Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 115-115)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } قرأ الأعمش باختلاف عنه « فَنَسِي » بإسكان الياء وله معنيان : أحدهما : ترك أي تَرَكَ الأمر والعهد وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين ومنه « نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ » . وثانيهما قال ابن عباس : « نسي » هنا من السهو والنسيان ، وإنما أخذ الإنسان من أنه عهد إليه فنسي . قال ابن زيد : نسي ما عهد الله إليه في ذلك ، ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس . وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم عليه السلام في ذلك الوقت مأخوذاً بالنسيان ، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعاً . ومعنى « مِنْ قَبْلُ » أي من قبل أن يأكل من الشجرة لأنه نهي عنها . والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم أي طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم أي إن نَقَضَ هؤلاء العهد فإن آدم أيضاً عهدنا إليه فنسي حكاه القشيري وكذلك الطبري . أي وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ، ويخالفوا رسلي ، ويطيعوا إبليس ، فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم . قال ابن عطية : وهذا التأويل ضعيف ، وذلك كون آدم مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، وآدم إنما عصى بتأويل ، ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم وإنما الظاهر في الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم ألا يعجل بالقرآن ، مثل له بنبيّ قبله عهد إليه فنسي فعوقب ليكون أشد في التحذير ، وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم والعهد هاهنا في معنى الوصية « ونسي » معناه ترك ونسيان الذهول لا يمكن هنا لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب . والعزم المضي على المعتقد في أي شيء كان وآدم عليه السلام قد كان يعتقد ألا يأكل من الشجرة لكن لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده . والشيء الذي عهد إلى آدم هو ألا يأكل من الشجرة ، وأعلم مع ذلك أن إبليس عدوّ له . واختلف في معنى قوله : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } فقال ابن عباس وقتادة : لم نجد له صبراً عن أكل الشجرة ، ومواظبة على التزام الأمر . قال النحاس : وكذلك هو في اللغة يقال : لفلان عزم أي صبر وثبات على التحفظ من المعاصي حتى يسلم منها ، ومنه { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] . وعن ابن عباس أيضاً وعطية العوفي : حفظا لما أمر به أي لم يتحفظ مما نهيته حتى نسي ، وذهب عن علم ذلك بترك الاستدلال وذلك أن إبليس قال له : إن أكلتها خُلِّدت في الجنة يعني عين تلك الشجرة ، فلم يطعه فدعاه إلى نظير تلك الشجرة مما دخل في عموم النهي وكان يجب أن يستدل عليه فلم يفعل ، وظنّ أنها لم تدخل في النهي فأكلها تأويلا ، ولا يكون ناسياً للشيء من يعلم أنه معصية . وقال ابن زيد : « عزماً » محافظة على أمر الله . وقال الضحاك : عزيمة أمر . ابن كيسان : إصراراً ولا إضماراً للعود إلى الذنب . قال القشيري : والأول أقرب إلى تأويل الكلام ولهذا قال قوم : آدم لم يكن من أولي العزم من الرسل لأن الله تعالى قال : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } . وقال المُعْظَم : كل الرسل أولو العزم ، وفي الخبر : « ما من نبيّ إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة ما خلا يحيـى بن زكريا » فلو خرج آدم بسبب خطيئته من جملة أولي العزم لخرج جميع الأنبياء سوى يحيـى . وقد قال أبو أمامة : لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة ، ووضعت في كفة ميزان ، ووضع حِلم آدم في كفة أخرى لرجحهم وقد قال الله تبارك وتعالى : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } .