Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 54-54)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } لما ثبت للملك براءته مما نُسب إليه وتحقّق في القصة أمانته ، وفهم أيضاً صبره وجَلَده عظمت منزلته عنده ، وتيقّن حسن خلاله قال : « ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي » فانظر إلى قول الملك أولاً حين تحقق علمه « ٱئْتُونِي بِهِ » فقط ، فلما فعل يوسف ما فعل ثانياً قال : { ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } ورُوي عن وهب بن منَبِّه قال : لما دُعي يوسف وقف بالباب فقال : حسبي ربّي من خلقه ، عزَّ جاره وجلّ ثناؤه ولا إلٰه غيره . ثم دخل فلما نظر إليه الملك نزل عن سريره فخرّ له ساجداً ثم أقعده الملك معه على سريره فقال : « إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ » . « قَالَ » له يوسف : « اجْعَلْني عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ » للخزائن « عَلِيمٌ » بوجوه تصرفاتها . وقيل : حافظ للحساب ، عليم بالألسن . وفي الخبر : " يرحم الله أخي يوسف لو لم يقل ٱجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن أخَّر ذلك سنة " وقيل : إنما تأخر تمليكه إلى سنة لأنه لم يقل إن شاء الله . وقد قيل في هذه القصة : إن يوسف عليه السلام لما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شرّه وشرّ غيره ثم سلّم على الملك بالعربية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : هذا لسان عَمِّي إسمعيل ، ثم دعا له بالعبرانية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً ، فكلما تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان ، فأعجب الملك أمره ، وكان يوسف إذ ذاك ٱبن ثلاثين سنة ثم أجلسه على سريره وقال : أحب أن أسمع منك رؤياي ، قال يوسف : نعم أيها الملك ! رأيتَ سبع بقرات سِمانٍ شُهْباً غُرًّا حساناً ، كشف لك عنهن النِّيل فطلعن عليك من شاطئه تَشخُب أخلافها لبناً فبينا أنت تنظر إليهنّ وتتعجب من حسنهنّ إذ نَضَب النِّيل فغار ماؤه ، وبدا أُسُّه ، فخرج من حَمَئه وَوَحَله سبع بقرات عِجاف شُعْث غُبْر مُقَلَّصات البطون ، ليس لهنّ ضروع ولا أخلاف ، لهنّ أنياب وأضراس ، وأكفّ كأكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السّباع ، فاختلطن بالسِّمان فافترسنهنّ ٱفتراس السّباع ، فأكلن لحومهنّ ، ومزّقن جلودهنّ ، وحطّمن عظامهنّ ، ومشمشن مخّهنّ فبينا أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهنّ وهنّ مهازيل ! ثم لم يظهر منهنّ سِمَن ولا زيادة بعد أكلهن إذا بسبع سنابل خضر طريات ناعمات ممتلئات حباً وماء ، وإلى جانبهنّ سبع يابسات ليس فيهنّ ماء ولا خضرة في منبت واحد ، عروقهنّ في الثرى والماء ، فبينا أنت تقول في نفسك : أي شيء هذا ؟ هؤلاء خضر مثمرات ، وهؤلاء سود يابسات ، والمنبت واحد ، وأصولهن في الماء ، إذ هبّت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات ، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهنّ فصرن سوداً مغبرات فانتبهتَ مذعوراً أيها الملك فقال الملك : والله ما شأن هذه الرؤيا وإن كان عجباً بأعجب مما سمعتُ منك ! فما ترى في رؤياي أيها الصدّيق ؟ فقال يوسف : أرى أن تجمع الطعام ، وتزرع زرعاً كثيراً في هذه السنين المخصبة فإنك لو زرعت على حجر أو مَدَر لنبت ، وأظهر الله فيه النّماء والبركة ، ثم ترفع الزرع في قصبه وسنبله تبني له المخازن العظام فيكون القصب والسّنبل عَلَفاً للدواب ، وحبه للناس ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى أهْرَائك الخُمْس فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها ، ويأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك ، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك فقال الملك : ومن لي بتدبير هذه الأمور ؟ ولو جمعت أهل مصر جميعاً ما أطاقوا ، ولم يكونوا فيه أمناء فقال يوسف عليه السلام عند ذلك : « ٱجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ » أي على خزائن أرضك وهي جمع خِزانة ودخلت الألف واللام عوضاً من الإضافة ، كقول النابغة : @ لَهُمْ شِيمَةٌ لم يُعْطِهَا الله غَيْرَهُمْ مِنَ الجُودِ والأَحْلاَمِ غَيْرُ كَوَاذِبِ @@ قوله تعالى : { أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } جزم لأنه جواب الأمر وهذا يدلّ على أن قوله : « ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ » جَرَى في السّجن . ويحتمل أنه جرى عند الملك ، ثم قال في مجلس آخر : « ٱئْتُونِي بِهِ » تأكيداً « أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي » أي أجعله خالصاً لنفسي ، أفوّض إليه أمر مملكتي فذهبوا فجاؤوا به ودلّ على هذا { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } أي كلّم الملك يوسف ، وسأله عن الرؤيا فأجاب يوسف فـ { قَالَ } الملك : { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ } أي متمكن نافذ القول ، « أَمِينٌ » لا تخاف غدراً .