Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 61-65)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } الضمير في قوله : « بينهما » للبحرين قاله مجاهد . والسَّرَب المسلك قاله مجاهد أيضاً . وقال قتادة : جَمَد الماء فصار كالسَّرَب . وجمهور المفسرين أن الحوت بقي موضع سلوكه فارغاً ، وأن موسى مشى عليه متبعاً للحوت ، حتى أفضى به الطريق إلى جزيرة في البحر ، وفيها وجد الخضر . وظاهر الروايات والكتاب أنه إنما وجد الخضر في ضفة البحر . وقوله : « نسيا حوتهما » وإنما كان النسيان من الفتى وحده فقيل : المعنى نسي أن يُعلِم موسى بما رأى من حاله فنسب النسيان إليهما للصحبة ، كقوله تعالى : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرج من الملح ، وقوله : { يا معشر الجِن والإنس ألم يأتِكم رسل مِنكم } وإنما الرسل من الإنس لا من الجن . وفي البخاري فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال : ما كلَّفتَ كبيراً فذلك قوله عز وجل : { وإذ قال موسى لفتاه } يوشع بن نون ليست عن سعيد قال : فبينا هو في ظل صخرة في مكانٍ ثَرْيَانَ إذ تضرَّب الحوتُ وموسى نائم فقال فتاه : لا أوقظه حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، وتَضَرَّبَ الحوتُ حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جِرْيَةَ البحرِ حتى كأنّ أثرَه في حَجَر قال لي عمرو : هكذا كأنّ أثره في حَجَر وحَلَّقَ بين إبهاميه واللتين تَلِيانِهِما . وفي رواية : وأمسك الله عن الحوت جِرْية الماء فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبُه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : { آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } ولم يجد موسى النَّصَبَ حتى جاوز المكان الذي أمر الله به ، فقال له فتاه : { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } . وقيل : إن النسيان كان منهما لقوله تعالى : « نسِيا » فنسب النسيان إليهما وذلك أن بدو حمل الحوت كان من موسى لأنه الذي أمر به ، فلما مضيا كان فتاه هو الحامل له حتى أويا إلى الصخرة نزلا { فَلَمَّا جَاوَزَا } يعني الحوت هناك منسياً أي متروكاً فلما سأل موسى الغداء نسب الفتى النسيان إلى نفسه عند المخاطبة ، وإنما ذكر الله نسيانهما عند بلوغ مجمع البحرين وهو الصخرة ، فقد كان موسى شريكاً في النسيان لأن النسيان التأخير من ذلك قولهم في الدعاء : أنسأ الله في أجلِك . فلما مضيا من الصخرة أخّرا حوتهما عن حمله فلم يحمله واحد منهما ، فجاز أن ينسب إليهما لأنهما مضيا وتركا الحوت . قوله تعالى : { آتِنَا غَدَآءَنَا } فيه مسألة واحدة ، وهو اتخاذ الزاد في الأسفار ، وهو ردٌّ على الصوفية الجهلة الأغمار ، الذين يقتحمون المهامه والقِفار ، زعماً منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار هذا موسى نبي الله وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه ، وتوكله على رب العباد . وفي صحيح البخاري : إن ناساً من أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزوّدون ، ويقولون : نحن المتوكلون ، فإذا قدموا سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى { وَتَزَوَّدُواْ } [ البقرة : 197 ] . وقد مضى هذا في « البقرة » . واختلف في زاد موسى ما كان فقال ابن عباس : كان حوتاً مملوحاً في زنبيل ، وكانا يصيبان منه غداء وعشاء ، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر ، وضع فتاه المِكتل ، فأصاب الحوت جري البحر فتحرك الحوت في المكتل ، فقلب المكتل وانسرب الحوت ، ونسي الفتى أن يذكر قصة الحوت لموسى . وقيل : إنما كان الحوت دليلاً على موضع الخضر لقوله في الحديث : " احمل معك حوتاً في مِكتل فحيث فقدت الحوت فهو ثَمَّ " ، على هذا فيكون تَزوَّدا شيئاً آخر غير الحوت ، وهذا ذكره شيخنا الإمام أبو العباس واختاره . وقال ابن عطية : قال أبي رضي الله عنه ، سمعت أبا الفضل الجوهريّ يقول في وعظه : مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوماً لم يحتج إلى طعام ، ولما مشى إلى بَشَر لحقه الجوع في بعض يوم . وقوله : « نَصَباً » أي تعباً ، والنصب التعب والمشقة . وقيل : عنى به هنا الجوع ، وفي هذا دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض ، وأن ذلك لا يقدح في الرضا ، ولا في التسليم للقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا سخط . وفي قوله : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } أن مع الفعل بتأويل المصدر ، وهو منصوب بدل اشتمال من الضمير في « أنسانيه » وهو بدل الظاهر من المضمر ، أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان وفي مصحف عبد الله « وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان » . وهذا إنما ذكره يوشع في معرض الاعتذار لقول موسى : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت فقال : ما كَلَّفتَ كبيراً فاعتذر بذلك القول . قوله تعالى : { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى أي اتخذ الحوت سبيله عجباً للناس . ويحتمل أن يكون قوله : « واتخذ سبيله في البحر » تمام الخبر ، ثم استأنف التعجيب فقال من نفسه : « عجباً » لهذا الأمر . وموضع العجب أن يكون حوت قد مات فأكل شقّه الأيسر ثم حيي بعد ذلك . قال أبو شجاع في كتاب « الطبري » : رأيته أتيت به فإذا هو شقّ حوت وعين واحدة ، وشق آخر ليس فيه شيء . قال ابن عطية : وأنا رأيته والشقّ الذي ليس فيه شيء عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكة . ويحتمل أن يكون قوله : { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } إخباراً من الله تعالى ، وذلك على وجهين : إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجباً ، أي تعجب منه ، وإمّا أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجباً للناس . ومن غريب ما روي في البخاريّ عن ابن عباس من قصص هذه الآية : أن الحوت إنما حَيِيَ لأنه مسّه ماء عين هناك تدعى عين الحياة ، ما مست قط شيئاً إلا حَيِيَ . وفي « التفسير » : إن العلامة كانت أن يحيا الحوت فقيل : لما نزل موسى بعد ما أجهده السفر على صخرة إلى جنبها ماء الحياة أصاب الحوت شيء من ذلك الماء فَحَيِيَ . وقال الترمذي في حديثه قال سفيان : يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ، ولا يصيب ماؤها شيئاً إلا عاش . قال : وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش . وذكر صاحب كتاب « العروس » أن موسى عليه السلام توضأ من عين الحياة فقطرت من لحيته على الحوت قطرة فحيي والله أعلم . قوله تعالى : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى } أي قال موسى لفتاه أمرُ الحوت وفقدُه هو الذي كنا نطلب ، فإن الرجل الذي جئنا له ثَمَّ فرجعا يقصّان آثارهما لئلا يخطئا طريقهما . وفي البخاري : فوجدا خضراً على طنْفِسة خضراء على كَبِد البحر مُسَجًّى بثوبه ، قد جعل طَرفَه تحت رجليه ، وَطَرفه تحت رأسه ، فسلّم عليه موسى ، فكشف عن وجهه وقال : هل بأرضك من سلام ؟ ٰ من أنت ؟ قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : فما شأنك ؟ قال : جئتُ لتعلّمني مما علّمت رشدا الحديث . وقال الثعلبيّ في كتاب « العرائس » : إن موسى وفتاه وجدا الخضر وهو نائم على طِنْفِسة خضراء على وجه الماء وهو مُتَّشِح بثوب أخضر فسلّم عليه موسى ، فكشف عن وجهه فقال : وأَنَّى بأرضنا السلام ؟ ٰ ثم رفع رأسه واستوى جالساً وقال : وعليك السلام يا نبيّ بني إسرائيل ، فقال له موسى : وما أدراك بي ؟ ومن أخبرك أنّي نبيّ بني إسرائيل ؟ قال : الذي أدراك بي ودَلَّك عليّ ثم قال : يا موسى لقد كان لك في بني إسرائيل شغل ، قال موسى : إن ربي أرسلني إليك لأتبعك وأتعلم من علمك ، ثم جلسا يتحدّثان ، فجاءت خُطَّافة وحملت بمنقارها من الماء وذكر الحديث على ما يأتي . قوله تعالى : { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ } العبد هو الخضر عليه السلام في قول الجمهور ، وبمقتضى الأحاديث الثابتة . وخالف من لا يعتد بقوله ، فقال : ليس صاحب موسى بالخضر بل هو عالم آخر . وحكى أيضاً هذا القول القشيريّ ، قال : وقال قوم هو عبد صالح ، والصحيح أنه كان الخضر بذلك ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد : سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله . وروى الترمذيّ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما سُمّي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء " هذا حديث صحيح غريب . الفروة هنا وجه الأرض قاله الخطّابي وغيره . والخضر نبيّ عند الجمهور . وقيل : هو عبد صالح غير نبيّ ، والآية تشهد بنبوّته لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي . وأيضاً فإن الإنسان لا يتعلم ولا يَتَّبع إلا من فوقه ، وليس يجوز أن يكون فوق النبيّ من ليس بنبيّ . وقيل : كان مَلَكاً أمر الله موسى أن يأخذ عنه مما حمله من علم الباطن . والأوّل الصحيح والله أعلم . قوله تعالى : { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } الرحمة في هذه الآية النبوة . وقيل : النعمة . { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } أي علم الغيب . ابن عطية : كان علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه ، لا تُعطى ظواهرُ الأحكام أفعاله بحسبها وكان علم موسى علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم .