Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } « ما » نفي و « مِنْ » زائدة و { دَابَّةٍ } في موضع رفع التقدير : وما دابة . { إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } « على » بمعنى « مِن » ، أي من الله رزقها يدلّ عليه قول مجاهد : كل ما جاءها من رزق فمن الله . وقيل : { على الله } أي فضلاً لا وجوباً . وقيل : وعداً منه حقاً . وقد تقدّم بيان هذا المعنى في « النساء » وأنه سبحانه لا يجب عليه شيء . { رِزْقُهَا } رفع بالابتداء ، وعند الكوفيين بالصفة وظاهر الآية العموم ومعناها الخصوص لأن كثيراً من الدواب هلك قبل أن يُرزق . وقيل : هي عامة في كل دابة : وكل دابة لم ترزق رزقاً تعيش به فقد رُزقت رُوحها ووجه النظم بما قبلُ : أنه سبحانه أخبر برزق الجميع ، وأنه لا يَغفُل عن تربيته ، فكيف تَخفى عليه أحوالكم يا معشر الكفار وهو يرزقكم ؟ ٰ والدّابة كل حيوان يَدِبُّ . والرزق حقيقته ما يتغذّى به الحيّ ، ويكون فيه بقاء رُوحه ونماء جسده . ولا يجوز أن يكون الرزق بمعنى الملك لأن البهائم تُرزق وليس يصح وصفها بأنها مالكة لعَلَفها وهكذا الأطفال تُرزق اللّبن ولا يقال : إن اللّبن الذي في الثّدي ملك للطفل . وقال تعالى : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } [ الذاريات : 22 ] وليس لنا في السماء ملك ولأن الرزق لو كان ملكاً لكان إذا أكل الإنسان من ملك غيره أن يكون قد أكل من رزق غيره ، وذلك محال لأن العبد لا يأكل إلا رزق نفسه . وقد تقدّم في « البقرة » هذا المعنى والحمد لله . وقيل لبعضهم : من أين تأكل ؟ فقال : الذي خلق الرّحى يأتيها بالطّحين ، والذي شدق الأشداق هو خالق الأرزاق . وقيل لأبي أسيد : من أين تأكل ؟ فقال : سبحان الله والله أكبر إن الله يرزق الكلب أفلا يرزق أبا أسيد . وقيل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال : من عند الله فقيل له : الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء ؟ فقال : كأن ما له إلا السماء يا هذا الأرضُ له والسماءُ له فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض وأنشد : @ وكيف أخافُ الفقرَ والَّلهُ رازقي ورازق هذا الخلق في العُسْرِ واليُسْرِ تَكَفَّلَ بالأرزاقِ للخلقِ كُلِّهمْ وللضَّبِّ في البيداءِ والحُوتِ في البحرِ @@ وذكر التِّرمذيّ الحكيم في « نوادر الأصول » بإسناده عن زيد بن أسلم : " أن الأشعريين أبا موسى وأبا مالك وأبا عامر في نفر منهم ، لما هاجروا وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وقد أَرْمَلوا من الزاد ، فأرسلوا رجلاً منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله ، فلما ٱنتهى إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعه يقرأ هذه الآية { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } فقال الرجل : ما الأشعريّون بأهون الدواب على الله فرجع ولم يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه : أبشروا أتاكم الغوث ، ولا يظنون إلا أنه قد كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعده فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجلان يحملان قصعة بينهما مملوءة خبزاً ولحماً فأكلوا منها ما شاؤوا ، ثم قال بعضهم لبعض : لو أنا رددنا هذا الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي به حاجته فقالوا للرجلين : ٱذهبا بهذا الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا قد قضينا منه حاجتنا ، ثم إنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ما رأينا طعاماً أكثر ولا أطيب من طعام أرسلت به قال : « ما أرسلت إليكم طعاماً » فأخبروه أنهم أرسلوا صاحبهم ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ما صنع ، وما قال لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ذلك شيء رزقكموه الله " . قوله تعالى : { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } أي من الأرض حيث تأوي إليه . { وَمُسْتَوْدَعَهَا } أي الموضع الذي تموت فيه فتدفن قاله مِقْسَم عن ٱبن عباس رضي الله عنهما . وقال الربيع بن أنس : { مُستَقَرَّهَا } أيام حياتها . { وَمُسْتَوْدَعَهَا } حيث تموت وحيث تبعث . وقال سعيد بن جُبير عن ٱبن عباس : { مُسْتَقرَّهَا } في الرّحِم ، { وَمُسْتَودَعَهَا } في الصلب . وقيل : { يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } في الجنة أو في النار . { وَمُسْتَوْدَعَهَا } في القبر يدلّ عليه قوله تعالى في وصف أهل الجنة وأهل النار : { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [ الفرقان : 76 ] { سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [ الفرقان : 66 ] . { كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي في اللوح المحفوظ .