Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 68-70)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } أي من أبواب شتى . { مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } إن أراد إيقاع مكروه بهم . { إِلاَّ حَاجَةً } استثناء ليس من الأوّل . { فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } أي خاطر خطر بقلبه وهو وصيته أن يتفرّقوا قال مجاهد : خشية العين ، وقد تقدّم القول فيه . وقيل : لئلا يرى الملك عددهم وقوّتهم فيبطش بهم حسداً أو حذراً قاله بعض المتأخرين ، واختاره النحاس ، وقال : ولا معنى للعين ها هنا . ودلّت هذه الآية على أن المسلم يجب عليه أن يحذر أخاه مما يخاف عليه ، ويرشده إلى ما فيه طريق السلامة والنجاة فإن الدين النصيحة ، والمسلم أخو المسلم . قوله تعالى : { وَإِنَّهُ } يعني يعقوب . { لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } أي بأمر دينه . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون ما يعلم يعقوب عليه السلام من أمر دينه . وقيل : « لَذُو عِلْمٍ » أي عمل فإن العلم أوّل أسباب العمل ، فسمي بما هو بسببه . قوله تعالى : { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } قال قتادة : ضمّه إليه ، وأنزله معه . وقيل : أمر أن ينزل كل ٱثنين في منزل ، فبقي أخوه منفرداً فضمّه إليه وقال : أشفقت عليه من الوحدة ، وقال له سِرًّا من إخوته : { إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ } أي لا تحزن { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . قوله تعالى : { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ } لما عرف بنيامين أنه يوسف قال له : لا تردّني إليهم ، فقال : قد علمت اغتمام يعقوب بي فيزداد غمّه ، فأبى بنيامين الخروج فقال يوسف : لا يمكن حبسك إلا بعد أن أنسبك إلى ما لا يجمل بك : فقال : لا أبالي ! فدس الصاع في رحله إما بنفسه من حيث لم يطلع عليه أحد ، أو أَمَر بعض خواصّه بذلك . والتّجهيز التسريح وتنجيز الأمر ومنه جَهّز على الجريح أي قتله ، ونجّز أمره . والسقاية والصواع شيء واحد إناء له رأسان في وسطه مَقْبِض ، كان الملك يشرب منه من الرأس الواحد ، ويكال الطعام بالرأس الآخر قاله النقاش عن ابن عباس ، وكل شيء يشرب به فهو صواع وأنشد : @ نَشـربُ الخمـرَ بالصّـواع جِهَـارًا @@ واختلف في جنسه فروى شعبة عن أبي بِشر عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس قال : كان صواع الملك شيء من فضة يشبه الْمَكُّوك ، من فضة مرصع بالجوهر ، يجعل على الرأس وكان للعباس واحد في الجاهلية ، وسأله نافع بن الأزرق ما الصواع ؟ قال : الإناء قال فيه الأعشى : @ له دَرْمَكٌ في رأسه ومَشارِبٌ وقِدْرٌ وطَبَّاخٌ وصاعٌ ودَيسَقُ @@ وقال عِكرمة : كان من فضة . وقال عبد الرحمن بن زيد : كان من ذهب وبه كال طعامهم مبالغة في إكرامهم . وقيل : إنما كان يكال به لعزّة الطعام . والصاع يذكّر ويؤنّث فمن أنّثه قال : أَصْوُع مثل أَدْوُر ، ومن ذكّره قال أَصْوَاع مثل أثواب . وقال مجاهد وأبو صالح : الصاع الطِّرْجِهَالة بلغة حِمْير . وفيه قراءات : « صُوَاع » قراءة العامة و « صُوْغ » بالغين المعجمة ، وهي قراءة يحيـى بن يَعْمُر قال : وكان إناء أصِيغ من ذهب . « وصُوع » بالعين غير المعجمة قراءة أبي رجا . « وصُوْع » بصاد مضمومة وواو ساكنة وعين غير معجمة قراءة أبيّ . « وصُيَاع » بياء بين الصاد والألف قراءة سعيد بن جُبير . « وصاع » بألف بين الصاد والعين وهي قراءة أبي هريرة . قوله تعالى : { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } أي نادى منادٍ وأعلم . « وَأَذَّنَ » للتكثير فكأنه نادى مراراً « أَيَّتُهَا الْعِيرُ » . والعير ما ٱمتير عليه من ٱلحمِير وٱلإبل والبغال . قال مجاهد : كان عِيرهم حميراً . قال أبو عبيدة : العِير الإبل المرحولة المركوبة والمعنى : يا أصحاب العير ، كقوله : { وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ويا خيل الله اركبي : أي يا أصحاب خيل الله ، وسيأتي . وهنا ٱعتراضان : الأوّل إن قيل : كيف رضي بنيامين بالقعود طوعاً وفيه عقوق الأب بزيادة الحزن ، ووافقه على ذلك يوسف ؟ وكيف نسب يوسف السرقة إلى إخوته وهم بَرَاء وهو الثاني فالجواب عن الأوّل : أن الحزن كان قد غلب على يعقوب بحيث لا يؤثر فيه فقد بنيامين كل التأثير ، أو لا تراه لما فقده قال : { يٰأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ } ولم يعرّج على بنيامين ولعل يوسف إنما وافقه على القعود بوحي فلا اعتراض . وأما نسبة يوسف السرقة إلى إخوته فالجواب : أن القوم كانوا قد سَرَقوه من أبيه فألقوه في الجبّ ، ثم باعوه فاستحقّوا هذا الاسم بذلك الفعل ، فصدق إطلاق ذلك عليهم . جواب آخر وهو أنه أراد أيتها العير حالكم حال السُّرّاق والمعنى : إنّ شيئاً لغيركم صار عندكم من غير رضا الملك ولا علمه . جواب آخر وهو أن ذلك كان حيلة لاجتماع شمله بأخيه ، وفصله عنهم إليه ، وهذا بناء على أن بنيامين لم يعلم بدسّ الصاع في رحله ، ولا أخبره بنفسه . وقد قيل : إن معنى الكلام الاستفهام أي أو إنكم لسارقون ؟ كقوله : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } [ الشعراء : 22 ] أي أوَ تلك نعمة تمنها عليّ ؟ والغرض ألاّ يعزى إلى يوسف صلى الله عليه وسلم الكذب .