Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 15-15)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ } « أَنْ » في موضع نصب أي على أن يجعلوه في غيابة الجبّ . قيل في القصة : إن يعقوب عليه السلام لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقاً غليظاً ليحفظُنّه ، وسلّمه إلى روبيل وقال : يا روبيل ! إنه صغير ، وتعلم يا بنيّ شفقتي عليه فإن جاع فأطعمه ، وإن عطش فٱسقه ، وإن أَعْيا فٱحمله ثم عَجِّل بردّه إليّ . قال : فأخذوا يحملونه على أكتافهم ، لا يضعه واحد إلا رفعه آخر ، ويعقوب يُشيِّعهم ميلا ثم رجع فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر ، فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشدّ مما عند الآخر من الغيظ والعسف فاستغاث بروبيل وقال : « أنت أكبر إخوتي ، والخليفة من بعد والدي عليّ ، وأقرب الأخوة إليّ ، فارحمني وٱرحم ضعفي » فلطمه لطمة شديدة وقال : لا قرابة بيني وبينك ، فادع الأحد عشر كوكباً فلتنجك منا فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه ، فتعلق بأخيه يهوذا وقال : يا أخي ! ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني ، وارحم قلب أبيك يعقوب فما أسرع ما تناسيتم وصيته ونقضتم عهده فرقّ قلب يهوذا فقال : والله لا يصلون إليك أبداً ما دمتُ حيّاً ، ثم قال : يا إخوتاه ! إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا ، فردوا هذا الصبيّ إلى أبيه ، ونعاهده ألا يحدّث والده بشيء مما جرى أبداً فقال له إخوته : والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب ، والله لئن لم تدعه لنقتلنّك معه ، قال : فإن أبيتم إلا ذلك فهاهنا هذا الجبّ الموحش القفر ، الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقُوه فيه ، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد ، وقد استرحتم من دمه ، وإن انفلت على أيدي سيّارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد فأجمع رأيهم على ذلك فهو قول الله تعالى : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ } وجواب « لما » محذوف أي فلما ذهبوا به وأجمعوا على طرحه في الجب عظمت فتنتهم . وقيل : جواب « لما » قولهم : { قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } . وقيل : التقدير فلما ذهبوا به من عند أبيهم وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها ، هذا على مذهب البصريين وأما على قول الكوفيين فالجواب . « أوحينا » والواو مقحمة ، والواو عندهم تزاد مع لما وحتى قال الله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] أي فتحت ، وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } [ هود : 40 ] أي فار . قال ٱمرؤ القيس : @ فَلَمَّـا أَجَـزْنَـا ساحَـة الحـيِّ وانَتَحـى @@ أي انتحى ومنه قوله تعالى : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ } [ الصافات : 103 - 104 ] أى ناديناه . وفي قوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } دليل على نبوّته في ذلك الوقت . قال الحسن ومجاهد والضّحاك وقَتادة : أعطاه الله النبوّة وهو في الجبّ على حجر مرتفع عن الماء . وقال الكَلْبيّ : ألقي في الجبّ وهو ابن ثماني عشرة سنة ، فما كان صغيراً ومن قال كان صغيراً فلا يبعد في العقل أن يتنبأ الصغير ويوحى إليه . وقيل : كان وحي إلهام كقوله : { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } [ النحل : 68 ] . وقيل : كان مناماً ، والأوّل أظهر والله أعلم وأن جبريل جاءه بالوحي . قوله تعالى : { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } فيه وجهان : أحدهما أنه أوحى إليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا فعلى هذا يكون الوحي بعد إلقائه في الجبّ تقوية لقلبه ، وتبشيراً له بالسلامة . الثاني أنه أوحي إليه بالذي يصنعون به فعلى هذا يكون الوحيُ قبل إلقائه في الجبّ إنذاراً له . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنك يوسف وذلك أن الله تعالى أمره لما أفضى إليه الأمر بمصر ألا يخبر أباه وإخوته بمكانه . وقيل : بوحي الله تعالى بالنبوة قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : « الهاء » ليعقوب أوحى الله تعالى إليه ما فعلوه بيوسف ، وأنه سيعرِّفهم بأمره ، وهم لا يشعرون بما أوحى الله إليه ، والله أعلم . ومما ذكر من قصته إذ ألقي في الجبّ ما ذكره السدّيّ وغيره أن إخوته لما جعلوا يدلونه في البئر ، تعلق بشفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ! ردّوا عليّ قميصي أتوارى به في هذا الجبّ ، فإن متّ كان كفني ، وإن عشت أواري به عورتي فقالوا : ٱدع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً فلتؤنسك وتكسك فقال : إني لم أر شيئاً ، فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يسقط فيموت فكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم آوى إلى صَخْرَةٍ فقام عليها . وقيل : إن شمعون هو الذي قطع الحبل إرادة أن يتفتت على الصخرة ، وكان جبريل تحت ساق العرش ، فأوحى الله إليه أن أدرك عبدي قال جبريل : فأسرعت وهبطت حتى عارضته بين الرمي والوقوع فأقعدته على الصخرة سالماً . وكان ذلك الجبّ مأوى الهوام فقام على الصّخرة وجعل يبكي ، فنادوه ، فظن أنها رحمة عليه أدركتهم ، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بالصخرة فمنعهم يهوذا ، وكان يهوذا يأتيه بالطعام فلما وقع عرياناً نزل جبريل إليه وكان إبراهيم حين ألقي في النار عرياناً أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه ، فكان ذلك عند إبراهيم ، ثم ورثه إسحق ، ثم ورثه يعقوب ، فلما شَبّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذة وجعله في عنقه ، فكان لا يفارقه فلما ألقي في الجبّ عرياناً أخرج جبريل ذلك القميص فألبسه إياه . قال وهب : فلما قام على الصخرة قال : يا إخوتاه ! إن لكل ميت وصية ، فاسمعوا وصيتي ، قالوا : وما هي ؟ قال : إذا اجتمعتم كلّكم فآنس بعضكم بعضاً فاذكروا وحشتي ، وإذا أكلتم فاذكروا جوعي ، وإذا شربتم فاذكروا عطشي ، وإذا رأيتم غريباً فاذكروا غربتي ، وإذا رأيتم شاباً فاذكروا شبابي فقال له جبريل : يا يوسف ! كف عن هذا واشتغل بالدعاء ، فإن الدعاء عند الله بمكان ثم علمه فقال : قل اللهم يا مؤنس كلّ غريب ، ويا صاحب كلّ وحيد ، ويا ملجأ كلّ خائف ، ويا كاشف كل كربة ، ويا عالم كل نجوى ، ويا منتهى كل شكوى ، ويا حاضر كل ملإ ، يا حيّ يا قيوم ! أسألك أن تقذف رجاءك في قلبي ، حتى لا يكون لي همّ ولا شغل غيرك ، وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً ، إنك على كل شيء قدير فقالت الملائكة : إلهناٰ نسمع صوتاً ودعاء ، الصوت صوت صبيّ ، والدعاء دعاء نبيّ . وقال الضّحاك : نزل جبريل عليه السلام على يوسف وهو في الجبّ فقال له : ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن عجل الله لك خروجك من هذا الجب ؟ فقال : نعم ! فقال له : قل يا صانع كلّ مصنوع ، ويا جابر كل كَسِير ، ويا شاهد كل نَجْوى ، ويا حاضر كل ملإ ، ويا مفرّج كل كربة ، ويا صاحب كل غريب ، ويا مؤنس كل وحيد ، ٱيتني بالفرج والرجاء ، واقذف رجاءك في قلبي حتى لا أرجو أحداً سواك فرددها يوسف في ليلته مراراً فأخرجه الله في صبيحة يومه ذلك من الجبّ .