Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } قال عبد الله بن مسعود : الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول ، وهنّ من تلادي يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التّلاد . وروي أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبني جداراً ، فمرّ به آخر في يوم نزول هذه السورة ، فقال الذي كان يبني الجدار : ماذا نزل اليوم من القرآن ؟ فقال الآخر : نزل { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } فنفض يده من البنيان ، وقال : والله لا بنيت أبداً وقد اقترب الحساب . « اقترب » أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم . « للناس » قال ابن عباس : المراد بالناس هاهنا المشركون بدليل قوله تعالى : { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } إلى قوله : { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } . وقيل : الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش يدل على ذلك ما بعد من الآيات ومن عَلِم اقتراب الساعة قصر أمله ، وطابت نفسه بالتوبة ، ولم يركن إلى الدنيا ، فكأنّ ما كان لم يكن إذا ذهب ، وكل آتٍ قريب ، والموت لا محالة آتٍ وموت كل إنسان قيام ساعته والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان ، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى . وقال الضحاك : معنى { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } أي عذابهم يعني أهل مكة لأنهم استبطأوا ما وُعِدوا به من العذاب تكذيباً ، وكان قتلهم يوم بَدْر . النحاس : ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس لئلا يتقدّم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير . { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } ابتداء خبر . ويجوز النصب في غير القرآن على الحال . وفيه وجهان : أحدهما : « وهم فِي غفلةٍ معرِضون » يعني بالدنيا عن الآخرة . الثاني : عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وهذه الواو عند سيبويه بمعنى « إذ » وهي التي يسميها النحويون واو الحال كما قال الله تبارك وتعالى : { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [ آل عمران : 154 ] . قوله تعالى : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } « مُحْدَثٍ » نعت لـ « ـذكر » . وأجاز الكسائي والفراء « مُحْدَثاً » بمعنى ما يأتيهم محدثاً نصب على الحال . وأجاز الفراء أيضاً رفع « مُحْدَث » على النعت للذِّكر لأنك لو حذفت « مِن » رفعت ذكراً أي ما يأتيهم ذكر من ربهم مُحدَث يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة ، وآية بعد آية ، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت لا أن القرآن مخلوق . وقيل : الذكر ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به . وقال : { مِّن رَّبِّهِمْ } لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي ، فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر ، وهو محدث قال الله تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } [ الغاشية : 21 ] . ويقال : فلان في مجلس الذكر . وقيل : الذكر الرسول نفسه قاله الحسين بن الفضل بدليل ما في سياق الآية { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ الأنبياء : 3 ] ولو أراد بالذكر القرآن لقال : هل هذا إلا أساطير الأوّلين ودليل هذا التأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [ القلم : 51 52 ] يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . وقال : { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً } [ الطلاق : 10 11 ] . { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته . { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } الواو واو الحال يدل عليه { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } ومعنى « يَلْعَبُونَ » أي يلهون . وقيل : يشتغلون فإن حُمِل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين : أحدهما : بلذاتهم . الثاني : بسماع ما يتلى عليهم . وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين : أحدهما : بالدنيا لأنها لعب كما قال الله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [ محمد : 36 ] . الثاني : يتشاغلون بالقَدْح فيه ، والاعتراض عليه . قال الحسن : كلما جدّد لهم الذكر استمروا على الجهل . وقيل : يستمعون القرآن مستهزئين . قوله تعالى : { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } أي ساهيةً قلوبهم ، معرضةً عن ذكر الله ، متشاغلةً عن التأمل والتفهم من قول العرب : لَهَيْتُ عن ذكر الشيء إذا تركتَه وسلوتَ عنه أَلْهَى لهِيًّا ولِهْيَاناً . و « لاهيةً » نعت تقدّم الاسم ، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب ، فإذا تقدّم النعت الاسم انتصب كقوله : { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ } [ القلم : 43 ] و { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } [ الإنسان : 14 ] و { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } قال الشاعر : @ لِعَزَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ يَلُوحُ كَأنَّه خَلَلُ @@ أراد : طلل موحش . وأجاز الكسائي والفراء « لاَهِيَةٌ قُلُوبُهُمْ » بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية . وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبراً بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ . وقال الكسائي : ويجوز أن يكون المعنى إلا استمعوه لاهية قلوبهم . { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب ، ثم بين من هم فقال : { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي الذين أشركوا فـ « ـالذين ظلموا » بدل من الواو في « أسروا » وهو عائد على الناس المتقدّم ذكرهم ولا يوقف على هذا القول على « النجوى » . قال المبرّد وهو كقولك : إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله فبنو بدل من الواو في انطلقوا . وقيل : هو رفع على الذم ، أي هم الذين ظلموا . وقيل : على حذف القول التقدير : يقول الذين ظلموا وحذف القول مثل { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 24 ] . واختار هذ القول النحاس قال : والدليل على صحة هذا الجواب أن بعده { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . وقول رابع : يكون منصوباً بمعنى أعني الذين ظلموا . وأجاز الفراء أن يكون خفضاً بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم ولا يوقف على هذا الوجه على « النجوى » ويوقف على الوجوه الثلاثة المتقدّمة قبله فهذه خمسة أقوال . وأجاز الأخفش الرفع على لغة من قال : أكلوني البراغيث وهو حسن قال الله تعالى : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ المائدة : 71 ] . وقال الشاعر : @ بك نال النِّضالُ دون المساعي فاهتديْنَ النِّبالُ للأغراض @@ وقال آخر : @ ولكِنْ دِيافِيٌّ أبوه وأمُّهُ بِحَوْرانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهْ @@ وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير مجازه : والذين ظلموا أسروا النجوى . أبو عبيدة : « أسروا » هنا من الأضداد فيحتمل أن يكونوا أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكونوا أظهروه وأعلنوه . قوله تعالى : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } أي تناجوا بينهم وقالوا : هل هذا الذكر الذي هو الرسول ، أو هل هذا الذي يدعوكم إلا بشر مثلكم ، لا يتميز عنكم بشيء ، يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق كما تفعلون . وما علموا أن الله عز وجل بيّن أنه لا يجوز أن يرسل إليهم إلا بشراً ليتفهموا ويعلمهم . { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ } أي إن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر ، فكيف تجيئون إليه وتتبعونه ؟ فأطلع الله نبيه عليه السلام على ما تناجوا به . و « السحر » في اللغة كل مموّه لا حقيقة له ولا صحة . { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } قيل معناه « وأنتم تبصرون » أنه إنسان مثلكم مثل : « وأنتم تعقلون » لأن العقل البصر بالأشياء . وقيل : المعنى أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر . وقيل : المعنى أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق ومعنى الكلام التوبيخ .