Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 17-19)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } ضرب مثلاً للحق والباطل فشبَّه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء ، فإنه يضمحلّ ويعلق بجنبات الأودية ، وتدفعه الرياح فكذلك يذهب الكفر ويضمحلّ ، على ما نبيّنه . قال مجاهد : « فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا » قال : بقدر ملئها . وقال ابن جُرَيج : بقدر صغرها وكبرها . وقرأ الأَشْهَبْ العُقَيْلي والحسن « بِقَدْرِهَا » بسكون الدال ، والمعنى واحد . وقيل : معناها بما قدّر لها . والأودية جمع الوادي وسمّي وادياً لخروجه وسيلانه فالوادي على هذا ٱسم للماء السائل . وقال أبو علي : « فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ » توسع أي سال ماؤها فحذف قال ومعنى « بِقَدَرِهَا » بقدر مياهها لأن الأودية ما سالت بقدر أنفسها . « فَٱحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً » أي طالعاً عالياً مرتفعاً فوق الماء ، وتمّ الكلام قاله مجاهد . ثم قال : { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ } وهو المثل الثاني . { ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } أي حلية الذهب والفضة . { أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ } قال مجاهد : الحديد والنحاس والرصاص . وقوله : « زَبَدٌ مِثْلُهُ » أي يعلو هذه الأشياء زبد كما يعلو السيل وإنما احتمل السيل الزبد لأن الماء خالطه تراب الأرض فصار ذلك زبداً ، كذلك ما يوقد عليه في النار من الجوهر ومن الذهب والفضة مما يَنبثّ فِي الأرض من المعادن فقد خالطه التراب فإنما يوقد عليه ليذوب فيزايله تراب الأرض . وقوله : { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً } قال مجاهد : جموداً . وقال أبو عبيدة قال أبو عمرو بن العلاء : أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ إذا غَلَت حتى ينصبّ زَبَدُها ، وإذا جَمَد في أسفلها . والجُفاء ما أجفاه الوادي أي رمَى به . وحكى أبو عبيدة أنه سمع رُؤْبة يقرأ « جُفَالاً » قال أبو عبيدة : يقال أَجْفَلَت القِدْرُ إذا قدفت بزبدها ، وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته . { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } قال مجاهد : هو الماء الخالص الصّافي . وقيل : الماء وما خلص من الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص وهو أن المثَلين ضربهما الله للحقّ في ثباته ، والباطل في اضمحلاله ، فالباطل وإن علا في بعض الأحوال فإنه يضمحلّ كاضمحلال الزّبد والخَبَث . وقيل : المراد مَثَلٌ ضربه الله للقرآن وما يدخل منه القلوب فَشبَّه القرآن بالمطر لعموم خيره وبقاء نفعه ، وشَبَّه القلوب بالأودية ، يدخل فيها من القرآن مثل ما يدخل في الأودية بحسب سعتها وضيقها . قال ابن عباس : « أَنْزَلَ مِن السَّمَاءِ مَاءً » قال : قرآناً « فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا » قال : الأودية قلوب العباد . قال صاحب « سوق العروس » إن صحّ هذا التفسير فالمعنى فيه أن الله سبحانه مَثّل القرآن بالماء . ومَثّل القلوب بالأودية ، ومثل المُحْكَم بالصّافي ، ومثل المتشابه بالزّبد . وقيل : الزبد مخايل النفس وغوائل الشك ترتفع من حيث ما فيها فتضطرب من سلطان تِلَعها ، كما أن ماء السّيل يجري صافياً فيرفع ما يجد في الوادي باقياً ، وأما حلية الذهب والفضة فمثل الأحوال السَّنية . والأخلاق الزّكية التي بها جمال الرجال ، وقوام صالح الأعمال ، كما أن من الذّهب والفضّة زينة النّساء ، وبهما قيمة الأشياء . وقرأ حميد وابن محيصن ويحيـى والأعمش وحمزة والكسائي وحفص « يُوقِدُونَ » بالياء واختاره أبو عبيد لقوله : « يَنْفَعُ النَّاس » فأخبر ، ولا مخاطبة هاهنا . الباقون بالتاء لقوله في أول الكلام : « أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ » الآية . وقوله : « فِي النَّارِ » متعلق بمحذوف ، وهو في موضع الحال ، وذو الحال الهاء التي في « عَلَيْهِ » التقدير : ومما توقدون عليه ثابتاً في النار أو كائناً . وفي قوله : « فِي النَّارِ » ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي ٱسم ذي الحال ولا يستقيم أن يتعلق « فِي النَّارِ » بـ « ـيوقدون » من حيث لا يستقيم أوقدتُ عليه في النار لأن الموقَد عليه يكون في النَّار ، فيصير قوله : « فِي النَّارِ » غير مفيد . وقوله : « ٱبْتِغَاءَ حِلْيَةٍ » مفعول له . « زَبَدٌ مِثْلُهُ » ابتداء وخبر أي زبد مثل زبد السّيل . وقيل : إن خبر « زبد » قوله : « فِي النَّارِ » الكسائي : « زَبَدٌ » ابتداء ، و « مِثْلُهُ » نعت له ، والخبر في الجملة التي قبله ، وهو « مِمَّا يُوقِدُونَ » . { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } أي كما بيّن لكم هذه الأمثال فكذلك يضربها بيّنات . تم الكلام ، ثم قال : { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ } أي أجابوا واستجاب بمعنى أجاب قال : @ فلَـمْ يَسْتجِبْه عند ذاكَ مُجِيـب @@ وقد تقدم أي أجاب إلى ما دعاه الله من التوحيد والنبوات . { ٱلْحُسْنَىٰ } لأنها في نهاية الحسن . وقيل : من الحسنى النصر في الدنيا ، والنعيم المقيم غداً . { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ } أي لم يجيبوا إلى الإيمان به . { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي من الأموال . { وَمِثْلَهُ مَعَهُ } ملك لهم . { لاَفْتَدَوْاْ بِهِ } من عذاب يوم القيامة نظيره في « آل عمران » { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ آل عمران : 10 ] ، { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } [ آل عمران : 91 ] حسب ما تقدم بيانه هناك . { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ } أي لا يقبل لهم حسنة ، ولا يتجاوز لهم عن سيئة . وقال فَرْقَدْ السَّبَخِيّ قال لي إبراهيم النَّخعيّ : يا فَرْقَد ! أتدري ما سوء الحساب ؟ قلت لاٰ قال أن يحاسَب الرجل بذنبه كلّه لا يفقد منه شيء . { وَمَأْوَاهُمْ } أي مسكنهم ومقامهم . { جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي الفراش الذي مهدوا لأنفسهم . قوله تعالى : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } هذا مَثَلٌ ضربه الله للمؤمن والكافر ، ورُوي أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وأبي جهل لعنه الله . والمراد بالعَمَى عَمَى القلب ، والجاهل بالدين أعمى القلب . { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } .