Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 43-44)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { ٱذْهَبَآ } قال في أول الآية : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي } وقال هنا : « اذهبا » فقيل : أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون ، وخاطب أولاً موسى وحده تشريفاً له ثم كرر للتأكيد . وقيل : بَيَّن بهذا أنه لا يكفي ذهاب أحدهما . وقيل : الأول أمر بالذهاب إلى كل الناس ، والثاني بالذهاب إلى فرعون . الثانية : في قوله تعالى : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة ، وضمنت له العصمة ، ألا تراه قال : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } . وقال : { لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } فكيف بنا فنحن أولى بذلك . وحينئذٍ يحصل الآمر أو الناهي على مرغوبه ، ويظفر بمطلوبه وهذا واضح . الثالثة : واختلف الناس في معنى قوله « لَيِّناً » فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه كَنِّياه وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي . ثم قيل : وكنيته أبو العباس . وقيل : أبو الوليد . وقيل : أبو مرة فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيهاً ذا شرف وطُمِع بإسلامه . وقد يجوز ذلك وإن لم يُطمَع بإسلامه لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملاً . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه ، ومن الإكرام دعاؤه بالكُنية . وقد قال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية : " انزل أبا وهب " فكناه . وقال لسعد : " ألم تسمع ما يقوله أبو حُبَاب " يعني عبد الله بن أبيّ . وروي في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قام على باب فرعون سنة ، لا يجد رسولاً يبلغ كلاماً حتى خرج . فجرى له ما قصّ الله علينا من ذلك ، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين ، وربك أعلم بالمهتدين . وقيل قال له موسى : تؤمن بما جئتُ به ، وتعبد ربّ العالمين على أن لك شباباً لا يَهْرَم إلى الموت ، وملكاً لا ينزع منك إلى الموت ، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة ، فإذا متّ دخلت الجنة . فهذا القول اللين . وقال ابن مسعود : القول اللين قوله تعالى : { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } [ النازعات : 18 19 ] . وقد قيل إن القول اللين قول موسى : يا فرعون إنا رسولا ربك ربّ العالمين . فسماه بهذا الاسم لأنه كان أحب إليه مما سواه مما قيل له ، كما يسمى عندنا الملك ونحوه . قلت : القول اللَّين هو القول الذي لا خشونة فيه يقال : لان الشيء يَلِين لَيْناً وشيء ليِّن ولَيْن مخفّف منه والجمع الِيناء . فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولاً ليناً ، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه ، وأمره بالمعروف في كلامه . وقد قال الله تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [ البقرة : 83 ] . على ما تقدم في « البقرة » بيانه والحمد لله . الرابعة : قوله تعالى : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } معناه : على رجائكما وطمعكما فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره . وقد تقدم في أول « البقرة » . قال الزجاج : « لعل » لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون . وقيل : « لعل » هاهنا بمعنى الاستفهام ، والمعنى فانظر هل يتذكر . وقيل : هي بمعنى كي . وقيل : هو إخبار من الله تعالى عن قول هارون لموسى لعله يتذكر أو يخشى قاله الحسن . وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع . وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي فقال : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] . ولكن لم ينفعه ذلك قاله أبو بكر الوراق وغيره . وقال يحيـى بن معاذ في هذه الآية هذا رِفقك بمن يقول أنا الإلٰه فكيف رفقك بمن يقول أنت الإلٰه ؟ ! وقد قيل : إن فرعون رَكَنَ إلى قول موسى لما دعاه ، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان ، فشاور هامان فقال : لا تفعل بعد أن كنت مالكاً تصير مملوكاً ، وبعد أن كنت رباً تصير مربوباً . وقال له : أنا أردّك شاباً فخضب لحيته بالسواد فهو أول من خضب .