Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 116-119)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } تقدم في « البقرة » مستوفى . { فَقُلْنَا يٰآدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا } نهى ومجازه : لا تقبلا منه فيكون ذلك سبباً لخروجكما { مِنَ ٱلْجَنَّةِ } . { فَتَشْقَىٰ } يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد ولم يقل : فتشقيا لأن المعنى معروف ، وآدم عليه السلام هو المخاطب ، وهو المقصود . وأيضاً لما كان الكادَّ عليها والكاسبَ لها كان بالشقاء أخص . وقيل : الإخراج واقع عليهما والشقاوة على آدم وحده ، وهو شقاوة البدن ألا ترى أنه عقبه بقوله : { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } أي في الجنة { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } فأعلمه أن له في الجنة هذا كله : الكسوة والطعام والشراب والمسكن وأنك إن ضَيَّعت الوصية ، وأطعت العدوّ أخرِجكما من الجنة فشقيت تعباً ونصباً أي جُعْتَ وعريتَ وظَمئتَ وأصابتك الشمس لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة . وإنما خصّه بذكر الشقاء ولم يقل فتشقيان : يعلمنا أن نفقة الزوجة على الزوج فمن يومئذٍ جرت نفقة النساء على الأزواج ، فلما كانت نفقة حواء على آدم كذلك نفقات بناتها على بني آدم بحق الزوجية . وأعلمنا في هذه الآية أن النفقة التي تجب للمرأة على زوجها هذه الأربعة : الطعام والشراب والكسوة والمسكن فإذا أعطاها هذه الأربعة فقد خرج إليها من نفقتها فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور ، فأما هذه الأربعة فلا بد لها منها لأن بها إقامة المهجة . قال الحسن المراد بقوله : « فتشقى » شقاء الدنيا لا يُرى ابنُ آدم إلا ناصباً . وقال الفراء : هو أن يأكل من كَدّ يديه . وقال سعيد بن جبير : أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ، ويمسح العرق عن جبينه ، فهو شقاؤه الذي قال الله تبارك وتعالى . وقيل : لما أهبِط من الجنة كان من أول شقائه أن جبريل أنزل عليه حبات من الجنة فقال : يا آدم ازرع هذا ، فحرث وزرع ، ثم حصد ثم درس ثم نقى ثم طحن ثم عجن ثم خبز ، ثم جلس ليأكل بعد التعب فتدحرج رغيفه من يده حتى صار أسفل الجبل ، وجرى وراءه آدم حتى تعب وقد عرق جبينه ، قال : يا آدم فكذلك رزقك بالتعب والشقاء ، ورزق ولدك من بعدك ما كنت في الدنيا . قوله تعالى : { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا } أي في الجنة { وَلاَ تَعْرَىٰ } . { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا } أي لا تعطش . والظمأ العطش . { وَلاَ تَضْحَىٰ } أي تبرز للشمس فتجد حرّها . إذ ليس في الجنة شمس ، إنما هو ظل ممدود ، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . قال أبو العالية : نهار الجنة هكذا : وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر . قال أبو زيد : ضَحَا الطريقُ يَضْحُو ضُحُوًّا إذا بدا لك وظهر . وضَحَيْتُ وضَحِيتُ بالكسر ضَحاً عرِقت . وضَحِيتُ أيضاً للشمس ضَحاء ممدود بَرزتُ وضَحَيتُ بالفتح مثله ، والمستقبل أَضْحَى في اللغتين جميعاً قال عمر بن أبي ربيعة : @ رَأَتْ رَجُلاً أَيْمَا إذا الشمسُ عَارضَتْ فَيَضْحَى وأمَّا بالعَشِيِّ فَيَخْصَرُ @@ وفي الحديث أن ابن عمر رأى رجلاً محرماً قد استظل ، فقال : أَضْحِ لمن أحرمت له . هكذا يرويه المحدِّثون بفتح الألف وكسر الحاء من أضحيت . وقال الأصمعي : إنما هو اضْحَ لمن أحرمتَ له بكسر الألف وفتح الحاء ، من ضَحِيت أَضْحَى لأنه أمره بالبروز للشمس ومنه قوله تعالى : { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } وأنشد : @ ضَحِيتُ له كَيْ أَستظلَّ بِظلِّهِ إِذا الظلُّ أَضْحَى في القيامة قَالِصا @@ وقرأ أبو عمرو والكوفيون إلا عاصما في رواية أبي بكر عنه « وَأَنَّكَ » بفتح الهمزة عطفاً على « أَلاَّ تَجُوعَ » . ويجوز أن يكون في موضع رفع عطفاً على الموضع ، والمعنى : ولك أنك لا تظمأ فيها . الباقون بالكسر على الاستئناف ، أو على العطف على « إِنَّ لَكَ » .