Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 120-120)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } . فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } المعنى : ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا ، بل لو أتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك ، وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلام وٱتبّاعهم . يقال : رضِيَ يَرْضَى رِضاً ورُضاً ورِضْواناً ورُضْوانَا ومَرْضاة وهو من ذوات الواو ويقال في التثنية : رِضَوَانِ ، وحكى الكسائي : رِضَيَانِ . وحُكي رضاء ممدود ، وكأنه مصدر راضي يراضي مُرَاضاة ورِضاءً . و « تَتَّبِعَ » منصوب بأن ولكنها لا تظهر مع حتى قاله الخليل . وذلك أن حتى خافضة للاسم كقوله : { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } [ القدر : 5 ] وما يعمل في الاسم لا يعمل في الفعل ألْبَتّةَ ، وما يخفض ٱسماً لا ينصب شيئاً . وقال النحاس : « تَتَّبِعَ » منصوب بحتى ، و « حتى » بدل من أن . والمِلة : ٱسم لما شرعه الله لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله . فكانت المِلّة والشريعة سواء فأمّا الدِّين فقد فرّق بينه وبين المِلّة والشريعة فإن المِلّة والشريعة ما دعا اللَّهُ عبادَه إلى فعله ، والدِّين ما فعله العباد عن أمره . الثانية : تمسك بهذه الآية جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وداود وأحمد بن حنبل على أن الكفر كله ملة واحدة لقوله تعالى : { مِلَّتَهُمْ } فوحّد المِلّة ، وبقوله تعالى : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 6 ] ، وبقوله عليه السلام : " لا يتوارث أهل مِلَّتين " على أن المراد به الإسلام والكفر ، بدليل قوله عليه السلام : " لا يرث المسلم الكافر " وذهب مالك وأحمد في الرواية الأخرى إلى أن الكفر مِللٌ ، فلا يرث اليهوديّ النصرانيّ ، ولا يرثان المجوسيّ أخذا بظاهر قوله عليه السلام : " لا يتوارث أهل مِلّتين " وأما قوله تعالى : « مِلّتهم » فالمراد به الكثرة وإن كانت موحدة في اللفظ بدليل إضافتها إلى ضمير الكثرة كما تقول : أخذت عن علماء أهل المدينة مثلاً عِلْمَهم ، وسمعت عليهم حديثهم يعني علومهم وأحاديثهم . قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } المعنى ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الحق الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهُدَى الحقيقي ، لا ما يدّعيه هؤلاء . قوله تعالى : { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ } الأهواء جمع هَوًى كما تقول : جمل وأجمال ، ولمّا كانت مختلفة جمعت ولو حُمل على أفراد المِلّة لقال هواهم . وفي هذا الخطاب وجهان : أحدهما : أنه للرسول ، لتوجّه الخطاب إليه . والثاني : أنه للرسول والمراد به أمّته وعلى الأوّل يكون فيه تأديب لأمّته ، إذ منزلتهم دون منزلته . وسبب الآية أنهم كانوا يسألون المسالمة والهُدنة ، ويَعِدُون النبيّ صلى الله عليه وسلم بالإسلام فأعلمه الله أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع مِلّتهم ، وأمره بجهادهم . قوله تعالى : { مِنَ ٱلْعِلْمِ } سُئل أحمد ابن حنبل عمن يقول : القرآن مخلوق فقال : كافر فقيل : بِمَ كفَّرته ؟ فقال : بآيات من كتاب الله تعالى : { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } [ البقرة : 145 ] والقرآن من علم الله . فمن زعم أنه مخلوق فقد كفر .