Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 81-81)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى : روى البخاريّ والترمذيّ عن ابن مسعود قال : دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح وحول الكعبة ثلثمائة وستون نُصُباً ، فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يطعنها بمِخصرة في يده وربما قال بعود ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً . جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد " لفظ الترمذيّ . وقال : هذا حديث حسن صحيح . وكذا في حديث مسلم « نُصُباً » . وفي رواية صنماً . قال علماؤنا : إنما كانت بهذا العدد لأنهم كانوا يعظِّمون في يوم صنماً ويخصون أعظمها بيومين . وقوله : « فجعل يطعنها بعود في يده » يقال : إنها كانت مثبتة بالرَّصاص وأنه كلما طعن منها صنماً في وجهه خرّ لقفاه ، أو في قفاه خرّ لوجهه . وكان يقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً " حكاه أبو عمر والقاضي عِياض . وقال القشيريّ : فما بقي منها صنم إلا خرّ لوجهه ، ثم أَمَر بها فكسرت . الثانية : في هذه الآية دليل على كسر نُصب المشركين وجميع الأوثان إذ غُلب عليهم ، ويدخل بالمعنى كسر آلة الباطل كله ، وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله تعالى . قال ابن المنذر : وفي معنى الأصنام الصُّوَرُ المتَّخَذة من المَدَر والخشب وشبهها ، وكل ما يتخذه الناس مما لا منفعة فيه إلا اللهو المنهيّ عنه . ولا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي تكون من الذهب والفضة والحديد والرصاص ، إذا غُيِّرت عما هي عليه وصارت نُقراً أو قطعاً فيجوز بيعها والشِّراء بها . قال المهلّب : وما كسر من آلات الباطل وكان في حبسها بعد كسرها منفعةٌ فصاحبها أوْلَى بها مكسورة إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال . وقد تقدّم حرق ابن عمر رضي الله عنه . وقد همّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلاة الجماعة . وهذا أصل في العقوبة في المال مع " قوله عليه السلام في الناقة التي لعنتها صاحبتها : « دعوها فإنها ملعونة » " فأزال ملكها عنها تأديباً لصاحبتها ، وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به . وقد أراق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لَبَناً شِيب بماء على صاحبه . الثالثة : ما ذكرنا من تفسير الآية ينظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم : " والله لينزلنّ عيسى ابن مريم حكماً عادلاً فَلَيَكْسِرَنّ الصليب وَلَيَقْتُلَنّ الخنزير وَلَيَضَعنّ الجِزْية وَلَتُتْركَن القِلاصُ فلا يُسعى عليها " الحديث . خرجه الصحيحان . ومن هذا الباب هتك النبيّ صلى الله عليه وسلم الستر الذي فيه الصور ، وذلك أيضاً دليل على إفساد الصور وآلات الملاهي كما ذكرنا . وهذا كله يحظر المنع من اتخاذها ويوجب التغيير على صاحبها . إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم وحسبك ! وسيأتي هذا المعنى في « النمل » إن شاء الله تعالى . قوله تعالى : { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ } أي الإسلام . وقيل : القرآن قاله مجاهد . وقيل : الجهاد . { وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } قيل : الشرك . وقيل : الشيطان قاله مجاهد . والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة ، فيكون التفسير جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه . « وزهق الباطل » : بطل الباطل . ومن هذا زهوق النفس وهو بطلانها . يقال : زَهقت نفسه تَزَهق زهوقاً ، وأزهقتها . { إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } أي لا بقاء له ، والحق الذي يثبت .