Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-21)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله سبحانه وتعالى : { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } قال علقمة ومجاهد : كل آية أوّلها « يأَيها الناس » فإنما نزلت بمكة ، وكل آية أوّلها « يأَيها الذِين آمنوا » فإنما نزلت بالمدينة . قلت : وهذا يردّه أن هذه السورة والنساء مدنِيّتان وفيهما يأيها الناس . وأما قولهما في « يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » فصحيح . وقال عُرْوة بن الزبير : ما كان من حَدّ أو فريضة فإنه نزل بالمدينة ، وما كان من ذكر الأمم والعذاب فإنه نزل بمكة . وهذا واضح . و « يا » في قوله : « يأَيها » حرف نداء . « أيُّ » منادَى مفرد مبنيّ على الضم لأنه منادى في اللفظ ، و « ها » للتنبيه . « الناسُ » مرفوع صفة لأي عند جماعة النحويين ما عدا المازني فإنه أجاز النصب قياسًا على جوازه في : يا هذا الرجل . وقيل : ضُمّت « أي » كما ضُمّ المقصود المفرد ، وجاءوا بـ « ها » عِوَضًا عن ياء أخرى ، وإنما لم يأتوا بياء لئلا ينقطع الكلام فجاءوا بـ « ها » حتى يبقى الكلام متصلا . قال سيبويه : كأنك كررت « يا » مرتين وصار الاسم بينهما كما قالوا : ها هو ذا . وقيل : لما تعذّر عليهم الجمع بين حرفي تعريف أتوا في الصورة بمنادى مجرّد عن حرف تعريف ، وأجروْا عليه المعرّف باللام المقصود بالنداء ، وٱلتزموا رفعه لأنه المقصود بالنداء فجعلوا إعرابه بالحركة التي كان يستحقها لو باشرها النداء تنبيهاً على أنه المنادى فٱعلمه . وٱخْتُلِفَ من المراد بالناس هنا على قولين : أحدهما : الكفار الذين لم يعبدوه يدل عليه قوله : { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } [ البقرة : 23 ] . الثاني : أنه عام في جميع الناس فيكون خطابه للمؤمنين بٱستدامة العبادة ، وللكافرين بٱبتدائها . وهذا حَسَن . قوله تعالى : { ٱعْبُدُواْ } أمْرٌ بالعبادة له . والعبادة هنا عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه . وأصل العبادة الخضوع والتذلل يقال : طريق مُعَبَّدة إذا كانت موطوءةً بالأقدام . قال طرفة : @ وظِيفاً وظيفا فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ @@ والعبادة : الطاعة . والتعبد : التَّنَسُّك . وعبَّدت فلاناً : ٱتخذته عبداً . قوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } خصّ تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مُقِرّة بأن الله خلقها فذكر ذلك حجةً عليهم وتقريعاً لهم . وقيل : ليذكرهم بذلك نعمته عليهم . وفي أصل الخلق وجهان : أحدهما : التقدير يقال خَلقتُ الأدِيم للسقاء إذا قدّرته قبل القطع قال الشاعر : @ وَلأنتَ تَفْرِي ما خَلقتَ وبعـ ـضُ القوم يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي @@ وقال الحجاج : ما خَلَقْتُ إلاّ فَرَيْتُ ، ولا وَعَدْتُ إلاّ وَفّيْتُ . الثاني : الإنشاء والاختراع والإبداع قال الله تعالى : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } [ العنكبوت : 17 ] . قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } فيقال إذا ثبت عندهم خلقهم ثبت عندهم خلق غيرهم فالجواب : أنه إنما يجري الكلام على التنبيه والتذكير ليكون أبلغ في العظة فذكّرهم مَن قبلهم ليعلموا أن الذي أمات من قبلهم وهو خَلَقهم يميتهم وليفكّروا فيمن مضى قبلهم كيف كانوا ، وعلى أيّ الأمور مضوْا من إهلاك من أهلك وليعلموا أنهم يُبتلون كما ٱبتلُوا . والله أعلم . قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } « لعلّ » متصلة بٱعبدوا لا بخلقكم لأن من ذَرَأه الله لجهنم لم يخلقه ليتّقي . وهذا وما كان مثله فيما ورد في كلام الله تعالى من قوله : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } فيه ثلاثة تأويلات : الأوْل : أن « لَعلّ » على بابها من الترجّي والتوقّع ، والترجّي والتوقّع إنما هو في حيّز البشر فكأنه قيل لهم : ٱفعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع أن تعقلوا وأن تذكروا وأن تتقوا . هذا قول سيبويه ورؤساء اللسان . قال سيبويه في قوله عز وجل : { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طهۤ : 43 44 ] قال معناه : اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكّر أو يخشى . وٱختار هذا القول أبو المعالي . الثاني : أن العرب ٱستعملت « لَعلّ » مجرّدة من الشك بمعنى لام كي . فالمعنى لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا وعلى ذلك يدل قول الشاعر : @ وقلتم لنا كُفُّوا الحروبَ لعلّنا نَكُفُّ ووثّقتم لنا كلّ مَوْثِقِ فلما كففنا الحرب كانت عهودكم كَلَمْعِ سَرابٍ في المَلا مُتَألِّقِ @@ المعنى : كفُّوا الحروب لنكُفّ ، ولو كانت « لعل » هنا شكّاً لم يوثقوا لهم كل موثق وهذا القول عن قُطْرُب والطبري . الثالث : أن تكون « لعل » بمعنى التعرّض للشيء كأنه قيل : ٱفعلوا ذلك متعرّضين لأن تعقلوا ، أو لأن تذكروا أو لأن تتقوا . والمعنى في قوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } : أي لعلكم أن تجعلوا بقبول ما أمركم الله به وقاية بينكم وبين النار . وهذا من قول العرب : ٱتقاه بحقه إذا ٱستقبله به فكأنه جعل دفعه حقه إليه وقاية له من المطالبة ومنه قول عليّ رضي الله عنه : كنا إذا ٱحمرّ البأس ٱتقينا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أي جعلناه وقاية لنا من العدوّ . وقال عنترة :