Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 17-18)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ } قيل : كان هذا الخطاب من الله تعالى لموسى وحيا لأنه قال : { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } ولا بد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوّة نفسه ، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك . ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه ، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد ، وبرهاناً يلقى به قومه . واختلف في « ما » في قوله : « وَمَا تِلْكَ » فقال الزجاج والفراء : هي اسم ناقص وصلت بـ « ـيمينك » أي ما التي بيمينك ؟ وقال الفرّاء أيضاً : « تلك » بمعنى هذه ولو قال : ما ذلك لجاز أي ما ذلك الشيء : ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى : هي عصاي لتثبت الحجّة عليه بعدما اعترف ، وإلاّ فقد علم الله ما هي في الأزل . وقال ابن الجوهري : وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن فقيل له : ألقها لترى منها العجب فتعلم أنه لا مِلك لك عليها ولا تنضاف إليك . وقرأ ابن أبي إسحاق « عَصَيَّ » على لغة هُذيل ومثله « يا بُشْرَيَّ » و « مَحْيَيَّ » وقد تقدّم . وقرأ الحسن « عَصَاي » بكسر الياء لالتقاء الساكنين . ومثل هذا قراءة حمزة : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } [ إبراهيم : 22 ] . وعن ابن أبي إسحاق سكون الياء . الثانية : في هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل لأنه لما قال : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } ذكر معاني أربعة : وهي : إضافة العصا إليه ، وكان حقه أن يقول عصا والتوكؤ والهش ، والمآرب المطلقة . فذكر موسى من منافع عصاه عُظْمها وجمهورها وأجمل سائر ذلك . وفي الحديث " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال : « هو الطَّهورُ ماؤه الحلُّ مَيتته » " . " وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال : « نعم ولك أجر » " ومثله في الحديث كثير . الثالثة : قوله تعالى : { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا } أي أتحامل عليها في المشي والوقوف ومنه الاتكاء . { وَأَهُشُّ بِهَا } « وَأَهِشُّ » أيضاً ذكره النحاس . وهي قراءة النَّخَعي ، أي أخبط بها الورق ، أي أضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها ، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله . قال الراجز : @ أَهُشُّ بالعَصَا على أَغْنامِي من ناعِم الأَراكِ والبَشامِ @@ يقال : هَشَّ على غنمه يَهُشُّ بضم الهاء في المستقبل . وهشَّ إلى الرجل يَهَش بالفتح . وكذلك هشّ للمعروف يَهَشّ وهشِشت أنا : وفي حديث عمر : هشِشْت يوماً فقبَّلت وأنا صائم . قال شِمْر : أي فرحتِ واشتهيت . قال : ويجوز هَاشَ بمعنى هَشَّ . قال الراعي : @ فكبَّرَ للروْيَا وهَاشَ فؤادُهُ وبَشَّرَ نفساً كان قبل يَلُومَها @@ أي طَرب . والأصل في الكلمة الرخاوة . يقال : رجل هَشٌّ وزوج هَشٌّ . وقرأ عكرمة « وأَهُسُّ » بالسين غير معجمة قيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقيل : معناهما مختلف فالهشّ بالإعجام خبط الشجر ، والهس بغير إعجام زَجْر الغنم ذكره الماوردي وكذلك ذكر الزمخشري . وعن عكرمة : « وأَهُسُّ » بالسين أي أنحى عليها زاجراً لها والهَسُّ زَجْر الغنم . الرابعة : قوله تعالى { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } أي حوائج . واحدها مَأْرُبة ومَأْرَبة ومَأْرِبة . وقال « أخرى » على صيغة الواحد لأن مآرب في معنى الجماعة ، لكن المَهْيَع في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد والكناية عنه بذلك فإن ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنثة كقوله تعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] وكقوله : { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } [ سبأ : 10 ] وقد تقدّم هذا في « الأعراف » . الخامسة : تعرض قوم لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس ، قال : إذا انتهيت إلى رأس بئر فقَصُر الرِّشا وصلته بالعَصَا ، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني ، وإذا خفت شيئاً من هوام الأرض قتلته بها ، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة ، وأقاتل بها السباع عن الغنم . وروى عنه ميمون بن مِهْران قال : إمساك العصا سنة للأنبياء ، وعلامة للمؤمن . وقال الحسن البصري : فيها ست خصال سنة للأنبياء ، وزينة الصلحاء ، وسلاح على الأعداء ، وعون للضعفاء ، وغمّ المنافقين ، وزيادة في الطاعات . ويقال : إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان ، ويخشع منه المنافق والفاجر ، وتكون قبلته إذا صلى ، وقوّة إذا أعيا . ولقى الحَجّاجُ أعرابياً فقال : من أين أقبلت يا أَعرابي ؟ قال : من البادية . قال : وما في يدك ؟ قال : عصايَ أَرْكزها لصَلاَتي ، وأعدّها لعِداتي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، وأعتمد بها في مشيتي لتتسع خطوتي ، وأثب بها النهر ، وتؤمنني من العَثْر ، وألقي عليها كسائي فيقيني الحرّ ، ويُدفئني من القرّ ، وتدني إليّ ما بعد مني ، وهي مَحْمِل سُفْرتي ، وعلاقة إداوتي أعصِي بها عند الضِّراب ، وأقرع بها الأبواب ، وأتّقي بها عَقور الكلاب وتنوب عن الرمح في الطّعان ، وعن السيف عند منازلة الأقران ورثتها عن أبي ، وأورِّثها بعدي ابني وأهشّ بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى ، كثيرة لا تحصى . قلت : منافع العصا كثيرة ، ولها مدخل في مواضع من الشريعة : منها تتخذ قبلة في الصحراء وقد كان للنبي عليه الصلاة والسلام عَنزَة تُركز له فيصلّي إليها ، وكان إذا خرج يوم العيد أمر بالحَرْبة فتوضع بين يديه فيصلّي إليها وذلك ثابت في الصحيح . والحَرْبة والعَنزَة والنَّيزْك والآلة اسماء لمسمى واحد . وكان له مِحْجَن وهو عصا معوجَّة الطّرَف يشير به إلى الحَجَر إذا لم يستطع أن يقبّله ثابت في الصحيح أيضاً . وفي الموطأ عن السائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيّ بن كعب وتميماً الداريّ أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، وكان القارىء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصيّ من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر . وفي الصحيحين : أنه عليه الصلاة والسلام كان له مِخْصَرة . والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكّئاً على سيف أو عصا ، فالعصا مأخوذة من أصل كريم ، ومعدن شريف ، ولا ينكرها إلا جاهل . وقد جمع الله لموسى في عصاه من البراهين العظام ، والآيات الجسام ، ما آمن به السحرة المعاندون . واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته . وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعَنَزته وكان يخطب بالقضيب وكفى بذلك فضلاً على شرف حال العصا وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء ، وعادة العرب العرباء ، الفصحاء اللسن البلغاء أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام ، وفي المحافل والخطب . وأنكرت الشُّعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني . والشُّعوبية تبغض العرب وتفضل العجم . قال مالك : كان عطاء ابن السائب يمسك المِخصرة يستعين بها . قال مالك : والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يقوى بها عند قيامه . قلت : وفي مشيته كما قال بعضهم : @ قد كنتُ أمشي على رجلين معتمداً فصرتُ أمشي على أخرى من الخشَبِ @@ قال مالك رحمه الله ورضي عنه : وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكأون عليها ، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيّهم ، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم . ومن منافع العصا ضرب الرجل نساءه بها فيما يصلحهم ، ويصلح حاله وحالهم معه . ومنه قوله عليه السلام : " وأما أبو جَهْم فلا يضع عصاه عن عاتقه " في إحدى الروايات . وقد روي عنه عليه السلام أنه قال لرجل أوصاه : " لا ترفع عصاك عن أهلك أخفهم في الله " رواه عبادة بن الصامت خرجه النسائي . ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " علِّق سوطك حيث يراه أهلك " وقد تقدم هذا في « النساء » . ومن فوائدها التنبيه على الانتقال من هذه الدار كما قيل لبعض الزهاد : ما لك تمشي على عصا ولست بكبير ولا مريض ؟ قال : إني أعلم أني مسافر ، وأنها دار قُلعة ، وأن العصا من آلة السفر فأخذه بعض الشعراء فقال :