Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 36-38)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ } « فتيان » تثنية فتى وهو من ذوات الياء ، وقولهم : الفُتُوّ شاذ . قال وهب وغيره : حمل يوسف إلى السجن مقيّداً على حمار ، وطِيف به « هذا جزاء من يعصي سيدته » وهو يقول : هذا أيسر من مُقَطَّعات النِّيران ، وسرابيل القَطِران ، وشراب الحميم ، وأكل الزّقوم . فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوماً قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم فجعل يقول لهم : ٱصبروا وأبشروا تؤجروا فقالوا له : يا فتى ! ما أحسن حديثك ! لقد بورك لنا في جوارك ، من أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفيّ الله يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحق ، ابن خليل الله إبراهيم . وقال ٱبن عباس : لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني ، وأنا أريد أن تسجنه ، فسجنه في السجن فكان يُعزّي فيه الحزين ، ويعود فيه المريض ، ويداوي فيه الجريح ، ويصلي الليل كله ، ويبكي حتى تبكي معه جُدُر البيوت وسقفها والأبواب ، وطهر به السجن ، واستأنس به أهل السجن فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف ، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه ، ثم قال له : يا يوسف ! لقد أحببتك حبًّا لم أحبّ شيئاً حبك فقال : أعوذ بالله من حبك ، قال : ولِمَ ذلك ؟ فقال : أحبني أبي ففعل بي إخوتي ما فعلوه ، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى ، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خَبَّازه وصاحب شرابه ، وذلك أن الملك عُمِّر فيهم فملّوه ، فدسّوا إلى خَبّازه وصاحب شرابه أن يَسُمَّاه جميعاً ، فأجاب الخبّاز وأبي صاحب الشَّراب ، فانطلق صاحب الشّراب فأخبر الملك بذلك ، فأمر الملك بحبسهما ، فاستأنسا بيوسف ، فذلك قوله : « وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ » وقد قيل : إن الخبّاز وضع السم في الطعام ، فلما حضر الطعام قال السّاقي : أيها الملك ! لا تأكل فإن الطعام مسموم . وقال الخبّاز : أيها الملك لا تشرب ! فإن الشراب مسموم فقال الملك للساقي : ٱشرب ! فشرب فلم يضرّه ، وقال للخباز : كُلْ فأبى ، فجرّب الطعام على حيوان فنفق مكانه ، فحبسهما سنة ، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف . وٱسم الساقي منجا ، والآخر مجلث ذكره الثعلبيّ عن كعب . وقال النقاش : اسم أحدهما شرهم ، والآخر سرهم الأوّل بالشين المعجمة ، والآخر بالسين المهملة . وقال الطّبريّ : الذي رأى أنه يعصر خمراً هو نبو ، قال السّهيليّ : وذكر ٱسم الآخر ولم أقيده . وقال « فتيان » لأنهما كانا عبدين ، والعبد يسمّى فتى ، صغيراً كان أو كبيراً ذكره الماورديّ . وقال القُشَيريّ : ولعلّ الفتى كان اسماً للعبد في عرفهم ولهذا قال : « تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ » . ويحتمل أن يكون الفتى اسماً للخادم وإن لم يكن مملوكاً . ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله ، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه . « قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً » أي عنباً كان يوسف قال لأهل السجن : إني أعبّر الأحلام فقال أحد الفتيين لصاحبه : تعال حتى نجرّب هذا العبد العبراني فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئاً قاله ٱبن مسعود . وحكى الطّبريّ أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبّر الرؤيا فسألاه عن رؤياهما . قال ٱبن عباس ومجاهد : كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها ولذلك صدق تأويلها . وفي الصحيح عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً " وقيل : إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريباً وهذا قول ٱبن مسعود والسّديّ . وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذباً ، والآخر صادقاً قاله أبو مِجْلَز . وروى الترمذيّ عن ٱبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تَحَلَّم كاذباً كُلِّف يوم القيامة أن يَعقِد بين شَعِيرتين ولن يَعقِد بينهما " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وعن عليّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كذب في حُلُمه كُلِّف يوم القيامة عَقْد شَعِيرة " قال : حديث حسن . قال ٱبن عباس : لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين فقال لهما يوسف : مالي أراكما مكروبين ؟ قالا : يا سيدناٰ إنا رأينا ما كرهنا قال : فقصّا عليّ ، فقصّا عليه قالا : نبئنا بتأويل ما رأينا وهذا يدلّ على أنها كانت رؤيا منام . { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } فإحسانه ، أنه كان يعود المرضى ويداويهم ، ويُعزِّي الحزانى قال الضّحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به ، وإذا ضاق وسّع له ، وإذا احتاج جمع له ، وسأل له . وقيل : « مِنَ الْمُحْسِنِينَ » أي العالمين الذين أحسنوا العلم ، قاله الفراء . وقال ٱبن إسحق : « مِن الْمُحْسِنِينَ » لنا إن فَسَّرته ، كما يقول : افعل كذا وأنت محسن . قال : فما رأيتما ؟ قال الخبّاز : رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير ، وجعلته في ثلاث سلال ، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه . وقال الآخر : رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض ، فعصرتهن في ثلاث أوان ، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى ، فذلك قوله : « إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً » أي عنباً ، بلغة عُمان ، قاله الضّحاك . وقرأ ٱبن مسعود : « إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَباً » . وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابياً ومعه عنب فقال له : ما معك ؟ قال : خمر . وقيل : معنى . « أَعْصِرُ خَمْراً » أي عنب خمر ، فحذف المضاف . ويقال : خَمْرة وخَمْر وخُمُور ، مثل تمرة وتمر وتُمور . « قال » لهما يوسف : { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } يعني لا يجيئكما غداً طعام من منزلكما { إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما ، فقالا : ٱفعل ! فقال لهما : يجيئكما كذا وكذا ، فكان على ما قال وكان هذا من علم الغيب خُصّ به يوسف . وبيّن أن الله خصّه بهذا العلم لأنه ترك ملّة قوم لا يؤمنون بالله ، يعني دين الملك . ومعنى الكلام عندي : العلم بتأويل رؤياكما ، والعلم بما يأتيكما من طعامكما والعلم بدين الله ، فاسمعوا أوّلاً ما يتعلق بالدين لتهتدوا ، ولهذا لم يعبّر لهما حتى دعاهما إلى الإسلام ، فقال : { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ } الآية كلها ، على ما يأتي . وقيل : علم أن أحدهما مقتول فدعاهما إلى الإسلام ليَسْعَدا به . وقيل : إن يوسف كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علمه من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما ، وأخذ في غيره فقال : « لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ » في النوم « إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا » بتفسيره في اليقظة ، قاله السُّديّ ، فقالا له : هذا من فعل العَرّافين والكَهَنة ، فقال لهما يوسف عليه السلام : ما أنا بكاهن ، وإنما ذلك مما علّمنيهِ ربّي ، إني لا أخبركما به تَكهُّناً وتنجيماً ، بل هو بوحي من الله عزّ وجلّ . وقال ٱبن جُرَيج : كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معروفاً فأرسل به إليه ، فالمعنى : لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة ، فعلى هذا « تُرْزَقَانِه » أي يجري عليكما من جهة الملك أو غيره . ويحتمل يزرقكما الله . قال الحسن : كان يخبرهما بما غاب ، كعيسى عليه السلام . وقيل : إنما دعاهما بذلك إلى الإسلام ، وجعل المعجزة التي يستدلان بها إخبارهما بالغيوب . قوله تعالى : { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } لأنهم أنبياء على الحق . { مَا كَانَ } أي ما ينبغي . { لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } « مِنْ » للتأكيد ، كقولك : ما جاءني من أحد . وقوله تعالى : { ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا } إشارة إلى عصمته من الزنى . { وَعَلَى ٱلنَّاسِ } أي على المؤمنين الذين عصمهم الله من الشرك . وقيل : « ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَليْنَا » إذ جَعَلنا أنبياء ، « وَعَلَى النَّاسِ » إذا جَعَلَنا الرسلَ إليهم . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } على نعمة التوحيد والإيمان .