Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 36-36)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيها عشر مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَٱلْبُدْنَ } وقرأ ابن أبي إسحاق « والبُدُن » لغتان ، واحدتها بَدَنة . كما يقال : ثمرة وثُمُر وثُمْر ، وخشبة وخُشُب وخُشْب . وفي التنزيل : « وكان له ثُمُر » وقرىء « ثمْر » لغتان . وسميت بَدَنة لأنها تَبْدُن ، والبدانة السِّمن . وقيل : إن هذا الاسم خاص بالإبل . وقيل : البُدْن جمع « بَدَن » بفتح الباء والدال . ويقال : بَدُن الرجل « بضم الدال » إذا سَمِن . وبدّن « بتشديدها » إذا كبِر وأسنّ . وفي الحديث : « إني قد بدّنت » أي كبِرت وأسننت . وروي « بَدُنْت » وليس له معنى لأنه خلاف صفته صلى الله عليه وسلم ، ومعناه كثرة اللحم . يقال : بَدُن الرجل يبدُن بُدْناً وبَدانة فهو بادن أي ضخم . الثانية : اختلف العلماء في البُدْن هل تطلق على غير الإبل من البقر أم لا فقال ابن مسعود وعطاء والشافعيّ : لا . وقال مالك وأبو حنيفة : نعم . وفائدة الخلاف فيمن نذر بَدَنة فلم يجد البدنة أو لم يقدر عليها وقدر على البقرة فهل تجزيه أم لا فعلى مذهب الشافعيّ وعطاء لا تجزيه . وعلى مذهب مالك تجزيه . والصحيح ما ذهب إليه الشافعيّ وعطاء " لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح في يوم الجمعة : « من راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة » " الحديث . فتفريقه عليه السلام بين البقرة والبَدَنة يدلّ على أن البقرة لا يقال عليها بدنة والله أعلم . وأيضاً قوله تعالى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يدل على ذلك فإن الوصف خاص بالإبل . والبقر يضجع ويذبح كالغنم على ما يأتي . ودليلنا أن البدنة مأخوذة من البدانة وهو الضخامة ، والضخامة توجد فيهما جميعاً . وأيضاً فإن البقرة في التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم بمنزلة الإبل حتى تجوز البقرة في الضحايا عن سبعةٍ كالإبل . وهذا حجة لأبي حنيفة حيث وافقه الشافعيّ على ذلك ، وليس ذلك في مذهبنا . وحكى ابن شجرة أنه يقال في الغنم بدنة ، وهو قول شاذ . والبُدْن هي الإبل التي تُهْدَى إلى الكعبة . والهَدْي عامّ في الإبل والبقر والغنم . الثالثة : قوله تعالى : { مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } نصٌّ في أنها بعض الشعائر . وقوله : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } يريد به المنافع التي تقدم ذكرها . والصواب عمومه في خير الدنيا والآخرة . الرابعة : قوله تعالى : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } أي انحروها على اسم الله . و « صوافّ » أي قد صفّت قوائمها . والإبل تُنحر قياماً معقولة . وأصل هذا الوصف في الخيل يقال : صَفَن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثَنَى سُنْبُك الرابعة والسّنبك طرف الحافر . والبعير إذا أرادوا نحره تُعقل إحدى يديه فيقوم على ثلاث قوائم . وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعريّ « صَوَافِيَ » أي خوالص لله عز وجل لا يشركون به في التسمية على نحرها أحداً . وعن الحسن أيضاً « صوافٍ » بكسر الفاء وتنوينها مخفّفةً ، وهي بمعنى التي قبلها ، لكن حذفت الياء تخفيفاً على غير قياس و « صوافَّ » قراءة الجمهور بفتح الفاء وشدها من صفّ يَصُفّ . وواحد صوافّ صافة ، وواحد صوافي صافية . وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو جعفر محمد بن علي « صوافِن » بالنون جمع صافنة . ولا يكون واحدها صافناً لأن فاعلاً لا يجمع على فواعل إلا في حروف مختصة لا يقاس عليها وهي فارس وفوارس ، وهالك وهوالك ، وخالف وخوالف . والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعَقْل لئلا تضطرب . ومنه قوله تعالى : { ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } [ صۤ : 31 ] . وقال عمرو بن كُلْثوم : @ تركنا الخيلَ عاكفةً عليه مقلَّدةً أعنَّتَها صُفُونَا @@ ويروى : @ تظل جيادُه نَوْحاً عليه مقلَّدةً أعنَّتَها صُفُونَا @@ وقال آخر : @ ألِف الصُّفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا @@ وقال أبو عمرو الجَرْمِيّ : الصافن عرق في مقدم الرجل ، فإذا ضرب على الفرس رفع رجله . وقال الأعشى : @ وكلّ كُمَيْت كجذع السَّحو ق يَرْنُو القِناء إذا ما صَفَنْ @@ الخامسة : قال ابن وهب : أخبرني ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب عن الصوافّ فقال : تقيّدها ثم تصفها . وقال لي مالك بن أنس مثله . وكان العلماء على استحباب ذلك إلا أبا حنيفة والثّوريّ فإنهما أجازا أن تنحر باركة وقياماً . وشذّ عطاء فخالف واستحب نحرها باركة . والصحيح ما عليه الجمهور لقوله تعالى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } معناه سقطت بعد نحرها ومنه وَجَبت الشمس . وفي صحيح مسلم عن زياد بن جُبير أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بَدَنته باركةً فقال : ابعثها قائمة مقيَّدة سنةَ نبيّكم صلى الله عليه وسلم . وروى أبو داود عن أبي الزبير عن جابر ، وأخبرني عبد الرحمن بن سابط : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا ينحرون البَدَنة معقولة اليسرى قائمةً على ما بقي من قوائمها . السادسة : قال مالك : فإن ضَعُف إنسان أو تخوّف أن تنفلت بَدَنته فلا أرى بأساً أن ينحرها معقولة . والاختيار أن تُنحر الإبل قائمة غير معقولة إلا أن يتعذر ذلك فتعقل ولا تُعَرْقَب إلا أن يخاف أن يضعف عنها ولا يقوى عليها . ونحرها باركة أفضل من أن تعرقب . وكان ابن عمر يأخذ الحربة بيده في عنفوان أَيْده فينحرها في صدرها ويخرجها على سنامها ، فلما أسنّ كان ينحرها باركة لضعفه ، ويمسك معه الحربة رجل آخرُ ، وآخر بِخطامها . وتضجع البقر والغنم . السابعة : ولا يجوز النحر قبل الفجر من يوم النحر بإجماع . وكذلك الأضحيّة لا تجوز قبل الفجر . فإذا طلع الفجر حل النحر بمِنًى ، وليس عليهم انتظار نحر إمامهم بخلاف الأضحيّة في سائر البلاد . والمنحر مِنًى لكل حاج ، ومكة لكل معتمِر . ولو نحر الحاج بمكة والمعتمرُ بمنًى لم يَحْرَج واحد منهما ، إن شاء الله تعالى . الثامنة : قوله تعالى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يقال : وجبت الشمس إذا سقطت ، ووجب الحائط إذا سقط . قال قيس بن الخَطِيم : @ أطاعت بنو عوف أميراً نهاهُم عن السِّلْم حتى كان أوّل واجبِ @@ وقال أوْس بن حَجَر : @ ألم تكسف الشمسُ والبدرُ والـ ـكواكبُ للجبل الواجب @@ فقوله تعالى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يريد إذا سقطت على جنوبها ميتة . كنّى عن الموت بالسقوط على الجنب كما كنّى عن النحر والذبح بقوله تعالى : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } . والكنايات في أكثر المواضع أبلغ من التصريح . قال الشاعر : @ فتركته جَزَرَ السباعِ يَنُشْنَه ما بين قُلّة رأسه والمِعْصَمِ @@ وقال عنترة : @ وضـربـت قَـرْنَـيْ كبـشـهـا فَتَـجـدّلا @@ أي سقط مقتولاً إلى الجَدالة ، وهي الأرض ومثله كثير . والوُجوب للجَنْب بعد النحر علامة نزف الدّم وخروج الروح منها ، وهو وقت الأكل ، أي وقت قرب الأكل لأنها إنما تبتدأ بالسلخ وقطع شيء من الذبيحة ثم يطبخ . ولا تسلخ حتى تَبْرُد لأن ذلك من باب التعذيب ولهذا قال عمر رضي الله عنه : لا تعجلوا الأنفس أن تزهق . التاسعة : قوله تعالى : { فَكُلُواْ مِنْهَا } أمر معناه الندب . وكل العلماء يستحبّ أن يأكل الإنسان من هَدْيه ، وفيه أجر وامتثال إذ كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هَدْيهم كما تقدّم . وقال أبو العباس بن شُريح : الأكل والإطعام مستحبان ، وله الاقتصار على أيهما شاء . وقال الشافعي : الأكل مستحب والإطعام واجب ، فإن أطعم جميعها أجزاه وإن أكل جميعها لم يجزه ، وهذا فيما كان تطوّعاً فأما واجبات الدماء فلا يجوز أن يأكل منها شيئاً حسبما تقدّم بيانه . العاشرة : قوله تعالى : { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } قال مجاهد وإبراهيم والطبريّ : قوله : « وأطعِموا » أمر إباحةٍ . و « القانِع » السائل . يقال : قَنَع الرجل يَقْنَع قنوعاً إذا سأل ، بفتح النون في الماضي وكسرها في المستقبل ، يقنَع قناعة فهو قَنِع ، إذا تعفف واستغنى ببلغته ولم يسأل مثل حمِد يحمَد ، قَناعة وقَنَعا وقَنَعانا قاله الخليل . ومن الأوّل قول الشّماخ : @ لمَالُ المرء يُصلِحْه فيُغْنِي مَفاقِرَه أعفُّ من القُنُوع @@ وقال ابن السِّكيت : من العرب من ذكر القُنوع بمعنى القناعة ، وهي الرضا والتعفّف وترك المسألة . وروي عن أبي رجاء أنه قرأ « وأطعِموا القَنِع » ومعنى هذا مخالف للأوّل . يقال : قَنِع الرجل فهو قَنِع إذا رضي . وأما المعترّ فهو الذي يُطيف بك يطلب ما عندك ، سائلاً كان أو ساكتاً . وقال محمد بن كعب القُرَظِيّ ومجاهد وإبراهيم والكلبيّ والحسن بن أبي الحسن : المعتّر المعترض من غير سؤال . قال زهير : @ على مُكْثِرِيهم رزقُ من يعتريهمُ وعند المُقِلّين السماحةُ والبَذْلُ @@ وقال مالك : أحسن ما سمعت أن القانع الفقيرُ ، والمعتر الزائر . وروي عن الحسن أنه قرأ « والمعترِيَ » ومعناه كمعنى المعتر . يقال : اعترّه واعتراه وعرّه وعرَّاه إذا تعرّض لما عنده أو طلبه ذكره النحاس .