Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 126-126)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه أربع مسائل : الأولى : أطبق جمهور أهل التفسير أن هذه الآية مدنية ، نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أُحُد ، ووقع ذلك في صحيح البخاري وفي كتاب السِّيَر . وذهب النحاس إلى أنها مكية ، والمعنى متصل بما قبلها من المكي اتصالاً حسناً لأنها تتدرّج الرتبُ من الذي يُدْعَى ويُوَعَظ ، إلى الذي يجَادل ، إلى الذي يجازَى على فعله . ولكن ما روى الجمهور أثبت . روى الدّارَقُطْنِيّ عن ٱبن عباس قال : " لما ٱنصرف المشركون عن قتلى أُحُد ٱنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى منظراً ساءه ، رأى حمزة قد شُقّ بطنه ، وٱصطُلِم أنفه ، وجُدِعت أذناه ، فقال : « لولا أن يحزن النساء أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير لأمثلنّ مكانه بسبعين رجلاً » ثم دعا ببردة وغطّى بها وجهه ، فخرجت رجلاه فغطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وجعل على رجليه من الإذْخر ، ثم قدّمه فكبر عليه عشراً ، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه ، حتى صلّى عليه سبعين صلاة ، وكان القتلى سبعين ، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية : { ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ إِلَىٰقَوْلُهُ وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُمَثِّل بأحد " خرجه إسماعيل بن إسحاق من حديث أبي هريرة ، وحديثُ ٱبن عباس أكمل . وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : إنما نزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة ألا ينال من ظالمه إذا تمكّن إلا مثل ظلامته لا يتعدّاه إلى غيره . وحكاه الماوردي عن ٱبن سيرين ومجاهد . الثانية : وٱختلف أهل العلم فيمن ظلمه رجل في أخذ مال ثم ٱئتمن الظالمُ المظلومَ على مال ، هل يجوز له خيانته في القدر الذي ظلمه فقالت فرقة : له ذلك منهم ٱبن سيرين وإبراهيم النخعِيّ وسفيان ومجاهد واحتجت بهذه الآية وعموم لفظها . وقال مالك وفرقة معه : لا يجوز له ذلك وٱحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدّ الأمانة إلى من ٱئتمنك ولا تخن من خانك " رواه الدارقطني وقد تقدّم هذا في « البقرة » مستوفًى . ووقع في مسند ٱبن إسحاق أن هذا الحديث إنما ورد في رجل زنى بامرأة آخر ، ثم تمكن الآخر من زوجة الثاني بأن تركها عنده وسافر فاستشار ذلك الرجل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الأمر فقال له : " أدّ الأمانة إلى من ٱئتمنك ولا تخن من خانك " وعلى هذا يتقوّى قول مالك في أمر المال لأن الخيانة لاحقة في ذلك ، وهي رذيلة لا انفكاك عنها ، فينبغي أن يتجنبها لنفسه فإن تمكن من الانتصاف من مالٍ لم يأتمنه عليه فيُشبه أن ذلك جائز وكأن الله حكم له كما لو تمكن الأخذ بالحكم من الحاكم . وقد قيل : إن هذه الآية منسوخة ، نسختها « واصبِر وما صبرك إِلا بِالله » . الثالثة : في هذه الآية دليل على جواز التماثل في القصاص فمن قَتل بحديدة قُتل بها . ومن قَتل بحجر قُتل به ، ولا يتعدّى قدر الواجب ، وقد تقدّم هذا المعنى في « البقرة » مستوفى ، والحمد لله . الرابعة : سمّى الله تعالى الإذايات في هذه الآية عقوبة ، والعقوبة حقيقة إنما هي الثانية ، وإنما فعل ذلك ليستوي اللفظان وتتناسب دباجة القول ، وهذا بعكس قوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 54 ] وقوله : { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] فإن الثاني هنا هو المجاز والأوّل هو الحقيقة قاله ابن عطية .