ونور الصبح من قولهم : نوّر الفجر تنويراً قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه . الخامس أنه مسجد الكوفة قاله عليّ بن أبي طالب أيضاً وقاله مجاهد . قال مجاهد : كان ناحية التنور بالكوفة . وقال : اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة ، وكان التنور على يمين الدّاخل مما يلي كندة . وكان فوران الماء منه علماً لنوح ، ودليلاً على هلاك قومه . قال الشاعر وهو أمية : @ فار تنّورُهم وجاشَ بماءٍ صار فوق الجبالِ حتّى عَلاها @@ السادس : أنه أعالي الأرض ، والمواضع المرتفعة منها قاله قتادة . السابع : أنه العين التي بالجزيرة « عين الوردة » رواه عِكرمة . وقال مقاتل : كان ذلك تنور آدم ، وإنما كان بالشام بموضع يقال له : « عين وَرْدَة » وقال ابن عباس أيضاً : فار تنور آدم بالهند . قال النحاس : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن الله عز وجل أخبرنا أن الماء جاء من السماء والأرض قال : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [ القمر : 11 ] . فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة . والفَوَران الغَلَيان . والتنور ٱسم أعجميّ عربته العرب ، وهو على بناء فَعّل لأنّ أصل بنائه تَنّر ، وليس في كلام العرب نون قبل راء . وقيل : معنى « فَارَ التَّنُّورُ » التمثيل لحضور العذاب كقولهم : حمِي الوطيس إذا ٱشتدت الحرب . والوطيس التنور . ويقال : فارت قِدر القوم إذا اشتد حربهم قال شاعرهم : @ تركتم قِدْرَكم لا شيء فيها وقِدْرُ القوم حاميةٌ تَفُورُ @@ قوله تعالى : { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } يعني ذكراً وأنثى لبقاء أصل النسل بعد الطوفان . وقرأ حفص : « مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ » بتنوين « كل » أي من كل شيء زوجين . والقراءتان ترجعان إلى معنًى واحدٍ : شيء معه آخر لا يستغنى عنه . ويقال للاثنين : هما زوجان ، في كل ٱثنين لا يَستغني أحدهما عن صاحبه فإن العرب تسمي كل واحد منهما زوجاً . يقال : له زوجا نعلٍ إذا كان له نعلان . وكذلك عنده زوجا حمامٍ ، وعليه زوجا قيود قال الله تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ النجم : 45 ] . ويقال للمرأة هي زوج الرجل ، وللرجل هو زوجها . وقد يقال للاثنين هما زوج ، وقد يكون الزوجان بمعنى الضربين ، والصنفين ، وكل ضرب يدعى زوجاً قال الله تعالى : { وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ الحج : 5 ] أي من كلِّ لون وصنف . وقال الأعشى : @ وكل زوجٍ من الدّيباجِ يَلبَسه أبو قُدامة محبوٌّ بذاك مَعَا @@ أراد كل ضرب ولون . و { مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ } في موضع نصب بـ { ٱحمل } . { ٱثنين } تأكيد . { وَأَهْلَكَ } أي وٱحمل أهلك . { إِلاَّ مَن سَبَقَ } . « مَن » في موضع نصب بالاستثناء . { عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } منهم أي بالهلاك وهو ٱبنه كنعان وٱمرأته وَاعِلَة كانا كافرين . { وَمَنْ آمَنَ } قال الضحاك وٱبن جريج : أي ٱحمل من آمن بي ، أي من صدّقك فـ « من » في موضع نصب بـ { ـاحمل } . { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } قال ٱبن عباس رضي الله عنهما : آمن مِن قومه ثمانون إنساناً ، منهم ثلاثة من بنيه سام وحام ويافث ، وثلاث كنائِن له . ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية وهي اليوم تدعى قرية الثمانين بناحية الموصل . وورد في الخبر أنه كان في السفينة ثمانية أنفس نوح وزوجته غير التي عوقبت ، وبنوه الثلاثة وزوجاتهم وهو قول قتادة والحكم بن عتيبة وابن جريج ومحمد بن كعب فأصاب حام ٱمرأته في السفينة ، فدعا نوح الله أن يغير نطفته فجاء بالسودان . قال عطاء : ودعا نوح على حام ألا يعدو شعر أولاده آذانهم ، وأنهم حيثما كان ولده يكونون عبيداً لولد سام ويافث . وقال الأعمش : كانوا سبعة نوح وثلاث كنائن وثلاثة بنين وأسقط امرأة نوح . وقال ٱبن إسحق : كانوا عشرة سوى نسائهم نوح وبنوه سام وحام ويافث ، وستة أناس ممن كان آمن به ، وأزواجهم جميعاً . و { قَلِيلٌ } رفع بآمن ، ولا يجوز نصبه على الاستثناء لأن الكلام قبله لم يتم ، إلا أن الفائدة في دخول « إلا » و « ما » لأنك لو قلت : آمن معه فلان وفلان جاز أن يكون غيرهم قد آمن فإذا جئت بما وإلا ، أوجبت لما بعد إلا ونفيت عن غيرهم .