Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 45-46)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } أي في بلاد ثَمود ونحوها فهلا ٱعتبرتم بمساكنهم ، بعد ما تبيّن لكم ما فعلنا بهم ، وبعد أن ضربنا لكم الأمثال في القرآن . وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ « وَنُبَيّنْ لَكُمْ » بنون والجزم على أنه مستقبل ومعناه الماضي وليناسب قوله : « كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ » . وقراءة الجماعة ، « وَتَبَيَّنَ » وهي مثلها في المعنى لأن ذلك لا يتبين لهم إلا بتبييّن الله إياهم . قوله تعالى : { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ } أي بالشرك بالله وتكذيب الرسل والمعاندة عن ابن عباس وغيره . { وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } « إن » بمعنى « ما » أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال لضعفه ووهنه « وإن » بمعنى « ما » في القرآن في مواضع خمسة : أحدها هذا . الثاني { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } [ يونس : 94 ] . الثالث { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا } [ الأنبياء : 17 ] أي ما كنا . الرابع { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } [ الزخرف : 81 ] . الخامس : { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } [ الأحقاف : 26 ] . وقرأ الجماعة « وإن كان » بالنون . وقرأ عمرو بن عليّ وابن مسعود وأبيّ « وإن كاد » بالدال . والعامة على كسر اللام في « لتزول » على أنها لام الجحود وفتح اللام الثانية نصباً . وقرأ ابن محيِصن وابن جريج والكسائيّ « لَتَزُولُ » بفتح اللام الأولى على أنها لام الابتداء ورفع الثانية « وإن » مخفّفة من الثّقيلة ، ومعنى هذه القراءة استعظام مكرهم أي ولقد عظم مكرهم حتى كادت الجبال تزول منه قال الطَّبرَيّ : الاختيار القراءة الأولى لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة قال أبو بكر الأنباريّ : ولا حجة على مصحف المسلمين في الحديث الذي حدّثناه أحمد بن الحسين : حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدّثنا وكيع بن الجرّاح عن إسرائيل عن أبي إسحق عن عبد الرحمن بن دانيل قال سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن جبّاراً من الجبابرة قال لا أنتهي حتى أعلم من في السموات ، فعمَدَ إلى فراخ نُسُور ، فأمر أن تطعم اللحم ، حتى ٱشتدت وعَضَلتْ وٱستعلجتْ أمر بأن يُتخذ تابوتٌ يسع فيه رجلين وأن يجعل فيه عصا في رأسها لحم شديد حمرته ، وأن يُستوثق من أرجل النسور بالأوتاد وتُشدّ إلى قوائم التابوت ، ثم جلس هو وصاحب له في التابوت وأَثَارَ النّسورَ ، فلما رأت اللحم طلبته ، فجعلت ترفع التابوت حتى بلغت به ما شاء الله فقال الجبّار لصاحبه : ٱفتح الباب فانظر ما ترى ؟ فقال : أرى الجبال كأنها ذباب ، فقال : أغلق الباب ثم صعدت بالتابوت ما شاء الله أن تصعد فقال الجبّار لصاحبه : ٱفتح الباب فانظر ما ترى ؟ فقال : ما أرى إلا السماء وما تزداد منا إلا بُعْداً ، فقال : نَكِّس العصا فنكّسها ، فانقضّت النّسور . فلما وقع التابوت على الأرض سمعت له هدّة كادت الجبال تزول عن مراتبها منها قال : فسمعت عليّاً رضي الله عنه يقرأ « وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ » بفتح اللام الأولى من « لتزول » وضم الثانية . وقد ذكر الثّعلبيّ هذا الخبر بمعناه ، وأن الجبَّار هو النّمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، وقال عِكرمة : كان معه في التابوت غلام أمرد ، وقد حمل القوس والنبل فرمى بهما فعاد إليه ملطخاً بالدماء وقال : كُفيتُ نَفْسَك إلهَ السّماء . قال عِكرِمة : تَلطّخ بدم سمكة من السماء ، قذفت نفسها إليه من بحر في الهواء معلّق . وقيل : طائر من الطير أصابه السّهم ثم أمر نمرود صاحبه أن يضرب العصا وأن يُنكِّس اللحم ، فهبطت النّسور بالتابوت ، فسمعت الجبال حفيف التابوت والنّسور ففزعت ، وظنت أنه قد حدث بها حدث من السماء ، وأنّ الساعة قد قامت ، فذلك قوله : « وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ » . قال القُشَيريّ : وهذا جائز بتقدير خلق الحياة في الجبال . وذكر الماورديّ عن ابن عباس : أن النّمرود بن كنعان بَنَى الصّرح في قرية الرسِّ من سواد الكوفة ، وجعل طوله خمسة آلاف ذراع وخمسين ذراعاً ، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعاً ، وصعد منه مع النّسور ، فلما علم أنه لا سبيل له إلى السماء ٱتخذه حصناً ، وجمع فيه أهله وولده ليتحصن فيه ، فأتى الله بنيانه من القواعد ، فتداعى الصّرح عليهم فهلكوا جميعاً ، فهذا معنى « وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ » وفي الجبال التي عَنَى زوالها بمكرهم وجهان : أحدهما جبال الأرض . الثاني الإسلام والقرآن لأنه لثبوته ورسوخه كالجبال . وقال القُشَيريّ : « وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ » أي هو عالم بذلك فيجازيهم ، أو عند الله جزاء مكرهم فحذف المضاف . « وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ » بكسر اللام أي ما كان مكرهم مكراً يكون له أثر وخطر عند الله تعالى ، فالجبال مَثَل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : « وَإنْ كَانَ مَكْرُهُمْ » في تقديرهم « لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالَ » وتؤثر في إبطال الإسلام . وقرىء « لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ » بفتح اللام الأولى وضم الثانية أي كان مكراً عظيماً تزول منه الجبال ، ولكن الله حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كقوله تعالى : { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } [ نوح : 22 ] والجبال لا تزول ولكنّ العبارة عن تعظيم الشيء هكذا تكون .