Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 74-76)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } في البخاري قال يَعْلَى قال سعيد : وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ، { قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } لم تعمل بالحِنْثِ . وفي الصحيحين وصحيح الترمذي : ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله ، قال له موسى : { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } قال : وهذه أشد من الأولى . { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } . لفظ البخاري : وفي « التفسير » : إن الخضر مرّ بغلمان يلعبون فأخذ بيده غلاماً ليس فيهم أضوأ منه ، وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دَمَغه ، فقتله . قال أبو العالية : لم يره إلا موسى ، ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام . قلت : ولا اختلاف بين هذه الأحوال الثلاثة ، فإنه يحتمل أن يكون دَمَغه أوّلاً بالحجر ، ثم أضجعه فذبحه ، ثم اقتلع رأسه والله أعلم بما كان من ذلك وحسبك بما جاء في الصحيح . وقرأ الجمهور : « زَاكِيَةً » بالألف . وقرأ الكوفيون وابن عامر « زَكِيَّةً » بغير ألف وتشديد الياء قيل : المعنى واحد قاله الكسائي . وقال ثعلب : الزكية أبلغ . قال أبو عمرو : الزاكية التي لم تذنب قط ، والزكية التي أذنبت ثم تابت . قوله تعالى : « غلاماً » اختلف العلماء في الغلام هل كان بالغاً أم لا ؟ فقال الكلبي : كان بالغاً يقطع الطريق بين قريتين ، وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين ، وأمه من عظماء القرية الأخرى ، فأخذه الخضر فصرعه ، ونزع رأسه عن جسده . قال الكلبي : واسم الغلام شمعون . وقال الضحاك : حيْسون . وقال وهب : اسم أبيه سلاس واسم أمه رُحْمَى . وحكى السهيليّ أن اسم أبيه كازير واسم أمه سهوى . وقال الجمهور : لم يكن بالغاً ولذلك قال موسى زاكية لم تذنب . وهو الذي يقتضيه لفظ الغلام فإن الغلام في الرجال يقال على من لم يبلغ ، وتقابله الجارية في النساء . وكان الخضر قتله لِما علم من سِرّه ، وأنه طُبع كافراً كما في صحيح الحديث ، وأنه لو أدرك لأرهق أبويه كفراً . وقتلُ الصغير غير مستحيل إذا أذن الله في ذلك فإن الله تعالى الفعّال لما يريد ، القادر على ما يشاء . وفي كتاب « العرائس » إن موسى لما قال للخضر : « أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً » الآية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر ، وقشر اللحم عنه ، وإذا في عظم كتفه مكتوب : كافر لا يؤمن بالله أبداً . وقد احتج أهل القول الأوّل بأن العرب تبقي على الشاب اسم الغلام ، ومنه قول ليلى الأخيلية : @ شَفَاها من الدَّاءِ العُضالِ الذِي بِها غُلام إذا هَزَّ القَنَاةَ سَقَاهَا @@ وقال صفوان لحسان : @ تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيفِ عَنِّي فإنَّني غُلاَمٌ إذا هُوجِيتُ لَسْتُ بشاعِر @@ وفي الخبر : إن هذا الغلام كان يفسد في الأرض ، ويقسم لأَبويه أنه ما فعل ، فيقسمان على قسمه ، ويحميانه ممن يطلبه ، قالوا وقوله : « بِغَيْرِ نَفْسٍ » يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس ، وهذا يدل على كبرَ الغلام ، وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ، وإنما جاز قتله لأنه كان بالغاً عاصياً . قال ابن عباس : كان شاباً يقطع الطريق . وذهب ابن جبير إلى أنه بلغ سنّ التكليف لقراءة أبيّ وابن عباس « وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين » والكفر والإيمان من صفات المكلَّفين ، ولا يطلق على غير مكلَّف إلا بحكم التبعية لأبويه ، وأبوا الغلام كانا مؤمنين بالنص فلا يصدق عليه اسم الكافر إلا بالبلوغ ، فتعين أن يصار إليه . والغلام من الاغتلام وهو شدة الشَّبَق . قوله تعالى : { نُّكْراً } اختلف الناس أيهما أبلغ « إمراً » أو قوله « نكراً » فقالت فرقة : هذا قَتلٌ بيِّن ، وهناك مُترقَّب فـ « ـنكرا » أبلغ ، وقالت فرقة : هذا قَتلُ واحدٍ وذاك قتلُ جماعة فـ « إمرا » أبلغ . قال ابن عطية : وعندي أنهما لمعنيين وقوله : « إِمراً » أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم ، و « نُكْراً » بيّن في الفساد لأن مكروهه قد وقع وهذا بيّن . قوله : { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي } شرط وهو لازم ، والمسلمون عند شروطهم ، وأحقّ الشروط أن يُوفَّى به ما التزمه الأنبياء ، والتُزِم للأنبياء . وقوله : { قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } يدل على قيام الاعتذار بالمرة الواحدة مطلقاً ، وقيامِ الحجة من المرة الثانية بالقطع قاله ابن العربي . ابن عطية : ويشبه أن تكون هذه القصة أيضاً أصلاً للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة ، وأيام المتلوّم ثلاثة فتأمله . قوله تعالى : { فَلاَ تُصَاحِبْنِي } كذا قرأ الجمهور أي تتابعني . وقرأ الأعرج « تَصْحَبَنِّي » بفتح التاء والباء وتشديد النون . وقرىء « تَصْحَبْنِي » أي تتبعني . وقرأ يعقوب « تُصْحِبْنِي » بضم التاء وكسر الحاء ورواها سهل عن أبي عمرو قال الكسائي : معناه فلا تتركني أصحبك . { قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } أي بلغت مبلغاً تُعذر به في ترك مصاحبتي . وقرأ الجمهور : « مِنْ لَدُنِّي » بضم الدال ، إلا أن نافعاً وعاصماً خفّفا النون ، فهي « لدن » اتصلت بها ياء المتكلم التي في غلامي وفرسي ، وكُسر ما قبل الياء كما كُسر في هذه . وقرأ أبو بكر عن عاصم « لَدْنِي » بفتح اللام وسكون الدال وتخفيف النون . وروي عن عاصم « لُدْنِي » بضم اللام وسكون الدال قال ابن مجاهد : وهي غلط قال أبو علي : هذا التغليط يشبه أن يكون من جهة الرواية ، فأما على قياس العربية فهي صحيحة . وقرأ الجمهور « عُذْراً » . وقرأ عيسى « عُذُراً » بضم الذال . وحكى الداني أن أبيًّا روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم « عُذْرِي » بكسر الراء وياء بعدها . مسألة : أسند الطبريّ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه ، فقال يوماً : " رحمة الله علينا وعلى موسى لو صَبَر على صاحبه لرأى العجب ولكنه قال : { فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } " والذي في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عَجَّل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذَمَامة ولو صَبَر لرأى العجب " قال : وكان إذا ذَكَر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه : رحمة الله علينا وعلى أخي كذا . وفي البخاري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يرحم الله موسى لودِدْنَا أنه صَبَر حتى يقص علينا من أمرهما " الذَّمامة بالذال المعجمة المفتوحة ، وهو بمعنى المَذَمَّة بفتح الذال وكسرها ، وهي الرقة والعار من تلك الحرمة : يقال أخذتني منك مَذَمَّة ومَذِمَّة وذَمَامة . وكأنه استحيا من تكرار مخالفته ، ومما صدر عنه من تغليظ الإنكار .