Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 71-73)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا } فيه مسألتان : الأولى : في صحيح مسلم والبخاري : فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرّت سفينة فكلّموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نَوْل ، فلما ركبا في السفينة لم يَفْجأ موسى إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقَدُوم ، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نَوْل عَمَدْتَ إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وكانت الأولى من موسى نِسياناً " قال : وجاء عصفور فوقع على حَرْف السفينة فَنقَر نَقْرة في البحر ، فقال له الخضر : ما عِلمي وعِلمك من علم الله إلا مثل ما نَقَص هذا العصفورُ من هذا البحر . قال علماؤنا : حَرْف السفينة طرفها وحَرْف كل شيء طرفه ، ومنه حرْف الجبل وهو أعلاه المحدّد . والعِلم هنا بمعنى المعلوم ، كما قال : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ } [ البقرة : 255 ] أي من معلوماته ، وهذا من الخضر تمثيل أي معلوماتي ومعلوماتك لا أثر لها في علم الله ، كما أن ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر لا أثر له بالنسبة إلى ماء البحر ، وإنما مثّل له ذلك بالبحر لأنه أكثر ما يشاهده مما بين أيدينا ، وإطلاق لفظ النقص هنا تجوّز قصد به التمثيل والتفهيم ، إذ لا نقص في علم الله ، ولا نهاية لمعلوماته . وقد أوضح هذا المعنى البخاري فقال : والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر . وفي « التفسير » عن أبي العالية : لم ير الخضر حين خرق السفينة غيرُ موسى وكان عبداً لا تراه إلا عين من أراد الله له أن يريه ، ولو رآه القوم لمنعوه من خرق السفينة . وقيل : خرج أهل السفينة إلى جزيرة ، وتخلف الخضر فخرق السفينة . وقال ابن عباس : لما خرق الخضر السفينة تنحى موسى ناحية ، وقال في نفسه : ما كنت أصنع بمصاحبة هذا الرجل ! كنت في بني إسرائيل أتلو كتاب الله عليهم غدوة وعشيّة فيطيعوني ! قال له الخضر : يا موسى أتريد أن أخبرك بما حدّثتَ به نفسك ؟ قال : نعم . قال كذا وكذا . قال : صدقت ذكره الثعلبي في كتاب « العرائس » . الثانية : في خرق السفينة دليل على أن للوليّ أن ينقص مال اليتيم إذا رآه صلاحاً ، مثل أن يخاف على رَيْعه ظالماً فيخرّب بعضَه . وقال أبو يوسف : يجوز للوليّ أن يصانع السلطان ببعض مال اليتيم عن البعض . وقرأ حمزة والكسائي « لِيَغْرَقَ » بالياء « أَهْلُهَا » بالرفع فاعل يغرَق ، فاللام على قراءة الجماعة في « لُتغرِقَ » لام المآل مثل { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] . وعلى قراءة حمزة لام كي ، ولم يقل لتغرقني لأن الذي غلب عليه في الحال فرط الشفقة عليهم ، ومراعاة حقهم . و « إِمْراً » معناه عجباً قاله القتبيّ . وقيل : منكَراً قاله مجاهد . وقال أبو عبيدة : الإمر الداهية العظيمة وأنشد : @ قد لَقِيَ الأقرانُ مِنِّي نُكْرَا داهِيةً دَهْيَاءَ إدًّا إِمْرَا @@ وقال الأخفش : يقال أَمِرَ أَمْرُهُ يَأْمَر أَمْراً إذا اشتدّ ، والاسم الإِمْر . قوله تعالى : { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } في معناه قولان : أحدهما : يروى عن ابن عباس ، قال : هذا من معاريض الكلام . والآخر : أنه نسي فاعتذر ففيه ما يدل على أن النسيان لا يقتضي المؤاخذة ، وأنه لا يدخل تحت التكليف ، ولا يتعلق به حكم طلاق ولا غيره وقد تقدّم . ولو نسي في الثانية لاعتذر .