Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 36-42)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } لما سأله شرح الصدر ، وتيسير الأمر إلى ما ذكر ، أجاب سؤله ، وأتاه طِلْبته ومرغوبه . والسؤل الطِّلْبة فُعْل بمعنى مفعول ، كقولك خُبز بمعنى مخبوز وأُكل بمعنى مأكول . وقوله تعالى : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } أي قبل هذه ، وهي حفظه سبحانه له من شر الأعداء في الابتداء وذلك حين الذبح . والله أعلم . والمنّ الإحسان والإفضال . وقوله : { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } قيل : « أوحينا » ألهمنا . وقيل : أوحي إليها في النوم . وقال ابن عباس رضي الله عنه : أوحي إليها كما أوحي إلى النبيين . { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } قال مقاتل : مؤمن آل فرعون هو الذي صنع التابوت ونَجَره وكان اسمه حِزْقيل . وكان التابوت من جُمَّيز . { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } أي اطرحيه في البحر : نهر النيل . { فَلْيُلْقِهِ } قال الفراء : { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } أمر وفيه معنى المجازاة . أي اقذفيه يلقه اليمُّ . وكذا قوله : { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } [ العنكبوت : 12 ] . { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } يعني فرعون فاتخذت تابوتاً ، وجعلت فيه نطعاً ، ووضعت فيه موسى ، وقَيَّرت رأسه وخِصَاصه يعني شقوقه ثم ألقته في النيل ، وكان يَشْرَع منه نهر كبير في دار فرعون ، فساقه الله في ذلك النهر إلى دار فرعون . وروي أنها جعلت في التابوت قطناً محلوجاً ، فوضعته فيه وقَيَّرته وجَصَّصته ، ثم ألقته في اليمّ . وكان يَشْرَع منه إلى بستان فرعون نهر كبير ، فبينا هو جالس على رأس بِركة مع آسية ، إذا بالتابوت ، فأمر به فأخرج ، ففتح فإذا صبيّ أصبح الناس ، فأحبه عدوّ الله حبًّا شديداً لا يتمالك أن يصبر عنه . وظاهر القرآن يدل على أن البحر ألقاه بساحله وهو شاطئه ، فرأى فرعون التابوت بالساحل فأمر بأخذه . ويحتمل أن يكون إلقاء اليمّ بموضع من الساحل ، فيه فُوَّهة نهر فرعون ، ثم أدّاه النهر إلى حيث البِركة . والله أعلم . وقيل : وجدته ابنة فرعون وكان بها برص ، فلما فتحت التابوت شفيت . وروي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فأعياهم ، فدنت آسِية فرأت في جوف التابوت نوراً فعالجته ففتحته ، فإذا صبيّ نوره بين عينيه ، وهو يمصّ إبهامه لبناً فأحبّوه . وكانت لفرعون بنت برصاء ، وقال له الأطباء : لا تبرأ إلا من قبل البحر ، يوجد فيه شبه إنسان دواؤها رِيقه فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرئت . وقيل : لما نظرت إلى وجهه برئت . والله أعلم . وقيل : وجدته جوارٍ لامرأة فرعون ، فلما نظر إليه فرعون فرأى صبياً من أصبح الناس وجهاً ، فأحبه فرعون فذلك قوله تعالى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } قال ابن عباس : أحبه الله وحَبَّبه إلى خلقه . وقال ابن عطية : جعل عليه مَسْحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه . وقال قَتَادة : كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبّه وعشقه . وقال عِكْرمة : المعنى جعلت فيك حسناً وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبّك . وقال الطَبري : المعنى وألقيت عليك رحمتي . وقال ابن زيد : جعلت من رآك أحبّك حتى أحبّك فرعون فسلمت من شرّه ، وأحبّتك آسِية بنت مُزَاحم فتبنّتك . { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } قال ابن عباس : يريد إن ذلك بعيني حيث جُعلت في التابوت ، وحيث ألقي التابوت في البحر ، وحيث التقطك جواري امرأة فرعون فأردن أن يفتحن التابوت لينظرن ما فيه ، فقالت منهن واحدة : لا تفتحْنه حتى تأتين به سيدتكنّ فهو أحظى لكنّ عندها ، وأجدر بألا تتهمكنّ بأنكنّ وجدتن فيه شيئاً فأخذتموه لأنفسكنّ . وكانت امرأة فرعون لا تشرب من الماء إلا ما استقينه أولئك الجواري . فذهبن بالتابوت إليها مغلَقاً ، فلما فتحته رأت صبياً لم يُرَ مثله قطّ وألقى عليها محبته فأخذته فدخلت به على فرعون ، فقالت له : { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } [ القصص : 9 ] قال لها فرعون : أمّا لك فَنَعم ، وأما لي فلا . فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن فرعون قال نعم هو قرة عين لي ولك لآمن وصدّق " فقالت : هَبْه لي ولا تقتله فوهبه لها . وقيل : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } أي تُربَّى وتُغذى على مرأى مني قاله قتادة . قال النحاس : وذلك معروف في اللغة يقال : صنعت الفرس وأصنعته إذا أحسنتَ القيام عليه . والمعنى « ولِتصنع على عينِي » فعلت ذلك . وقيل : اللام متعلقة بما بعدها من قوله : « إِذ تمشِي أختك » على التقديم والتأخير فـ « ـإذ » ظرف « لتصنع » . وقيل : الواو في « ولِتصنع » زائدة . وقرأ ابن القَعْقاع « وَلْتُصْنَعْ » بإسكان اللام على الأمر ، وظاهره للمخاطب والمأمور غائب . وقرأ أبو نُهَيك « ولِتَصْنَعَ » بفتح التاء . والمعنى ولتكون حركتك وتصرفك بمشيئتي وعلى عين مني . ذكره المهدوي . { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ } العامل في « إِذ تمشِي » « أَلْقَيْتُ » أو « تصنع » . ويجوز أن يكون بدلاً من { إِذْ أَوْحَيْنَآ } وأخته اسمها مريم . { فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } وذلك أنها خرجت متعرفة خبره ، وكان موسى لما وهبه فرعون من امرأته طلبت له المراضع ، وكان لا يأخذ من أحد حتى أقبلت أخته ، فأخذته ووضعته في حجرها وناولته ثديها فمصه وفرح به . فقالوا لها : تقيمين عندنا فقالت : إنه لا لبن لي ولكن أدلكم على من يكفله وهم له ناصحون . قالوا : ومن هي ؟ قالت : أمي . فقالوا : لها لبنٌ ؟ قالت : لبن أخي هارون . وكان هارون أكبر من موسى بسنة . وقيل : بثلاث . وقيل : بأربع وذلك أن فرعون رحم بني إسرائيل فرفع عنهم القتل أربع سنين ، فولد هارون فيها قاله ابن عباس . فجاءت الأم فقبل ثديها . فذلك قوله تعالى : { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ } وفي مصحف أبيّ « فرددناك » { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ } وروى عبد الحميد عن ابن عامر « كَيْ تَقِرَّ عَيْنُهَا » بكسر القاف . قال الجوهري : وقرِرتُ به عيناً وقرَرْتُ به قُرّة وقُروراً فيهما . ورجل قرير العين وقد قرّت عينه تَقِرّ وتقَرّ نقيض سخنت . وأقرّ الله عينه أي أعطاه حتى تقرّ فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرد ولا تسخن . وللسرور دمعة باردة ، وللحزن دمعة حارة . وقد تقدم هذا المعنى في « مريم » . { وَلاَ تَحْزَنَ } أي على فقدك . { وَقَتَلْتَ نَفْساً } قال ابن عباس : قتل قبطياً كافراً . قال كعب : وكان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة . في صحيح مسلم : وكان قتله خطأ على ما يأتي . { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } أي آمناك من الخوف والقتل والحبس . { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } أي اختبرناك اختباراً حتى صلحت للرسالة . وقال قتادة : بلوناك بلاء . مجاهد : أخلصناك إخلاصاً . وقال ابن عباس : اختبرناك بأشياء قبل الرسالة ، أولها حملته أمه في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في اليم ، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جره بلحية فرعون ، ثم تناوله الجمرة بدل الدُّرّة فدرأ ذلك عنه قتل فرعون ، ثم قتله القبطي وخروجه خائفاً يترقب ، ثم رعايته الغنم ليتدرب بها على رعاية الخلق . فيقال : إنه نَدَّ له من الغنم جَدْي فاتبعه أكثر النهار ، وأتعبه ، ثم أخذه فقبله وضمه إلى صدره ، وقال له : أتعبتني وأتعبت نفسك ولم يغضب عليه . قال وهب بن منبه : ولهذا اتخذه الله تعالى كليماً وقد مضى في « النساء » . قوله تعالى : { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } يريد عشر سنين أتمّ الأجلين . وقال وهب : لبث عند شعيب ثماني وعشرين سنة ، منها عشر مهر امرأته صفورا ابنة شعيب ، وثماني عشرة إقامة عنده حتى ولد له عنده . وقوله : { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } قال ابن عباس وقتادة وعبد الرحمن بن كيسان : يريد موافقاً للنبوة والرسالة لأن الأنبياء لا يبعثون إلا أبناء أربعين سنة . وقال مجاهد ومقاتل : « على قَدَرٍ » على وعد وقال محمد بن كعب : ثم جئت على القدر الذي قدرت لك أنك تجيء فيه . والمعنى واحد . أي جئت في الوقت الذي أردنا إرسالك فيه . وقال الشاعر : @ نال الخلافة أو كانت له قَدَراً كما أَتَى ربَّه موسى على قَدَر @@ قوله تعالى : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } قال ابن عباس : أي اصطفيتك لوحيي ورسالتي . وقيل : { وَٱصْطَنَعْتُكَ } خلقتك مأخوذ من الصنعة . وقيل : قوّيتك وعلمتك لتبلّغ عبادي أمري ونهيي . { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي } قال ابن عباس : يريد التسع الآيات التي أنزلت عليه . { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } قال ابن عباس : تضعفا أي في أمر الرسالة وقاله قتادة . وقيل : تفترا . قال الشاعر : @ فَمَا وَنَى محمدٌ مُذَ انْ غَفَرْ له الإلهُ ما مَضَى وما غَبر @@ والْوَنَى الضَّعف والفتور ، والكَلال والإعياء وكلّه مراد في الآية . وقال امرؤ القيس : @ مِسَحٍّ إذا ما السابحاتُ على الوَنَى أَثَرْنَ غُباراً بالكَدِيدِ المرَكَّلِ @@ ويقال : ونيت في الأمر أنِي وَنًى ووَنْياً أي ضَعُفت ، فأنا وانٍ وناقة وانِية وأونيتها أنا أضعفتها وأتعبتها . وفلان لا يَني كذا ، أي لا يزال ، وبه فَسَّر أبان معنى الآية واستشهد بقول طَرَفة : @ كأنّ القُدُورَ الراسياتِ أَمامَهُمْ قبابٌ بَنَوْها لا تَنِي أبداً تَغْلِي @@ وعن ابن عباس أيضاً : لا تبطئا . وفي قراءة ابن مسعود « وَلاَ تَهِنا فِي ذِكرِي » وتحميدي وتمجيدي وتبليغ رسالتي .