Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 7-10)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الكلام حذف أي فاستجاب الله دعاءه فقال : { يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } فتضمنت هذه البشرى ثلاثة أشياء : أحدها : إجابة دعائه وهي كرامة . الثاني : إعطاؤه الولد وهو قوة . الثالث : أن يفرد بتسميته وقد تقدّم معنى تسميته بيحيى في « آل عمران » . وقال مقاتل : سماه يحيـى لأنه حَيِي بين أب شيخ وأم عجوز وهذا فيه نظر لما تقدم من أن امرأته كانت عقيماً لا تلد . والله أعلم . قوله تعالى : { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } أي لم نسمّ أحداً قبل يحيـى بهذا الاسم قاله ابن عباس وقتادة وابن أسلم والسدي . ومَنَّ عليه تعالى بأن لم يَكِل تسميته إلى الأبوين . وقال مجاهد وغيره : { سَمِيّاً } معناه مثلاً ونظيراً ، وهو مثل قوله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] معناه مثلاً ونظيراً وهذا كأنه من المساماة والسموّ وهذا فيه بعد لأنه لا يفضّل على إبراهيم وموسى اللهم إلا أن يفضّل في خاص كالسؤدد والحصر حسب ما تقدّم بيانه « في آل عمران » . وقال ابن عباس أيضاً : معناه لم تلد العواقر مثله ولداً . وقيل : إن الله تعالى اشترط القَبْل ، لأنه أراد أن يخلق بعده أفضل منه وهو محمد صلى الله عليه وسلم . وفي هذه الآية دليل وشاهد على أن الأسامي السُّنُع جديرة بالأثرة ، وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية لكونها أنبه وأنزه عن النبز حتى قال قائل : @ سُنُعُ الأسَامِي مُسْبِلِي أُزُر حُمْرٍ تَمَسُّ الأرضَ بالهُدبِ @@ وقال رؤبة للنسابة البكري وقد سأله عن نسبه : أنا ابن العَجَّاج فقال : قَصَّرتَ وعَرَّفتَ . قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } ليس على معنى الإنكار لما أخبر الله تعالى به ، بل على سبيل التعجب من قدرة الله تعالى أن يخرج ولداً من امرأة عاقر وشيخ كبير . وقيل : غير هذا مما تقدّم في « آل عمران » بيانه . { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } يعني النهاية في الكبر واليبس والجفاف ومثله العُسِي قال الأصمعيّ : عَسَا الشيءُ يَعسُ عُسوًّا وعَسَاء ممدود أي يَبِس وصَلُب ، وقد عسا الشيخُ يَعسو عُسِيّا وَلَّى وكَبِرَ مثل عَتَا يقال : عَتَا الشيخُ يَعتو عُتياً وعِتيًّا كبر وولّى ، وعتوت يا فلان تعتو عتواً وعتِياً . والأصل عتوّ لأنه من ذوات الواو ، فأبدلوا من الواو ياء لأنها أختها وهي أخفّ منها ، والآيات على الياءات ، ومن قال : « عِتِيًّا » كره الضمة مع الكسرة والياء وقال الشاعر : @ إنما يُعذَرُ الوليدُ ولا يُعْــذَرُ من كان في الزّمان عِتِيَّا @@ وقرأ ابن عباس « عُسِيًّا » وهو كذلك في مصحف أبيّ . وقرأ يحيـى بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص « عِتِيا » بكسر العين وكذلك « جِثيا » و « صِلِيا » حيث كن . وضم حفص « بُكِيًّا » خاصة ، وكذلك الباقون في الجميع ، وهما لغتان . وقيل : « عِتيا » قَسِيّا يقال : ملك عاتٍ إذا كان قاسي القلب . قوله تعالى : { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي قال له الملَك « كذلك قال ربك » والكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك أي كما قيل لك : « هو عليّ هين » . قال الفراء : خَلْقه عليّ هيِّن . { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ } أي من قبل يحيـى . وهذه قراءة أهل المدينة والبصرة وعاصم . وقرأ سائر الكوفيين « وَقَدْ خَلَقْنَاكَ » . بنون وألف بالجمع على التعظيم . والقراءة الأولى أشبه بالسواد . { وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } أي كما خلقك الله تعالى بعد العدم ولم تك شيئاً موجوداً ، فهو القادر على خلق يحيـى وإيجاده . قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً } طلب آية على حملها بعد بشارة الملائكة إياه ، وبعد قول الله تعالى : { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } زيادة طمأنينة أي تمم النعمة بأن تجعل لي آية ، وتكون تلك الآية زيادة نعمة وكرامة . وقيل : طلب آية تدله على أن البشرى منه بيحيـى لا من الشيطان لأن إبليس أوهمه ذلك . قاله الضحاك وهو معنى قول السدي وهذا فيه نظر لإخبار الله تعالى بأن الملائكة نادته حسب ما تقدّم في « آل عمران » { قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } تقدّم في « آل عمران » بيانه فلا معنى للإعادة .