Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 19-19)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } قال الطبري : « أو » بمعنى الواو وقاله الفرّاء . وأنشد : @ وقد زَعَمتْ ليْلَى بأنِّيَ فاجرٌ لنفسي تُقَاها أو عليها فُجورها @@ وقال آخر : @ نَال الخلافةَ أو كانت له قَدَراً كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ @@ أي وكانت . وقيل : « أو » للتخيير أي مثّلوهم بهذا أو بهذا ، لا على الاقتصار على أحد الأمرين ، والمعنى أو كأصحاب صَيِّب . والصَّيِّبُ : المطر . وٱشتقاقه من صَابَ يَصُوبُ إذا نزل قال عَلْقَمة : @ فلا تَعْدِلي بَيني وبين مُغَمَّرٍ سَقَتكِ رَوايا المُزْنِ حيث تَصُوبُ @@ وأصله : صَيْوب ، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت كما فعلوا في ميّت وسيّد وهيّن وليّن . وقال بعض الكوفيين : أصله صَوِيب على مثال فعِيل . قال النحاس : « لو كان كما قالوا لما جاز إدغامه ، كما لا يجوز إدغام طويل . وجمع صيب صيايب . والتقدير في العربية : مَثَلهم كَمَثل الذي ٱستوقد ناراً أو كمثل صيب » . قوله تعالى : { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } السماء تذكّر وتؤنث ، وتجمع على أسميةٍ وسموات وسُمِيّ ، على فُعُول قال العجاج : @ تَلُفُّه الرياحُ والسُّمِيُّ @@ والسماء : كل ما علاك فأظلّك ومنه قيل لسقف البيت : سماء . والسماء : المطر سُمّيَ به لنزوله من السماء . قال حسان بن ثابت : @ ديارٌ من بني الحَسْحاسِ قَفْرٌ تُعَفِّيها الروامِسُ والسماء @@ وقال آخر : @ إذا سَقَط السماءُ بأرض قومٍ رَعَيناه وإن كانوا غِضابَا @@ ويسمّى الطين والكلا أيضاً سماء يقال : ما زِلْنا نطأ السماء حتى أتيناكم . يريدون الكلأ والطين . ويقال لظهر الفرس أيضاً سماء لعلوّه قال : @ وأحمرُ كالدّيباج أمّا سماؤه فَرَيّا وأمّا أرضُه فمُحُولُ @@ والسماء : ما علا . والأرض : ما سفل على ما تقدّم . قوله تعالى : { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ٱبتداء وخبر . { وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } معطوف عليه . وقال : ظلمات بالجمع إشارة إلى ظُلْمة الليل وظُلْمة الدَّجْن ، وهو الغيم ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت . وقد مضى ما فيه من اللغات فلا معنى للإعادة ، وكذا كل ما تقدّم إن شاء الله تعالى . وٱختلف العلماء في الرعد ففي الترمذي عن ٱبن عباس قال : " سألتِ اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو ؟ قال : « مَلك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله » . فقالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال : « زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر الله » قالوا : صدقت " الحديث بطوله . وعلى هذا التفسير أكثر العلماء . فالرعد : ٱسم الصوت المسموع ، وقاله عليّ رضي الله عنه ، وهو المعلوم في لغة العرب وقد قال لبِيد في جاهليته : @ فَجّعَني الرعدُ والصواعقُ بالـ ـفارِسِ يومَ الكريهةِ النَّجِدِ @@ وروي عن ٱبن عباس أنه قال : الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوّت ذلك الصوت . وٱختلفوا في البرق فروي عن عليّ وٱبن مسعود وٱبن عباس رضوان الله عليهم : البرق مخراق حديد بيد المَلَك يسوق به السحاب . قلت : وهو الظاهر من حديث الترمذي . وعن ٱبن عباس أيضاً : هو سوط من نور بيد المَلَك يزجر به السحاب . وعنه أيضاً : البرق مَلَك يتراءى . وقالت الفلاسفة : الرعد صوت ٱصطكاك أجرام السحاب . والبرق ما ينقدح من ٱصطكاكها . وهذا مردود لا يصح به نقل والله أعلم . ويقال : أصل الرعد من الحركة ومنه الرِّعديد للجبان . وٱرتعد : ٱضطرب ومنه الحديث : " فجِيءَ بهما تُرْعَدُ فَرَائصهما " الحديث . أخرجه أبو داود . والبرق أصله من البريِق والضوء ومنه البُرَاق : دابّة ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسرِيَ به وركبها الأنبياء عليهم السلام قبله . ورَعَدت السماء من الرعد ، وبَرَقت من البرق . وَرَعَدت المرأة وبَرَقت : تحسّنت وتزينّت . ورَعَد الرجل وبَرَق : تهدّد وأوعد قال ٱبن أحمر : @ يا جُلَّ ما بَعُدَتْ عليك بِلادُنا وطِلابُنا فٱبرُقْ بأرضِك وٱرعُدِ @@ وأَرعد القوم وأبرقوا : أصابهم رعد وبرق . وحكى أبو عبيدة وأبو عمرو : أرعدت السماء وأبرقت ، وأرعد الرجل وأبرق إذا تهدّد وأوعد وأنكره الأصمعي . وٱحتج عليه بقول الكُمَيْت : @ أبرِق وأرعِد يا يزيـ ـدُ فما وعيدُكَ لي بِضائرْ @@ فقال : ليس الكُمَيت بحجة . فائدة : روى ٱبن عباس قال : كنا مع عمر بن الخطاب في سَفْرة بين المدينة والشام ومعنا كعب الأحبار ، قال فأصابتنا ريح وأصابنا رعد ومطر شديد وبرد ، وفَرِق الناس . قال فقال لي كعب : إنه من قال حين يسمع الرعد : سبحانَ من يسبِّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته عُوفي مما يكون في ذلك السحاب والبرد والصواعق . قال : فقلتها أنا وكعب ، فلما أصبحنا وٱجتمع الناس قلت لعمر : يا أمير المؤمنين ، كأنا كنا في غير ما كان فيه الناس . قال : وما ذاك ؟ قال : فحدّثته حديث كعب . قال : سبحان الله ! أفلا قلتم لنا فنقول كما قلتم ! في رواية فإذا بَرَدة قد أصابت أنف عمر فأثّرَت به . وستأتي هذه الرواية في سورة « الرعد » إن شاء الله . ذكر الروايتين أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب في روايات الصحابة عن التابعين رحمة الله عليهم أجمعين . " وعن ٱبن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال : « اللَّهُمّ لا تقتلنا بغضبك ولا تُهْلكنا بعذابك وعافِنا قبل ذلك » " قوله تعالى : { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } جعلهم أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فيؤمنوا به وبمحمد عليه السلام وذلك عندهم كفر والكفر موت . وفي واحد الأصابع خمس لغات : إصْبَع بكسر الهمزة وفتح الباء ، وأَصْبِع بفتح الهمزة وكسر الباء ، ويقال بفتحهما جميعاً ، وضمهما جميعاً ، وبكسرهما جميعاً وهي مؤنثة . وكذلك الأذن وتخفّف وتثقّل وتصغّر ، فيقال : أذينة . ولو سّميت بها رجلاً ثم صغّرته قلت : أُذيْن فلم تؤنث لزوال التأنيث عنه بالنقل إلى المذكر . فأما قولهم : أذينة في الاسم العَلم فإنما سُمّي به مصغّراً ، والجمع آذان . وتقول : أَذَنته إذا ضربت أذنه . ورجل أُذُنٌ : إذا كان يسمع كلام كل أحد ، يستوي فيه الواحد والجمع . وأذانِيّ : عظيم الأذنين . ونعجة أَذْناء ، وكَبْش آذَن . وأذّنت النعل وغيرَها تأذينا : إذا جعلت لها أُذُناً . وأذّنت الصبيّ : عَرَكت أذنه . قوله تعالى : { مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } أي من أجل الصواعق . والصّواعق جمع صاعقة . قال ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما : إذا ٱشتدّ غضب الرعد الذي هو المَلَك طار النار مِن فِيهِ وهي الصواعق . وكذا قال الخليل ، قال : هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد ، يكون معها أحياناً قطعة نار تحرق ما أتت عليه . وقال أبو زيد : الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد . وحكى الخليل عن قوم : الساعقة بالسين . وقال أبو بكر النقاش : يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنىً واحد . وقرأ الحسن : من « الصواقع » بتقديم القاف ومنه قول أبي النَّجْم : @ يَحْكُون بالمَصْقُولة القواطِعِ تَشَقُّقَ البَرْقِ عن الصّواقِعِ @@ قال النحاس : وهي لغة تميم وبعض بني ربيعة . ويقال : صَعَقتهم السماء إذا ألقت عليهم الصاعقة . والصاعقة أيضاً صيحة العذاب قال الله عز وجل : { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } [ فصلت : 17 ] . ويقال : صَعِق الرجلُ صَعْقةً وتَصْعاقاً أي غُشِيَ عليه ومنه قوله تعالى : { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] فأصعقه غيره . قال ٱبن مُقْبِل : @ ترى النُّعَرات الزُّرْقَ تحت لَبانِهِ أُحادَ ومَثْنَى أَصْعَقَتْها صَواهِلُهُ @@ وقوله تعالى : { فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 68 ] أي مات . وشبّه الله تعالى في هذه الآية أحوال المنافقين بما في الصَّيِّب من الظلمات والرعد والبرق والصواعق . فالظلمات مَثَلٌ لما يعتقدونه من الكفر ، والرعد والبرق مَثَلٌ لما يُخَوَّفون به . وقيل : مَثَّل الله تعالى القرآن بالصَّيّب لما فيه من الإشكال عليهم ، والعمى هو الظلمات وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد ، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أحياناً أن تَبْهَرهم هو البرق . والصواعق مَثَلٌ لما في القرآن من الدعاء إلى القتال في العاجل والوعيد في الآجل . وقيل : الصواعق تكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة وغيرهما . قوله : { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } حَذَرَ وحِذَارَ بمعنىً وقرىء بهما . قال سيبويه : هو منصوب لأنه موقوع له أي مفعول من أجله وحقيقته أنه مصدر وأنشد سيبويه : @ وأغْفِرُ عَوْرَاءَ الكريم ٱدّخارَه وأعْرِض عن شَتِم اللئيم تَكَرُّما @@ وقال الفراء : هو منصوب على التمييز . والموت : ضدّ الحياة . وقد مات يموت ويَمات أيضاً قال الراجز : @ بُنَيّتي سَيّدةَ الَبناتِ عِيشي ولا يُؤْمَن أن تَماتِي @@ فهو ميِّت وميْت ، وقوم موتى وأموات وميِّتون وميْتون . والمُوَات بالضم الموت . والمَوَات بالفتح : ما لا رُوح فيه . والمَوات أيضاً : الأرض التي لا مالك لها من الآدميين ولا ينتفع بها أحد . والمَوَتان بالتحريك : خلاف الحيوان يقال : ٱشْترِ المَوَتانَ ، ولا تشتر الحيوان ، أي ٱشتر الأرضين والدور ، ولا تشتر الرقيق والدواب . والمُوْتان بالضم : مَوْتٌ يقع في الماشية يقال : وقع في المال مُوتان . وأماته الله وموَّته شُدّد للمبالغة . وقال : @ فَعُرْوةُ مات مَوتاً مستريحاً فهأنذا أُمَوَّتُ كلَّ يومِ @@ وأماتت الناقة إذا مات ولدها ، فهي مُمِيت ومُميتة . قال أبو عبيد : وكذلك المرأة ، وجمعها مَماوِيت . قال ٱبن السِّكيت : أمات فلان إذا مات له ٱبنٌ أو بَنُونَ . والمُتَماوِت من صفة الناسك المرائي . وموت مائتٌ ، كقولك : ليلٌ لائِلٌ يؤخذ من لفظه ما يؤكّد به . والمُسْتَمِيتُ للأمر : المُسْتَرسِلُ له قال رُؤبة : @ وزَبَدُ البحرِ له كَتِيت واللّيل فوق الماءِ مُسْتَمِيت @@ المستميت أيضاً : المستقتلِ الذي لا يبالي في الحرب من الموت وفي الحديث : " أرى القوم مُسْتَمِيتين " وهم الذين يقاتلون على الموت . والمُوتة بالضم : جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالنائم والسكران . ومُؤْتة بضم الميم وهمز الواو : ٱسم أرض قُتل بها جعفر بن أبي طالب عليه السلام . قوله تعالى : { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ } ٱبتداء وخبر أي لا يفوتونه . يقال : أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذاً حاصراً من كل جهة قال الشاعر : @ أحطنا بهم حتى إذا ما تَيَقّنُوا بما قد رأوْا مالوا جميعاً إلى السِّلْمِ @@ ومنه قوله تعالى : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [ الكهف : 42 ] . وأصله مُحِيْط ، نُقلت حركة الياء إلى الحاء فسكّنت . فالله سبحانه محيط بجميع المخلوقات ، أي هي في قبضته وتحت قهره كما قال : { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ الزمر : 67 ] . وقيل : { مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ } [ البقرة : 19 ] أي عالم بهم . دليله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَا } [ الطلاق : 12 ] . وقيل : مهلكهم وجامعهم . دليله قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] أي إلا أن تهلكوا جميعاً . وخص الكافرين بالذكر لتقدّم ذكرهم في الآية . والله أعلم .