Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 20-20)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } « يكاد » معناه يقارب يقال : كاد يفعل كذا إذا قارب ولم يفعل . ويجوز في غير القرآن : يكاد أن يفعل كما قال رؤُبة : @ قد كاد من طُول البِلَى أن يَمْصَحا @@ مشتق من المصح وهو الدرس . والأجود أن تكون بغير « أن » لأنها لمقاربة الحال ، و « أن » تَصرف الكلام إلى الاستقبال ، وهذا متناف قال الله عز وجل : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } [ النور : 43 ] . ومن كلام العرب : كاد النعام يطير ، وكاد العروس يكون أميراً لقربهما من تلك الحال . وكاد فعلٌ متصرف على فَعِل يَفْعَل . وقد جاء خبره بالاسم وهو قليل ، قال : « وَمَا كِدْتُ آئِبا » . ويجري مجرى كاد كَرِب وجَعَل وقارب وطَفِق ، في كون خبرها بغير « أن » قال الله عز وجل : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 22 ] لأنها كلها بمعنى الحال والمقاربة والحال لا يكون معها « أن » ، فٱعلم . قوله تعالى : { يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } الخطف : الأخذ بسرعة ومنه سُمّيَ الطير خُطّافاً لسرعته . فمن جعل القرآن مَثَلاً للتخويف فالمعنى أنّ خَوْفهم مما ينزل بهم يكاد يُذهب أبصارهم . ومن جعله مَثَلاً للبيان الذي في القرآن فالمعنى أنهم جاءهم من البيان ما بهرهم . ويَخْطَف ويَخْطِف لغتان قرىء بهما . وقد خطِفه بالكسر يَخْطَفُه خَطْفاً ، وهي اللغة الجيدة ، واللغة الأخرى حكاها الأخفش : خَطَف يَخْطِف . الجوهري : وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف . وقد قرأ بها يونس في قوله تعالى : { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفُ أَبْصَارَهُمْ } . وقال النحاس : في « يخطف » سبعة أوجه القراءة الفصيحة : يَخْطَف . وقرأ عليّ بن الحسين ويحيى بن وَثّاب : يخطِف بكسر الطاء قال سعيد الأخفش : هي لغة . وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجَحْدَرِيّ وأبو رجاء العُطَارِدي بفتح الياء وكسرِ الخاء والطاء . ورُوِي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بفتح الخاء . قال الفراء : وقرأ بعض أهل المدينة بإسكان الخاء وتشديد الطاء . قال الكسائي والأخفش والفراء : يجوز « يخطِف » بكسر الياء والخاء والطاء . فهذه ستة أوجه موافقة للخط . والسابعة حكاها عبد الوارث قال : رأيت في مصحف أبيّ بن كعب « يتخطف » ، وزعم سيبويه والكسائي أن من قرأ « يخطِف » بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده يختطِف ، ثم أدغم التاء في الطاء فٱلتقى ساكنان فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين . قال سيبويه : ومن فتح الخاء ألقى حركة التاء عليها . وقال الكسائي : ومن كسر الياء فلأن الألف في ٱختطف مكسورة . فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين . قاله النحاس وغيره . قلت : وروي عن الحسن أيضاً وأبي رجاء « يَخِطَّف » . قال ٱبن مجاهد : وأظنه غلطاً وٱستدل على ذلك بأن { خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } لم يقرأه أحد بالفتح . { أَبْصَارَهُمْ } جمع بَصَر ، وهي حاسة الرؤية . والمعنى : تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تَبْهَرهم . ومن جعل « البَرْق » مَثَلاً للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يُذهب أبصارهم . قوله تعالى : { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } « كلما » منصوب لأنه ظرف . وإذا كان « كلما » بمعنى « إذا » فهي موصولة والعامل فيه « مَشَوْا » وهو جوابه ، ولا يعمل فيه « أضاء » لأنه في صلة ما . والمفعول في قول المبرد محذوف ، التقدير عنده : كلما أضاء لهم البرق الطريقَ . وقيل : يجوز أن يكون فَعَل وأفْعَل بمعنىً ، كَسكَت وأسْكَت فيكون أضاء وضاء سواء فلا يحتاج إلى تقدير حذف مفعول . قال الفراء : يقال ضاء وأضاء ، وقد تقدّم . والمعنى أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنِسُوا ومشَوْا معه ، فإذا نزل من القرآن ما يَعْمَوْنَ فيه ويَضِلون به أو يكلَّفونه « قاموا » ، أي ثبتوا على نفاقهم عن ٱبن عباس . وقيل : المعنى كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت النِّعم قالوا : دِين محمد دينٌ مبارك ، وإذا نزلت بهم مصيبة وأصابتهم شدّة سَخِطوا وثبتوا في نفاقهم عن ٱبن مسعود وقتادة . قال النحاس : وهذا قول حسن ، ويدل على صحته : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ الحج : 11 ] . وقال علماء الصوفية : هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءاً ، فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر ، كأن تضيء عليه أحوال الإرادة لو صححها بملازمة آدابها ، فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله عنه تلك الأنوار وبقي في ظلمات دعاويه لا يبصر طريق الخروج منها . وروِي عن ٱبن عباس أن المراد اليهود ، لمّا نُصِر النبيّ صلى الله عليه وسلم ببَدْر طمِعوا وقالوا : هذا والله النبيّ الذي بشّرنا به موسى لا تردّ له راية فلما نُكِب بأحُد ٱرتدّوا وشَكّوا وهذا ضعيف . والآية في المنافقين ، وهذا أصح عن ٱبن عباس ، والمعنى يتناول الجميع . قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } « لو » حرف تَمَنٍّ وفيه معنى الجزاء وجوابه اللام . والمعنى : ولو شاء الله لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عِزّ الإسلام بالاستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم . وخصّ السمع والبصر لتقدّم ذكرهما في الآية أوّلاً ، أو لأنهما أشرف ما في الإنسان . وقرىء « بأسماعهم » على الجمع وقد تقدّم الكلام في هذا . قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } عموم ، ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه . وأجمعت الأمة على تسمية الله تعالى بالقدير ، فهو سبحانه قدير قادر مقتدر . والقدير أبلغ في الوصف من القادر قاله الزجاجيّ . وقال الهرويّ : والقدير والقادر بمعنىً واحد يقال : قَدَرت على الشيء أقدِرُ قَدْراً وقَدَراً ومَقدِرَة ومَقْدُرة وقُدْرَاناً أي قُدْرة . والاقتدار على الشيء : القدرة عليه . فالله جلّ وعَزّ قادر مقتدر قدير على كل ممكن يقبل الوجود والعدم . فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله تعالى قادر ، له قدرة بها فَعَلَ ويَفْعَل ما يشاء على وَفْق علمه وٱختياره . ويجب عليه أيضاً أن يعلم أن للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على مجرى العادة ، وأنه غير مستبدّ بقدرته . وإنما خص هنا تعالى صفته التي هي القدرة بالذكر دون غيرها لأنه تقدّم ذِكرِ فعْلٍ مُضَمَّنهُ الوعيد والإخافة فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك . والله أعلم . فهذه عشرون آية على عدد الكوفيين أربع آيات في وصف المؤمنين ، ثم تليها آيتان في ذكر الكافرين ، وبقيتها في المنافقين . وقد تقدّمت الرواية فيها عن ٱبن جُرَيج ، وقاله مجاهد أيضاً .