Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 52-53)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } ٱختلف فيمن قاله ، فقيل : هو من قول ٱمرأة العزيز ، وهو متصل بقولها : { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ } أي أقررتُ بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه ، ولم أذكره بسوء وهو غائب ، بل صدقت وحدت عن الخيانة ثم قالت : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } بل أنا راودته وعلى هذا هي كانت مقرّة بالصانع ، ولهذا قالت : { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وقيل : هو من قول يوسف أي قال يوسف : ذلك الأمر الذي فعلته ، من رد الرسول « لِيَعْلَمَ » العزيز « أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ » قاله الحسن وقَتَادة وغيرهما . ومعنى « بالغيب » وهو غائب . وإنما قال يوسف ذلك بحضرة الملك ، وقال : « لِيَعْلَمَ » على الغائب توقيراً للملك . وقيل : قاله إذ عاد إليه الرسول وهو في السجن بعدُ قال ٱبن عباس : جاء الرسول إلى يوسف عليه السلام بالخبر وجبريل معه يحدثه فقال يوسف : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } أي لم أَخُنْ سيّدي بالغيب فقال له جبريل عليه السلام : يا يوسف ! ولا حين حَلَلْت الإزار ، وجلست مجلس الرجل من المرأة ؟ ٰ فقال يوسف : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } الآية . وقال السّديّ : إنما قالت له ٱمرأة العزيز ولا حين حَلَلْتَ سراويلك يا يوسف ؟ ٰ فقال يوسف : « وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي » . وقيل : « ذَلِكَ لِيَعْلَمَ » من قول العزيز أي ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب ، وأني لم أغفل عن مجازاته على أمانته . { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } معناه أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم . قوله تعالى : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } قيل : هو من قول المرأة . وقال القُشَيْريّ : فالظاهر أن قوله : « ذَلِكَ لِيَعْلَمَ » وقوله : « وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي » من قول يوسف . قلت : إذا ٱحتمل أن يكون من قول المرأة فالقول به أولى حتى نبرّىء يوسف من حَلّ الإزار والسّراويل وإذا قدرناه من قول يوسف فيكون مما خطر بقلبه ، على ما قدّمناه من القول المختار في قوله : « وَهَمَّ بِهَا » . قال أبو بكر الأنباريّ : من الناس من يقول : « ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ » إلى قوله : « إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ » من كلام ٱمرأة العزيز لأنه متصل بقولها : « أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ » وهذا مذهب الذين ينفون الهمّ عن يوسف عليه السلام فمن بنى على قولهم قال : من قوله : « قَالَتِ آمْرَأَةُ الْعَزِيزِ » إلى قوله : « إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ » كلام متصل بعضه ببعض ، ولا يكون فيه وقف تام على حقيقة ولسنا نختار هذا القول ولا نذهب إليه . وقال الحسن : لما قال يوسف : « ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ » كره نبيّ الله أن يكون قد زكّى نفسه فقال : « وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي » لأنّ تزكية النفس مذمومة قال الله تعالى : { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ النجم : 32 ] وقد بيّناه في « النساء » . وقيل : هو من قول العزيز أي وما أبرىء نفسي من سوء الظن بيوسف . { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } أي مشتهية له . { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } في موضع نصب بالاستثناء و « ما » بمعنى مَنْ أي إلا مَن رحم ربي فعصمه و « ما » بمعنى من كثير قال الله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] وهو ٱستثناء منقطع ، لأنه ٱستثناء المرحوم بالعصمة من النفس الأمارة بالسوء وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما تقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شرّ غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية قالوا : يا رسول الله ! هذا شرّ صاحب في الأرض . قال : « فوالذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم » " .