Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-60)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لاۤ أَبْرَحُ } الجمهور من العلماء وأهل التاريخ أنه موسى بن عِمران المذكور في القرآن ليس فيه موسى غيره . وقالت فرقة منها نَوْف البِكَاليّ : إنه ليس ابن عمران وإنما هو موسى بن منشا بن يوسف بن يعقوب وكان نبياً قبل موسى بن عمران . وقد ردّ هذا القول ابن عباس في صحيح البخاري وغيره . وفتاه : هو يوشع بن نون . وقد مضى ذكره في « المائدة » وآخر « يوسف » . ومن قال هو ابن منشا فليس الفتى يوشع بن نون . « لاَ أَبْرَحُ » أي لا أزال أسِير قال الشاعر : @ وأَبرحُ ما أدامَ اللَّهُ قَومِي بحمد الله مُنْتَطِقاً مُجِيدَا @@ وقيل : « لاَ أَبْرَحُ » لا أفارقك . { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي ملتقاهما . قال قتادة : وهو بحر فارس والروم وقاله مجاهد . قال ابن عطية : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أَذْرَبِيجان ، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بَرّ الشام هو مجمع البحرين على هذا القول . وقيل : هما بحر الأرْدُنّ وبحر القُلْزُم . وقيل : مجمع البحرين عند طنجة قاله محمد بن كعب . وروي عن أبيّ بن كعب أنه بأفريقية . وقال السدي : الكُرّوالرَّسُّ بأرمينية . وقال بعض أهل العلم : هو بحر الأندلس من البحر المحيط حكاه النقاش وهذا مما يذكر كثيراً . وقالت فرقة : إنما هما موسى والخضر وهذا قول ضعيف وحكي عن ابن عباس ، ولا يصح فإن الأمر بيِّن من الأحاديث أنه إنما وُسِم له بحر ماء . وسبب هذه القصة ما خرجه الصحيحان عن أبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال : أنا فعتَب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى : يا رب فكيف لي به قال : تأخذ معك حوتاً فتجعله في مِكتَل فحيثما فَقدتَ الحُوت فهو ثَمَّ " وذكر الحديث ، واللفظ للبخاري . وقال ابن عباس : لما ظهر موسى وقومه على أرض مصر أنزل قومه مصر ، فلما استقرت بهم الدار أمره الله أن ذكرّهم بأيام الله ، فخطب قومه فذكّرهم ما آتاهم الله من الخير والنعمة إذ نجاهم من آل فرعون ، وأهلك عدوّهم ، واستخلفهم في الأرض ، ثم قال : وكلم الله نبيكم تكليما ، واصطفاه لنفسه ، وألقى عليّ محبة منه ، وآتاكم من كل ما سألتموه ، فجعلكم أفضل أهل الأرض ، ورزقكم العز بعد الذل ، والغنى بعد الفقر ، والتوراة بعد أن كنتم جهالا فقال له رجل من بني إسرائيل : عَرَفنا الذي تقول ، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال : لا فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه ، فبعث إليه جبريل : أن يا موسى وما يدريك أين أضع علمي ؟ بلىٰ إن لي عبداً بمجمع البحرين أعلم منك وذكر الحديث . قال علماؤنا : وقوله في الحديث " هو أعلم منك " أي بأحكام وقائع مفصَّلة ، وحُكم نوازل معينة ، لا مطلقاً ، بدليل قول الخضر لموسى : إنك على علم علّمكه الله لا أعلمه أنا ، وأنا على علم علّمنيه لا تعلمه أنت ، وعلى هذا فيصدق على كل واحد منهما أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه واحد منهما ولا يعلمه الآخر ، فلما سمع موسى هذا تشوقت نفسه الفاضلة وهمته العالية ، لتحصيل علم ما لم يعلم ، وللقاء من قيل فيه : إنه أعلم منك فعزم فسأل سؤال الذليل بكيف السبيل ، فأمر بالارتحال على كل حال . وقيل له احمل معك حوتاً مالحا في مِكْتل وهو الزنبيل فحيث يحيا وتفقده فثَمَّ السبيل ، فانطلق مع فتاه لما واتاه ، مجتهداً طالباً قائلاً : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } . { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } بضم الحاء والقاف وهو الدهر ، والجمع أحقاب . وقد تسكن قافه فيقال : حُقْب . وهو ثمانون سنة . ويقال : أكثر من ذلك . والجمع حِقاب . والحِقْبة بكسر الحاء واحدة الحقُب وهي السنون . الثانية : في هذا من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم ، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب ، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم ، وذلك في دأب السلف الصالح ، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح ، وحصلوا على السعي الناجح ، فرسخت لهم في العلوم أقدام ، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام ، قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث . الثالثة : قوله تعالى : { وَإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } للعلماء فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان معه يخدمه ، والفتى في كلام العرب الشاب ، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتياناً قيل للخادم فتى على جهة حسن الأدب ، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فَتايَ وفتاتي " فهذا ندبٌ إلى التواضع وقد تقدم هذا في « يوسف » . والفتى في الآية هو الخادم وهو يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام . ويقال : هو ابن أخت موسى عليه السلام . وقيل : إنما سمي فتى موسى لأنه لزمه ليتعلم منه وإن كان حراً وهذا معنى الأوّل . وقيل : إنما سماه فتى لأنه قام مقام الفتى وهو العبد ، قال الله تعالى : { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ } [ يوسف : 62 ] وقال : { تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } [ يوسف : 30 ] قال ابن العربي : فظاهر القرآن يقتضي أنه عبد ، وفي الحديث : أنه كان يوشع بن نون . وفي « التفسير » أنه ابن أخته ، وهذا كله مما لا يُقطع به ، والتوقف فيه أسلم . الرابعة : قوله تعالى : « أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً » قال عبد الله بن عمرو : الحُقب ثمانون سنة . مجاهد : سبعون خريفاً . قتادة : زمان . النحاس : الذي يعرفه أهل اللغة أن الحُقب والحِقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود كما أن رهطاً وقوماً مبهم غير محدود : وجمعه أحقاب .